لم يستطع “,”سد النهضة“,” والغلاء وارتفاع الأسعار، الوقوف أمام محبي ومريدي “,”السيدة“,” من التوافد للاحتفال، وإحياء ذكرى رحيلها، ليمتلئ “,”المولد“,” بوجوه الطاعنين في السن والعجائز، ممن أتوا ليوفوا بنذور لهم أو عليهم، هاربين من همومهم، حاملين في قلوبهم وأيديهم أمتعتهم ودعائهم، متغاضين عن كل ما يحدث حولهم من فوضى سياسية. ويعد الخامس والعشرون من شهر “,”رجب“,” من كل عام تاريخا هاما لدى المصريين، للاحتفاء بذكرى السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب وحفيدة الرسول، صلى الله عليه وسلم“,”، وليتزين الحي الذي يحمل اسمها ويرقد فيه مقامها بأجمل اشكال الزينة التي تغطى المسجد والميدان والمنطقة المحيطة به بالكامل. يبدأ الناس في الاحتفال بالمولد بداية من شهر رجب حتى الليلة الختامية والمعروفة باسم “,”الليلة الكبيرة“,”، والمولد هو متنفس للتنزه للأسر المصرية من الطبقة المتوسطة والفقيرة، كما هو متنفس لمحبي “,”آل البيت“,” والمريدين، ويتسم الاحتفال بالمظاهر الروحية وذلك من خلال إحياء حلقات الذكر الصوفية، وسرادقات خدمات “,”آل البيت“,” والتي توفر المأكل والمشرب والمبيت لزوار “,”عقيلة بني هاشم“,”، كما تمتلئ الشوارع بالباعة الجائلين الذين يأتون كل عام ليفترشوا الأرصفة بالحمص والهريسة وحلوى المولد كالمشبك وبلح الشام، وباعة “,”الطراطير“,”، كما يتواجد المهرجون ومسارح المسابقات والألعاب البهلوانية والسيرك، وأيضا “,”المراجيح“,” ذات الألوان الشعبية. وفي هذا العام اختلف المولد عن الأعوام السابقة، على الرغم من وجود كافة المظاهر المعتادة كل سنة، ولكن كان للسياسة وما خلفته من تبعات اقتصادية ظلا ثقيلا على زوار المولد وعلى الأسرة المصرية، يقول صبحي صاحب مراجيح بالمولد: “,”الإقبال منذ بداية الشهر ضعيف جدا والساحة خاوية، ليست مثل الأعوام السابقة، والدخل مقارنة بالمنصرف من التكاليف قليل جدا“,”. من جانبها، تقول الحاجة ليلى صاحبة عربية “,”بومب“,”: “,”الحالة نايمة، حتى بعد الثورة الناس كانت بتيجي للحضرة، لكن السنة دي الدنيا ولعت والناس معهاش عشان تصرف، حتى الوافدين من أهل الريف قلة أعدادهم بسبب ارتفاع المعيشة“,”. في نظر الغريب يختلط الحابل بالنابل في المولد، لكن لأهالي الحي رأيا مختلفا.. تقول الحاجة “,”أم هاشم“,” صاحبة محل كباب: “,”من يقول إن المولد فيه بلطجية، أو تحرش “,”مبيفهمش“,”، لأن الناس هنا جايين يتبركوا ب“,”الحضرة الشريفة“,”، مش في دماغهم البلطجة أو التحرش أو السرقة، ولازم نفرق بين الوافدين من مريدين السيدة وبين البياعين، اللي بييجوا على أنه موسم لكسب الرزق ودول فيهم الكويس والعفش“,”. من جانبه يقول حاتم صاحب أحد “,”المراجيح“,”: “,”أكثر ما يضايقنا هنا ليس الباعة، ولكن بلدية الحي التي ترى أن وقوفنا مخالف لإشغال الطريق، واحنا بنعتبره موسم.. في وقت الحال فيه بقى مش أد كده“,”. ومن أكثر الملاحظات التي يراها زوار “,”السيدة“,” خلال المسيرة حتى المسجد، هي سرادقات الخدمات الممتلئة بكل أشكال البشر، فهناك المتعلم والزاهد.. المتسول والغريب، سيدات يفترشن أرض السرادق للراحة، وأطفال تلهو ورجال يحتسون الشاي في جماعة، وفوقهم القائمون على خدمتهم بكل ود وترحاب دون ملل. في نهاية الأمر، لا تجد غير الصورة البديعة والمليئة بعشرات التفاصيل التي تذكرنا فورا باستعراض “,”الليلة الكبيرة“,”، التي أبدع فيها صلاح جاهين عندما قال: “,”الليلة الكبيرة يا عمى والعالم كتير ... ماليين الشوادر يابا من الريف والبنادر“,”.