باشات: ثورة 30 يونيو الحصن المنيع للجبهة الداخلية ونقطة الانطلاق للجمهورية الجديدة    محافظ سوهاج يتفقد معرض تسويق المنتجات الحرفية بحي الكوثر    وزير النقل يتابع أعمال المرحلة الأولى من مشروع تطوير الطريق الدائري الإقليمي    إسرائيل: تفكيك أكبر شبكة تابعة لحماس في الضفة الغربية    رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية: إيران قد تستأنف تخصيب اليورانيوم خلال أشهر    باريس سان جيرمان يكتسح إنتر ميامي ويعبر إلى ربع نهائي مونديال الأندية    مصرع وإصابة 12 عاملًا في حادث إنقلاب سيارة ربع نقل ببني سويف    ثقافة القليوبية تحيي ذكرى ثورة 30 يونيو بأمسيات شعرية ولقاءات أدبية    وائل كفوري يطلق "بدي غير فيكي العالم" من ألبومه WK25 وسط ترقب جماهيري واسع    يحيي الفخراني: 'الملك لير' كانت صعبة في البداية ةقريبة لينا كمصريين    فيلم "المشروع X" يواصل اكتساح شباك التذاكر.. الإيرادات تقترب من 120 مليون جنيه في 5 أسابيع    محافظ الإسماعيلية يتفقد القافلة الطبية بمدرسة الشهيد محمد توفيق    في لقائه مع المستثمرين.. محافظ قنا يؤكد التيسيرات مستمرة والدعم كامل لتحفيز الاستثمار    بعد حادث المنوفية.. ضبط قائدي 9 سيارات تسير عكس الاتجاه بالطريق الإقليمى    نائبة تتقدم بطلب إحاطة لوزير النقل بشأن عدم استكمال بعض الطرق    في الذكرى 55 لعيد قوات الدفاع الجوي.. صفحات من الفداء وحُرّاس للسماء.. الفريق ياسر الطودي: نمتلك أعلى درجات الاستعداد القتالي لحماية سماء الوطن في السلم والحرب    ترامب: دمرنا منشآت إيران النووية.. ولن نسمح لها بتخصيب اليورانيوم    كامل الوزير: وزراء النقل السابقين كان نفسهم يعملوا اللي عملناه في ال10 سنين اللي فاتت    الزمالك: انتقدونا بسبب التسريبات.. الآن نعمل في سرية!    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى العلمين ويشيد بانتظام الفرق الطبية وجودة الخدمات المقدمة للمرضى    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى العلمين ويشيد بانتظام الفرق الطبية    وزير التعليم العالي: إعداد أول خريطة بحثية شاملة لكل إقليم بمصر    اللغة الإنجليزية ترسم البهجة على وجوه طلاب الثانوية العامة بكفر الشيخ    المصري ينهى اتفاقه مع عمر الساعي فى انتظار استكمال مفاوضات الأهلي    محافظ الشرقية يفاجئ قرية بردين ويتابع تنفيذ أعمال توسعة طريق العصلوجى    اجتماع طارئ في الأهلي.. الخطيب يناقش مع ريبيرو مصير الفريق وصفقات الصيف    وزير الري: الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في إدارة منظومة المياه    سوريا تنفي مزاعم إحباط محاولة لاغتيال الرئيس الشرع    حافز شهري يصل ل3000 جنيه لعاملين بالسكة الحديد - مستند    الداخلية تضبط آلاف القضايا خلال 24 ساعة.. تهريب وهجرة غير شرعية وسرقة تيار    السجن 5 سنوات لمتهم اعتدى على شاب ب"كتر" في الجيزة    "ارتبط اسمه بالأهلي والزمالك".. نادي شلاسك فروتسواف البولندي يعلن مغادرة نجمه لمعسكره دون إذن    نجاح زراعة منظم دائم لضربات القلب لإنهاء معاناة مريض من اضطراب كهربي خطير    عاصفة رعدية تؤخر سفر بايرن ميونخ إلى ميامي لمواجهة فلامنجو    السيسي يشهد أداء اليمين القانونية لرؤساء الهيئات القضائية الجدد    محافظ المنوفية يستقبل مفتى الجمهورية لتقديم واجب العزاء فى شهداء حادث الإقليمي    بحضور أولياء الأمور.. مدير تعليم سفاجا يكرم أوائل الشهادة الإعدادية    بحضور وزير الثقافة.. افتتاح أكبر معرض للكتاب بنادي الفيوم غدا|صور    انطلاق تصوير فيلم "ابن مين فيهم" لبيومي فؤاد وليلى علوي    ريبيرو يجهز مصطفى شوبير لحراسة مرمى الأهلي في الموسم الجديد    لتبادل الخبرات.. رئيس سلامة الغذاء يستقبل سفير اليابان بالقاهرة    حادث جديد على الطريق الإقليمي بالمنوفية: إصابة مجندين في انقلاب سيارة أمن مركزي    عمرو أديب يهاجم رئيس الوزراء بعد حادث المنوفية: عرفت تنام ازاي؟    ضبط سائق ميكروباص تحرش بطالبة في مدينة 6 أكتوبر    إسرائيل تعلن اغتيال المسؤول عن الصواريخ المضادة للدروع بحزب الله    محافظ أسيوط يفتتح قاعة اجتماعات مجلس المحافظين بالديوان العام للمحافظة    انتخابات مجلس الشيوخ| الهيئة الوطنية تعلن التفاصيل "الثلاثاء المقبل"    أسعار التوابل اليوم الأحد 29-6-2025 في محافظة الدقهلية    الأزهر للفتوى يوضح معني قول النبي" الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ"    هل النمل في البيت من علامات الحسد؟.. أمين الفتوى يجيب    أفضل الأدعية لطلب الرزق مع شروق الشمس    ما أفضل صدقة جارية على روح المتوفي.. الإفتاء تجيب    هل يجوز الخروج من المنزل دون الاغتسال من الجنابة؟.. دار الإفتاء توضح    تنسيق الثانوية العامة 2025 محافظة كفر الشيخ.. الحد الأدنى للقبول    5 أبراج «ناجحون في الإدارة»: مجتهدون يحبون المبادرة ويمتلكون رؤية ثاقبة    «لسة اللقب ماتحسمش».. مدرب بيراميدز يتشبث بأمل حصد الدوري المصري    الأردن يرحب باتفاق السلام بين رواندا والكونغو    الحكومة الإيرانية: مقتل 72 امرأة وطفل إثر العدوان الإسرائيلي على البلاد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سامح قاسم يكتب.. رسائل ألبير كامو إلى ماريا كازاريس: حينما يُخلد الحُب المُفكرين والكُتاب
نشر في البوابة يوم 07 - 03 - 2024

لم تكن حياته التي بدأها لاعبا لكرة القدم بسيطة أو مترفة بل شهدت متعاب جمة وصعوبات لا حصر لها كما شهدت انعطافات وتشكلات متعددة على مستوى الأفكار والرؤى السياسية فمن الشيوعية إلى الوجودية إلى التشكيك المطلق. كان يؤمن بالعدالة ويطالب بارسائها على الأرض ويرى أن الوصول إليها لا يكون بغير التمرد.. وأن المتمرد بديل عن الثوري إذ أن الأول يتمتع بعقل مستقل والثاني يعقلن أو يشرعن القتل.
ألبير كامو أحد أبرز كتاب فرنسا والعالم ولد بالجزائر وعرف بين الناس بالفيلسوف.. وإيمانه بالعبثية ولا جدوى الحياة لم يمنعه من إيمانه بالحب.. الحب الذي دفعه للانغماس الكامل في الشعور بالغيرة والألم.. ألم انتظار رؤية حبيبته أو وصول أي رسالة منها. لم يكن كامو في أعماله بهذه الهشاشة التي تتجلى في رسائلة إلى "ماريا" بل كان قويا ومتمردا على كل ما يُخضع الإنسان. اعتبر ان الحب والإيمان به دلالة واضحة لسعي الإنسان إلى حريته.. إلى شعوره بإنسانيته. إذ أن الكراهية والتعصب ونبذ الحب لا يعنوا شيئا سوى الخضوع إلى العبودية والخروج من الإنسانية والولوج إلى عالم لا ينتمي إلى عالم البشر.
قدم كامو العديد من الأعمال التي أثرت الأدب والفكري العالميين فمن "الغريب" و"الطاعون" و" أسطرة سيزيف" و" الإنسان المتمرد" انطلق إلى العالمية وحصل على أرفع جائزة أدبية في العالم حتى الآن وهي جائزة نوبل في الأداب. عاش كامو حياة صاخبة مكتظة بالمعارك الفكرية والسياسية لكنها لم تكن خالية أبدا من الحب العظيم. هذه الحياة التي عاشها طولا وعرضا أبت أن تنتهي بدون أن يكون مشهدها الأخير دارميا أو مأساويا ومفجعا. إذ رحل كامو في حادث سير مأساوي وقبل الحادثة التي أودت بحياته بأربعة أيام، كتب ألبير كامو رسالة إلى ماريا كازاريس وعدها فيها بتناول العشاء رفقتها يوم الثلاثاء حال وصوله إلى باريس وقد أخبرها أنه أغلق ملفاته فلا مزيد من العمل، لا شيء سوى الأمنيات لرأس السنة. كانت تلك رسالته الأخيرة للحبيبة التي راسلها لفترة امتدت من 1944 إلى 1959 ابتدأت قصة ألبير وماريا في السادس من يونيو 1944، يوم إنزال الحلفاء بالنورماندي.. التقيا مصادفة، وكم يبدو ذلك عبثيا بالنسبة إلى شخص يقول في إحدى رسائله: على الحبيبين أن يفوزا بحبهما وأن يكسباه أن يبنيا حياتهما وشعورهما. كانت ماريا تبلغ من العمر 21 سنة وكان ألبير يبلغ الثلاثين من عمره أما زوجته فرانسين فكانت آنذاك بعيدة عنه بسبب الاحتلال الألماني وحين انتهت الحرب قررت ماريا أن تنهي القصة لتعود "فرانسين" ويعود إليها ألبير وتتوقف الرسائل.
ثم بعد فراق دام أربع سنوات التقى ألبير بماريا مصادفة ثانية في نفس تاريخ لقائهما الأول ليعودا مجددا حبيبين للمسرح والسينما وللبحر والرقص على موسيقى الجاز وتدوم علاقتهما السرية المستحيلة حتى مماته.
لم يتوقف "ألبير" عن الكتابة ل" ماريا" فبين نص وآخر وفكرة وأخرى بين الشمس والمطر يكتب لها مثلما يكتب العشاق المتلهفون. كانت رسائله تتدفق عبر العالم من الجزائر وبلجيكا ومن السويد والبرازيل ومن كل مكان زاره كي يخبرها في كل حين أنها لا تغادر تفكيره.
الرسائل التي جمعتها بياتريس فيان وقامت بترجمتها سهى بخته والصادرة عن دار صفحة سبعة للنشر توضح الكثير من أفكار الكاتب الفرنسي ألبير كامو الذي أعتبر أنه الأصغر سنا بين الكتاب الحاصلين على جائزة نوبل للأداب. وهنا نقدم بعض من هذه الرسائل التي ضمها الكتاب بين دفتيه.


يونيو 1944 الساعة الرابعة بعد الزوال
ماريتي الصغيرة،
كنت أرجو أن نلتقي، لكني مشغول، لذلك فخلال ما لدي من وقت وجيز بين موعدين، أكتب لك بعض الكلمات هي بالطبع بدون معنى لكنها ستجعلك تفكرين بي عندما تجدينها هذا المساء حال عودتك إلى البيت.. كم أنا مرهق، وكم أحتاجك. أفضل أن أقول هذا بينما أضمك إلى صدري. ليلة طيبة عزيزتي، نامي كثيرا وفكري بي بقوة، أقبلك في انتظار اللقاء غدا.



يونيو 1944 الخميس الساعة العاشرة مساء
عزيزتي، قرأت للتو إهداءك، وها أنا ذا وشيء بداخلي يرتعش. لطالما قلت لنفسي إن المرء قد يكتب مثل هذه الأشياء مأخوذا بالحركة يكتبها دون أن يكون متشبعا بها. لكني أ]ضا أقول لنفسي إن بعض الكلمات لا يمكن أن تكتبيها دون أن تكوني قد أحسست به حقا.
كم أنا سعيد يا ماريا. هل يعقل هذا؟ هذا الشيء الذي يرتجف داخلي إنه نوع من الفرحة المجنونة. غير أن المرارة تتملكني بسبب رحيلك وبسبب الحزن الذي سأراه في عينيك لحظة مغادرتك لطالما كان إحساسي تجاهك مزيجا من السعادة والحيرة لكن إن كنت تحبينني كما تكتبين فلابد أن يكون بيننا أكثر من هذا. آن الأوان كي نحب، ولابد أن نرغب في ذلك بقوة تكفي لكي نتجاوز كل المصاعب.
لم أحب نظرتك الخاوية هذا المساء فحين نمتلك روحا نسمي إحباطنا شفافية ونطلق حقيقة على ما يناسبنا لكن هذه الشفافية عمياء، هي لى العكس من البصيرة التي تبغي السعادة.
أعلم أن هذه الفرحة على قصرها وهشاشتها ورغم كل ما يهددها فإنها ستكون من نصيبنا إن نحن مددنا أيدينا لها لكن علينا أولا أن نمد أيدينا.
أنتظر الغد أنتظرك أنتظر وجهك الجميل. أشعر هذا المساء بالتعب وأعجز عن اخبارك عن قلبي الفائض بسببك. هل لدينا هذا الشيء بيننا. الذي لا يملكه سوانا، هذا الشيء الذي يجعلني ألتقيك دون مشقة. لدينا هذه الساعات التي أصمت فيها ووتشكي في لكن ذلك مهم فقلبي مليء بك.
إلى اللقاء عزيزتي شكرا لكلماتك التي بعثت في سعادة غامرة. شكرا لروحك التي تحبني وأحبها. أقبلك بكل ما أوتيت من قوة.



الساعة الرابعة بعد الزوال
ماريا الصغيرة، لا أعلم إن كنت تفكرين في الإتصال بي. لا أعلم أين أنت في هذه اللحظة، ولا كيف أصل إليك. لا أملك شيئا بعينه كي أقوله لك. ليس لدي سوى هذه الموجة التي ترفعني منذ الأمس وهذه الحاجة الملحة في الثقة وفي الحب الذي أكنه لك.
ذلك أنني لم أكتب لك منذ فترة. إن وجدت هذه الرسالة عند عودتك مساء، اتصلي بي. لا تنسيني في هذه الأيام التي تفصلنا عن يوم السبت. فكري بي خلالها. أخبري نفسك أنني بقربك دائما في كل دقيقة تمر.
إلى اللقاء حبيبتي، إلى اللقاء يا حبي العزيز.



السبت الساعة الثانية بعد الزوال.
لقد كانت رحلتي طيبة ولم يطرأ شيء ذو بال. انطلقنا على الساعة السابعة وعشرين دقيقة صباحا، وسار بنا القطار مدة تسع ساعات. ثم سرنا على الأقدام لسبعة كيلو مترات كي نتجاوز محطة فرز ما. لقد قصفوا المحطة ليلة البارحة حوالي الساعة الحادية عشرة وإثر ذلك أخذنا القطار مجددا حتى حلول منتصف النهار. انتظرنا قطارا آخر لمدة ساعتين في "مو" ثم أخيرا وصلنا في الساعة الخامسة بعد الزوال. كنت متعبا جدا ككلب أسود لكني كنت سعيدا لأنني تركت هذا الطريق الشاق ورائي. أما المنزل الذي سأمكث فيه فقد كان جزء منه محطما جراء القصف سنة 1940. صحيح أنه قابل للسكن لكنه مغمور بالغبار حتى إن تنظيفه تطلب مني ثمان وأربعين ساعة والاستعانة بسيدة طيبة من الأرجاء. حسنا نمر الأن لوصف المكان. في القرية منخفضان اثنان تكسوهما الأشجار والمزروعات. الطقس هنا منعش، صوت ما قريب رائحة عشب بعض الأبقار بعض الأطفال هنا وهناك وعصافير تغرد بالأعلى قليلا يوجد ذلك التل المنبسط المفتوح حيث يصبح التنفس أفضل. تتكون القرية بالأساس من بعض المنازل وبعض الناس الطيبين أما بالنسبة إلى البيت فهو متوار داخل حديقة كبيرة غاصة بالأشجار وبآخر ورود هذه السنة الورود ليست حمراء. يقع البيت تحت ظل كنيسة قديمة أما الجزء الأمامي من الحديقة فهو حقل مشمس تحت أقواس الكنيسة. بالإمكان أخذ حمام شمس هناك.
أقوم الآن بتجهيز غرفة ومكتب في الطابق الأول. عندما أفرغ من ذلك سأكتب كي أصفهما لك.
أكتب لك بكل ما يمكنني من وضوح لأنني أظن أنك مبدئيا ترغبين في بعض التفاصيل الدقيقة أما أنا ففكري يذهب في اتجاه آخر فمنذ مساء يوم الخميس أحيا بك. يتراءى لي أني لم أغادرك كما ينبغي وأن هذا الرحيل جاء وسط الكثير من الحيرة تحت سماء تحف بالمخاطر، رحيل يصعب علي تحمله.
كل أمل بقدومك فإن تمكنت من ذلك بالسيارة فسيكون الأمر أسهل وإن لم يكن ذلك متاحا فسيلزمك أن تقومي بنفس الرحلة الطويلة التي قمن بها. توجد الدراجة أيضا أستطيع أن أستعملها كي آتي للقائك. لا تنسي وعدك لي أيتها العزيزة فأنا أعيش به.
أظن أني سأجد بعض السلام هنا. ريح وبعض الأشجار ونهر سأصنع بها كلها هدوءا يملؤني من الداخلهدوءا كنت قدد فقدته منذ زمن لكن ذلك يصبح مستحيلا عندما يتحتم علي تحمل غيابك والركض خلف طيف صورتك وذكراك لا أنوي أن أصبح يائسا أو أن أترك هذه الحالة تتمكن مني سأشرع يوم الاثنينفي العمل وسأعمل حتما هذا مؤكد لكن كم أرغب في أن تساعديني بمجيئك.
إلى حدود هذه اللحظة كل ما حدث بيننا هو أننا التقينا وأحببنا بعضنا بحمى الشوق والغلبيان وهو أمر لا أندم عليه، حتى إن كل ما عشته من أيام معك كفيل بأن يبرر الحياة كلها لكن توجد طريقة أخرى للحب أن نحب بعمق أكثر سرية وأكثر تناغما، وأعلم أننا قادرين على ذلك أيضا. هنا في هذا المكان سنجد الوقت لذلك لا تنسي ذلك يا صغيرتي واحرصي أن نمنح حبنا هذه الفرصة.
بعد بضع دقائق ستقفين على الركح سيكون كل تفكيري معك اليوم وغدا سأنتظرك تلك اللحظة التي ستجلسين فيها كي تقولي لقد كان كل شيء مذهلا. سأنتظر المشهد الثالث حيث تلك الصرخة التي أحب. أه يا حبيبتي كم يصعب علي أن أكون بعيدا عنك، أن أكون محروما من وجهك الذي ليس لدي ما هو أغلى منه.
اكتبي لي كثيرا ودائما.. لا تتركيني وحيدا. سأنتظرك كل الوقت اللازم، لدي صبر لا ينضب فيما يتعلق بك، بيد أن عروقي تنبض بلهفة تؤلمني، برغبة قادرة على إضرام النار في كل شيء قادرة على التهام كل شيء.
إلى اللقاء أيتها الانتصار الصغير ابقي بقربي داخل أفكارك وأرجوك تعالي سريعا أقبلك بكل ما أوتيت من شغف. بإمكانك أن تكتبي لي على عنوان السيدة "باران" في "فيرديلو" "سان إيمارن".



الجمعة، الساعة الحادية عشرة مساء
أرغب في هذا المساء بشدة في أن أرتمي بين أحضانك. قلبي مثقل بالهموم والحياة يصعب عيشها. كتبت قليل هذا الصباح، ومنذ الظهيرة لم أخط حرفا الأمر كما لو أني فقدت قدرتي ونسيت ما يجدر بي القيام به. تحل بي أحيانا هذه الساعات، وهذه الأيام وهذه الأسابيع حيث أشعر أنني بكل ما في أموت بين ذراعي أنت أيضا تعرفين هذا الإحساس.
إن هذه الساعات التي تتملكني فيها الرغبة في ترك كل شيء هي الساعات الأخطر على الإطلاق إنها الساعات التي تجتاحني خلالها رغبة في الهروب من أي شيء قادر على مساعدتي.. وها أنا ذا ألجأ إليك أنت لو أنك كنت هنا لكان كل شيء أسهل. لكن هذا المساء يتملكني اليقين بعد قدومك. أشعر أني فقدت كل شيء منذ زمن. عندما تبتعدين عني أجدني محاطا بالليل. وفي الانتظار ليس لدي أمل في لقائك قريبا.
هذا المساء أتسءل عما تفعلين، أين أنت؟ ماذا تتخيلين؟ أريد أن أمتلك يقين أنك تفكرين بي وأنك تحبينني بالفعل أمتلك هذا اليقين من حين لآخر ولكن أي حب هو ذاك الذي نستطيع أن نثق به على الدوام؟ بإمكان تصرف صغير أن يجعل كل شيء ينهار. على الأقل للحظة من الزمن فلو ابتسم لك شخص أو جعلك سعيدة حينها سيختفي الحب من قلبي ولكن ماذا بيدي سوى التفهم من أنا في الأصل كي اطلب منك كل هذا؟ عليم انا بكل أنواع الضعف وحتى أن القلب المتماسك بإمكانه أن يأتي عليه زمن ويضعف لذلك أتفهم هذا الغياب وهذا الفراق الغبي الذي يجعلني أغذي يالخيال والذكريات حبا يسري تحت الجلد.
حري بي أن أكون مسكونا بما أكتب ممتلئا بهذه الرواية وشخصياتها لكنني أجد نفسي أشاهدها من الخارج أكتب مشوش الذهن مستعينا بفطرتي دون ان أتمتع بلحظة واحدة من الشغف أو العنف الذي اعتدت أن أضعه فيما أحب.
سأتوقف فورا عن القيام بهذا فأنا أشعر أن هذه الرسالة تتحول إلى رسالة عتاب. حتما لدينا أنا وأنت الكثير للقيام به عدا تبادل اللوم ربما حين يجف القلب يكون لزاما علينا أن نصمت فقط.
اعلمي أنك الشخص الوحيد الذي أرغب في أن اكتب له أشيائ مماثلة إلا أن ذلك ليس حجة كافية كي أفعل. ولكن أيضا ليس ذلك سيئا جدا. لقد أحببت في أفضل ما أنا عليه إلى حدود هذه اللحظة. ربما لا يعد ذلك حبا بعد وربما لن يعد ذلك حبا حتى تحبي ضعفي ومساوئي. كم سيستغرق ذلك؟ إنه لمن الرائع ومن المرعب أن يكون علينا أن نحب رغم الخطر وانعدام الثقة في عالم ضاج وتاريخ لا تساوي فيه حياة الإنسان شيئا. لن أنعم بالسلام ما دمت محروما من وجهك. إن لم تأت سأتحلى بالصبر سأتجلد متألما بقلب يملؤه الججفاف.
الكل نائم الآن أما انا فمستيقظ برفقتك أشعر أني جاف كصحراء أوه عزيزتي متى يعود التدفق والصراخ أشعر أنني أخرق بكل هذا الحب العاطل الذي يجثم على صدري ويثقله دون ان يمنحني السعادة كما يبدو لي أني لا أجيد شيئا.
مساء الخير أيتها البيضا أيتها السوداء حاولي جاهدة أن تبقي قريبة مني وانسي كل تطلبي ومزاجي العكر. ليست الحياة على وفاق معي هذه الآونة ولدي أسباب تمنعني من أن اكون سعيدا. لم أتوقف عن حبك وعن انتظارك حتى وسط الصحراء.. تذكريني.


الإثنين 11 يوليو 1944
حبيبتي الصغيرة ماريا. لقد تلقيت رسالتك التي لطالما انتظرتها جالبة إلى قلبي السعادة كيف لا وهي تأتيني منك وتعلمني أنك حقا موجودة، وأن شيئا ما حدث بينا ذات زمن بعيد، زمن كنت أهتم فيه بمسلارحية وأنت كنت تمثلين فيها. لكني كنت أنتظر أيضا ان تقولي لي إنك قادمة وهو ما لم يحدث عندما تصلك هذه الرسالة ستكونين قد قابلت "بيير" الذي بعثته إليك ليحضرك إلى هنا غير أنني أفترض الآن أنك لن تستطيعي القدوم لا يهم سأمني نفسي بقدومك يوم الخميس. ليتك تعلمين مدى انتظار وشوقي ونوبات البرد والحرارة التي تنتابني وكل هذا الزخم تجاهك أنت لا تتجاهلين شيئا من كل هذا كمان أنك تعرفينني بما يكفي لتتيلي ما لا تعرفينه عني. حاولي أن تتصوري ما تفعلينه بي كلما قررت تأجيل قدومك ربما قدومك ربما قد تؤثر هذه الفكرة في قرارك.
أرجو ألا تكون والدتك مريضة جدا، أبلغيها تمنياتي لها بالشفاء إذ لابد أنها تعلم أنني أراسلك. وأخبريها أني أكن لها مشاعر المحبة والاحترام واني لا أجد العبارات لأقول هذا بطريقة ملائمة لا أريد أن أتسبب في تمزق العلاقة بينكما. أطلعيني على تفاصيل دقيقة من حياتك خبريني بما تفعلين واعلمي ان مخيلتي الغيورة تصير خصبة عندما تكونين بعيدة عني. زد على ذلك أن الأسئلة قد تجوب قلبا عاشقا على غرار: هل أنت في "مودو"؟ مع من؟ أين ستمكثين؟ ماذا فعلت يوم السبت على الساعة الساجسة مساء: في شارع لبراري؟ في مفترق الطرق البعيد عن حيك؟ هل ترين حبيبتي الصغيرة ماري ما قد يخطر ببال رجل متفرغ لا يملك شيئا يعلق عليه شغفه؟ حاولي أن ترضي رغباتي وامنحيني بعض التفاصيل. كل ما يتعلق بك يهمني.
أنتظرك كما ترين أنتظرك طوال اليوم ولم أعد أجد طريقة كي أبثك هذا أو كي أصيح به.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.