منذ أيام خلت، بدا المشهد سينمائيًا، حين وقف الرئيس وسط أحد الغيطان في مناسبة عيد الحصاد، بين حشد من أهله وعشيرته فى محافظة الإسكندرية، وتحدث عما تم تحقيقه من إنتاجية عالية من القمح، فيما الأمر كله يشير إلى احتفال آخر، هو حصاد ما تم خلال الشهور العشرة الماضية. ذلك أن ما يعبر عنه هذا المشهد في الحقيقة، يشير إلى انتهاء مرحلة التمكين التي بدأتها جماعة الإخوان المسلمين منذ نشوئها، والانتقال إلى مرحلة أخرى جديدة، يمكن تسميتها بمرحلة الحصاد. فسيرورة التمكين التي حملتها الجماعة حتى وقت قريب، تنطلق من نظرة دونية لها ككائن ضعيف يجب الأخذ بيده، بما يضعها في موقع المتلقي لفعل التمكين، على هيئة من يحتاج دوما إلى سند وعون، ناهينا عن وقوف غاياته عند حد مواجهة أو تخطي العقبات وأوجه التمايزات التي تقلل من أوضاعها، حين يتبدى قصاراه في زيادة قدرة الجماعة على الإفادة من الفرص المتاحة، أو الوصول إلى تحقيق بعض المكاسب. أما اليوم، فبدلا من التمكين، ومع ما تم من حصاد، فثمة مرحلة جديدة تعبر عنها آليات أربع بعينها: أولى هذه الآليات تقوم على ترتيب “,”البيت“,” من الداخل، عبر مجموعة من الإجراءات (إقرار دستور يتفق مع توجهات الجماعة، منح مجلس الشورى حق التشريع رغم عدم مشروعيته، أخونة الوزارات والمصالح الحكومية، الموافقة على قانون الجمعيات الأهلية، البدء فى اختراق القضاء بهدف تزوير الانتخابات البرلمانية الوشيكة، قمع المعارضة، حصار الحريات، والقضاء على ما تبقى من شباب ثورة يناير، بالقتل أو بالسجن أو بالتعذيب، تفعيل التوصل إلى توزيع الأدوار بين مؤسسات اتخاذ القرار، ما بين الاتحادية والمقطم والمؤسسة العسكرية ومجلس الشورى، بصرف النظر عن وجود رضا متبادل بين هذه المؤسسات والجماعة التى يخاطبها القرار، محاولة تمرير عدد من مشروعات القوانين الاقتصادية، بهدف إرضاء صندوق النقد الدولي، وبخاصة ما يتعلق بالضرائب العامة والجمارك وضريبة المبيعات...)، وليس من ضمن هذه الإجراءات بالطبع مناقشة قضيتي الأمن والأجور، فهما اللتان يمكن ترحيلهما حتى تشكيل المجلس النيابي القادم. وترتكز الآلية الثانية على توجيه ضربات استباقية ضد كل ما يشتبه في تشكيله تهديدا محتملا أو خطرا وشيكا، عبر استخدام أسلوبي الردع والتشويه. ويندرج في هذا الإطار، اتهام ابنة المرشح الرئاسي حمدين صباحي بالنصب على المواطنين، والاستيلاء على أموالهم، بزعم تسويقها عبر الإنترنت، واتهام عزازي على عزازي قطب التيار الشعبي بالاستيلاء على (241) مليون جنيه، زعمت الدعوى المقدمة ضده أنه أنفقها كحوافز أيام كان محافظا للشرقية. ويضاف إلى هذين الاتهامين، محاولات دائبة لتجريم وتحريم حملة تمرد. أما الآلية الثالثة، فعنيت بالبحث عن غطاء من شأنه أن يموه على الأهداف الحقيقية للحفاظ على السلطة وتسويغه، وتمثل هذا الغطاء، على نحو رئيسي، في محاولات تجميل ممارسات الجماعة، وهو ما تعبر عنه إجراءات من قبيل: عودة الحديث عن مشروع النهضة، فرض الجماعة قبضتها على المجموعة الاقتصادية في التعديل الوزاري الأخير، منح أعضاء فى حزب الحرية والعدالة امتياز توزيع الخبز وسلع تموينية أخرى، وكلها وغيرها إجراءات لخصتها باكينام الشرقاوي، مساعد الرئيس للشئون السياسية، حين تحدثت مؤخرا عن أن قطار التغيير قد انطلق بالفعل ولا رجعة عنه. وتتراءى الآلية الرابعة، التي ابتدعتها الجماعة لتسويغ استمرارها، في سدّ ثغرات هناك وهنا (علاج بعض التشوهات القانونية في الدستور الجديد، محاولة إغلاق ملفات الشهداء، التصالح مع عدد من رجال الأعمال، تأجيل حالة الاحتقان القائمة بين السلطتين التشريعية والقضائية، ملاحقة الانقطاع اليومي للكهرباء دون جدوى...). والمسألة عبر كافة هذه الآليات، مرهونة بطبقات من خداع مستكن في طواياها، عبرّ المعجم الفرنسي، حين أبان الفروق الدقيقة بين المخادع والمغالط والمضلل والغشاش، وتكشفها في الحاضر إرادة المواطنين عبر حملة تمرد، في مواجهة لهذا المشهد السينمائي التعيس.