أعربت 40 منظمة حقوقية وتنموية عن قلقها العميق إزاء المساعي الرامية لتقييد عمل مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام، وخنق منظمات حقوق الإنسان بشكل خاص، وذلك بإصرار جماعة الإخوان المسلمين وحزبها “,”الحرية والعدالة“,” على فرض مزيد من القيود على الحق في حرية تكوين الجمعيات، بما يفوق إلى حد بعيد القيود الصارمة التي سبق أن فرضها نظام مبارك على العمل الأهلي عبر القانون الساري للجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 84 لسنة 2002، الأمر الذي يكشف عنه مشروع قانون “,”منظمات العمل الأهلي“,” الذي أعلنت عنه رئاسة الجمهورية أمس. واعتبرت المنظمات في تقرير لها أن نظام الرئيس المخلوع تعهد أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان بالأممالمتحدة -قبل وقت قليل من الإطاحة به- بإعادة النظر في مواد القانون 84 لسنة 2002 والاستجابة لتوصيات الأممالمتحدة المطالبة بوضع حد للتعقيدات البيروقراطية والتدخلات الإدارية في إنشاء وتسيير أنشطة الجمعيات، وتذليل القيود المعرقلة لحق منظمات العمل الأهلي في تأمين التمويل اللازم للقيام بدورها -بما في ذلك التمويل الأجنبي- وضمان حق المؤسسات المدافعة عن حقوق الإنسان في تنمية مواردها المالية، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين -وحزبها المهيمن على سلطة التشريع بمجلس الشورى- تمضي في الاتجاه المعاكس ، وتفرض مزيدًا من القيود التعسفية على العمل الأهلي، ولا تقيم اعتبارًا للانتقادات الموجهة من قِبل المقررين الخواص بالأممالمتحدة، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأممالمتحدة، والتي اعتبرت أن مسودة القانون تنطوي على قيود صارمة على أنشطة منظمات المجتمع المدني، تلك المنظمات التي يفترض أن تسهم في صياغة التطلعات لبناء دولة ديمقراطية ينشدها المصريون منذ الإطاحة بنظام مبارك. ونوهت المنظمات إلى أن أبرز توجهات جماعة الإخوان المسلمين في تكريس الهيمنة والوصاية الإدارية الكاملة على جميع مناحي العمل الأهلي تتمثل في تقنين مسودة القانون الجديد للمرة الأولى واستحداث جهة رقابية جديدة ممثلة فيما يسمى باللجنة التنسيقية، والتي مُنحت سلطات واسعة للتدخل البوليسي في جدول أعمال وبرامج وأنشطة منظمات المجتمع المدني، وذلك من خلال تمتعها بسلطة البت في كل ما يتعلق بالتمويل الأجنبي للمنظمات الوطنية، وكذا كل ما يتعلق بالترخيص للمنظمات الأجنبية للعمل في مصر والتدخل في أنشطتها، وكذلك البت فيما يتعلق بحق المنظمات الوطنية في الانضمام لشبكات خارجية أو الانتساب لمنظمات أو هيئات دولية، بما يعني الأممالمتحدة أيضًا. وأشارت إلى أن القانون الجديد يرتب لانقلاب، تصير من خلاله أجهزة الأمن هي الرقيب على منظمات حقوق الإنسان، بل تستطيع هذه الأجهزة “,”بقوة القانون“,” أن تخنق المنظمات الحقوقية بشكل تدريجي، من خلال وقف تمويلها، ففي عهد الدولة البوليسية “,”المباركية“,” كانت الأجهزة الأمنية تمارس هذا الدور في الخفاء، ولذا كانت المنظمات تستطيع تحديه أمام القضاء باعتباره يفتقر للسند القانوني، ولكن في حالة إصدار القانون بصورته الراهنة، ستكون الوصاية البوليسية على النشاط المدني مضمونة “,”بالقانون“,”، وهي خطوة خطيرة للغاية تتجاوز في دلالتها تقييد المجتمع المدني، إذ تؤسس لدولة بوليسية من طراز جديد. واعتبرت المنظمات أن الأشد خطورة في مشروع القانون ما جاء في باب العقوبات ليؤكد على الطبيعة التسلطية لمشروع القانون، بنصه على توقيع عقوبة الغرامة التي قد تصل إلى مائة ألف جنيه على كل من حصل على تمويل من الخارج دون الحصول على تصريح من اللجنة التنسيقية، وهو ما يؤكد أن واضعي المشروع قد تحايلوا على حق الجمعيات في تنمية مواردها واستخدموا لفظ “,”إخطار“,”، بينما ستخضع الجمعيات من الناحية الفعلية للتصريح المسبق من اللجنة التنسيقية قبل الحصول على تمويل من الخارج. وفي سابقة من نوعها ألزم مشروع القانون الجمعية الراغبة في الحصول على تمويل خارجي بأن تدفع رسمًا تحدده اللائحة التنفيذية لا يتعدى مبلغ 1000 جنيه. ووصل تعنت القانون إلى مستوى يثير الاستغراب، حين يقيد القانون حق الجمعيات في تلقي الكتب والنشرات والمجلات العلمية والفنية إذا كان محتواها لا يتفق مع نشاط الجمعية، وهو ما يعني إخضاع مراسلات الجمعيات للرقابة، والتدخل الشاذ حتى في حق المواطنين أصحاب الشأن في تحديد ما يتفق أو لا يتفق من مطبوعات مع نطاق نشاطهم ويشكل في الوقت نفسه انتهاكًا للحق الأصيل لأي مواطن في المعرفة. من المنظمات الموقعة على البيان: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مصريون ضد التمييز الديني، الائتلاف المصري لحقوق الطفل، البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان، الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، جمعية النهضة الريفية، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.