اكتشف الباحثون جينًا مَعيبًا هو المسئول عن أكثر من رُبع حالات اعتِلال عضلة القلب التوسُّعي الوراثي inherited dilated cardiomyopathy، وهو مرضٌ خطير في العضلة القلبيَّة غالبًا ما يؤدِّي إلى قصور أو فشل في القلب في منتصف العمر. في هذه الدراسة، التي نُشِرت في العدد 16 فبراير من مجلَّة نيو إنجلاند للطب، قام الباحثون بتَحليل الحمض النووي الوراثي (الدِّي أَن إيه) عندَ 312 شخصًا مُصابين باعتِلال عضلة القلب التوسُّعي، و231 شخصًا مُصابين بشَكلٍ آخر من أشكال مرض عضلة القلب (يُسمَّى اعتلال عضلة القلب الضَّخامي hypertrophic cardiomyopathy)، و249 شخصًا من ذوي القلوب السليمة. لم يكن هناك سببٌ واضح لمرض اعتِلال عضلة القلب التوسُّعي عندَ المرضى الذين شَملتهم الدراسة، مثل إدمان الكحول والنَّوبات القلبية وحالات العدوى، لذلك اعتقد الباحثون أنَّ هناك أصلًا وراثيًا لهذا المرض في هؤلاء المرضى. في نحو 27 في المائة من المرضى المصابين باعتِلال عضلة القلب التوسُّعي، كانت هناك طفراتٌ في الجين TTN أدَّت إلى قِصَر طول هذا الجين. وجد الباحثون طفراتٍ مماثلة في 1 بالمائة فقط من المرضى الذين يُعانون من الشكل الآخر لاعتلال عضلة القلب، و3 بالمائة من المرضى الذين لديهم قلوبٌ سليمة. كما كشفَ مزيدٌ من التَّحليل للحمض النووي الوراثي، لأفراد العائلة، أنَّ ما يصل إلى نصف المرضى المصابين باعتِلال عضلة القلب التوسُّعي لديهم أقاربُ من الدرجة الأولى (بما في ذلك الآباءُ والأمَّهات والأشقَّاء) يحملون الطفرة TTN أيضًا بعمر 40 سنة. ومن بين هؤلاء، كان لديهم جميعًا تقريبًا (95 في المائة) بعضُ علامات المرض القلبي، مثلما قال الباحث الرَّئيسي المشارِك في الدراسة جوناثان سيدمان، وهو أستاذٌ في علم الوراثة في كلِّية الطب بجامعة هارفارد. كما كانت زوجةُ سيدمان، الدكتورة كريستين سيدمان، وهي أستاذَة في علم الوراثة وطبيبة قلب في جامعة هارفارد، مُشارِكةً رئيسيَّة أخرى في الدراسة. ويقدِّر الباحثون أيضًا أنَّ نحو 20 في المائة من الحالات الفُراديَّة sporadic cases للمرض، أي حالات اعتِلال عضلة القلب التوسُّعي التي لا تنتقل من الآباء، تنطوي على طفرة TTN. في اعتِلالِ عضلة القلب التوسُّعي، تصبح حُجَيراتُ القلب متوسِّعةً، وتترقَّق جدرانه، كما تضطرب قدرةُ القلب على ضخِّ الدَّم. وعندما لا يكون القلب قادرًا على العَصر بشكلٍ صحيح، فإنَّه لا يستطيع دفعَ ما يكفي من الدم للدَّوران، ممَّا يؤدِّي إلى فشل القلب وجعل العديد من الناس بحاجة إلى زرع القلب. يقول سيدمان: لقد وجدَ بحثٌ سابق أسبابًا وراثية لاعتِلالِ عضلة القلب التوسُّعي، ولكن تلك الجينات معًا مسؤولةٌ عن نحو خُمس الحالات فقط. الجينُ TTN هو جينٌ كبير جدًا، ممَّا جعل من الصعب تَحليله حتَّى وقتٍ قريب، مثلما يوضح سيدمان. ويضيف قائلًا: البروتينُ الذي ينتجه هذا الجينُ يحتوي على 30000 من الأحماض الأمينيَّة، في حين أنَّ البروتين المتوسِّط يحتوي على نحو 1000 من الأحماض الأمينيَّة. ولكن، مع ظهور طريقة الجيل القادم في فكِّ التَّسلسل الجيني next-generation gene sequencing - والذي يسمح بتَحليل المزيد من المُعطَيات الجينيَّة على نحوٍ أسرع وبتكلفة أقل، أصبح من الممكن تَحليل الجين TTN بكفاءة. في الأشخاص الذين لديهم الجين TTN القَصير، يسبِّب البروتين الذي ينتجه مشاكلَ مع الخيوط داخل الألياف العضليَّة التي تسمح للقلب بالتقلُّص. وأظهرَ عددٌ قليل من أصحاب القلوب السَّليمة، الذين لديهم طفرةٌ مماثلة وليس لديهم هذا المرض، قِصرًا في مكانٍ آخر من هذا الجين. يقول سيدمان "ليس وجودُ الطفرة المسبِّبة للقِصر فقط هو السبب في اعتِلالِ عضلة القلب التوسُّعي، بل وجودها في المكان المناسب تمامًا أيضًا". كما وجد التحليلُ أيضًا أنَّ الرِّجالَ الذين لديهم الطفرة TTN يكونون أشدَّ إصابةً من النِّساء. يقول سيدمان "نحن لا نعرف لماذا"، مُشيرًا إلى أنَّ هناك أسبابًا أخرى لفشل القلب تجعل الرجالَ يميلون أيضًا للإصابة في مرحلةٍ أبكر وبشدَّة أكثر من النساء. كما لاحظ الباحثون أنَّه، لظُهور اعتلال عضلة القلب التوسُّعي، يجب أن يرثَ الأطفالُ نسخةً واحدة فقط من الجين الطافر TTN من أحد الوالدين. يقول الدكتور غوردون توماسيل، رئيس رابطة القلب الأمريكيَّة ورئيس قسم أمراض القلب في جامعة جونز هوبكنز الطبِّية في بالتيمور، هذه الدراسةُ مهمَّة لكلٍّ من الباحثين والمرضى. كما يقول "من بين الحالات الموروثة [اعتلال عضلة القلب التوسُّعي]، يبدو أنَّ نسبةً كبيرة منها تُعزَى إلى حدوث طفرات في الجين TTN. وحاليًا، تتوفَّر اختباراتٌ جينيَّة للكشف عن أسباب أخرى معروفة لاعتلال عضلة القلب. يقول توماسيل: نتوقَّع، ربَّما في غضون أشهر، أن نرى اختبارات TTN قد أُضيفَت إلى مجموعة الاختبارات الوراثيَّة. ويشير توماسيل إلى أنَّه على الرغم من عدم وجود عِلاج لاعتلال عضلة القلب التوسُّعي، يمكن للمرضى الذين يَعْرِفون في وقتٍ مبكِّر وجودَ استعدادٍ لديهم للمرض أن يتَّخذوا خطوات للحفاظ على صحَّة قلوبهم لفترةٍ أطول. وقد يشمل ذلك تناولَ بعض أدوية قصور القلب، والحفاظ على ضغط الدم الطبيعي، وإجراء تغييرات أخرى في أسلوب الحياة. ويضيف توماسيل قائلًا: إنَّ ما يُقدَّر بنحو ثُلث إلى نصف حالات اعتلال عضلة القلب التوسُّعي تكون ذات سببٍ وراثي. أمَّا الأسبابُ الأخرى فهي من منشأ بيئي، مثل تعاطي المخدِّرات أو الكحول أو حالات العدوى. وفي هؤلاء المرضى، من الأرجح ألا يمارسَ الجينُ TTN دورًا في هذا المرض.