هل ستختفي أقسام الصحافة من الكليات والمعاهد المصرية قريبا؟ سؤال إجابته قد تستدعي أن نذكر الزملاء الأكاديميين بأزمة الصحافة الورقية التي انتهت بهذا الوضع المأساوي لها ولمن يعملون بها من الزملاء الصحفيين بسبب التباطؤ في مواجهة الأزمة أو إنكار وجودها من الأساس. فمع بداية صعود المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي وظهور ما أصبح يعرف وقتها ب "المواطن الصحفي" تصاعدت أصوات عقلاء المهنة وشبابها الذين احترفوا سوق العالم الافتراضي محذرين من توجه الشباب – وهم الشريحة المؤثرة في سوق الإعلام- نحو الصحافة الإلكترونية وعزوفهم عن شراء الصحف الورقية. وبدلا من استيعاب الرسائل والإسراع في تطوير شكل ومضمون الصحف الورقية تعامل الكثير من مسؤولي هذه الصحف بالمثل الشعبي القديم " العيش مبلول.. والميه في الكوز"، وطالما دعم الدولة يصل كل شهر والمرتب "شغال والدنيا ماشية " فلا خوف علينا ولا نحن بمحزونين". مرت الشهور متتابعة كالسيف وتتصاعد وتيرة صعود وسائل التواصل الاجنماعي والتوسع في إتاحة الإنترنت ودخول أنواع جديدة من الهواتف المحمولة معقولة الثمن التي أتاحت لشريحة كبيرة من القراء الهروب من أسر الورق ورائحة الأحبار إلى أصوات أزرار هذه الهواتف ومع تغير الأوضاع فيما بعد ثورة يناير 2011 وارتباك الصحف بعد تغير النظام السياسي وتطور وتسيد وسائل التواصل الاجتماعي وسيطرتها شبه الكاملة على توجيه الرأي العام الأمر الذي جعل شريحة كبيرة من قراء المواقع الإلكترونية نفسها وهي المنافس الأشرس للصحف الورقية تتقهقر مع ضربات "السوشيال ميديا". وبعد أن كنا نتحدث عن أزمة الصحف الورقية أصبحنا نتحدث عن محفزات جديدة ومغريات تتيحها وسائل التواصل للمستخدمين مثل البث المباشر والربح من الفيس بوك واليوتيوب والذكاء الاصطناعي والميتافيرس سوف تؤثر حتما على دخول ومتابعة المستخدمين للمواقع الإلكترونية. ونعود لقضيتنا الأساسية وهي أزمة أقسام الصحافة وعزوف الطلاب عن الالتحاق بها حيث يتكرر نفس السيناريو ويواجه الكثير من مسؤولي كليات ومعاهد الإعلام الأزمة بإلغاء أقسام الصحافة وهم لم يسألوا أنفسهم هل توجد طريقة للإنقاذ ؟ الواقع الذي شاهدته بنفسي من خلال التجارب مع الجامعات خلال السنوات العشر الأخيرة هي وجود وتنامي لذهنية الإنكار والقول بأنها أزمة عامة حيث يقبل الطلاب على أقسام الإذاعة والتليفزيون والتسويق استجابة لسوق العمل. وهو رد لايراد به سوى غسل اليدين وإبراء الذمة دون الاعتراف بتجنب مواجهة الأزمة فكثير من الجامعات وخصوصا الحكومية ليس لديها منصات ولا استديوهات للتدريب وتكتفي بالجانب النظري وتترك الطالب يواجه سوق العمل بلا خبرات عملية – اللهم إلا مشروعات التخرج – التي تأتي في نهاية الدراسة ولاتعتبر مقياس عادل لما حصل عليه الطالب من خبرات. ناهيك عن أزمة المناهج الدراسية والتي يحتل فيها الجانب النظري مساحة كبيرة على حساب دراسة التطور والتقنيات الحديثة في مجالات الصحافة بالإضافة إلى اللغة والأسلوب التي كتبت بها معظم تلك المناهج والتي يجد كثير من الطلاب صعوبة بالغة في استيعابها ناهيك عن أن الجانب العملي غير مواكب للسوق الإعلامي المتطور حاليًا هذا بخلاف اللوائح العتيقة التي تحكم تعديل المناهج أو تطويرها. وإذا أردنا أن نضيف أزمة أخرى هي سياسة الجزر المنعزلة التي تدار بها كليات أو معاهد أو أقسام الإعلام على سبيل المثال أقسام الكلية ليس لها علاقة ببعضها البعض حيث لا يدرس طالب الصحافة شيئًا عن التليفزيون والإذاعة، والعكس صحيح، كما أن دراسة مادتي الإخراج والتصوير اختيارية فهل يمكن أن يتخرج صحفي أو إعلامي لم يتعرف على مبادئ الإخراج أو التصوير؟ والمشكلة الأكبر أن أقسام الإذاعة والتليفزيون في كثير من الجامعات – حتى الخاصة منها - لديه نقص في الكاميرات الحديثة مع وجود طاقم تدريس لم يحتك بالسوق العملي من الأساس فيظل يردد للطلاب مسميات هو نفسه لم يجربها أو يتدرب عليها. ولنسأل لماذا يلتحق الطلاب بقسمي الإذاعة والتليفزيون والتسويق ويعزفون عن الالتحاق بأقسام الصحافة ؟ الإجابة لأن الطلاب يعتقدون أن سوق العمل مفتوح لدارسي المحتوى المرئي بكل أشكاله وكذلك للمسوقين في ظل تسيد وسائل التواصل الاجتماعي دون النظر لصحة هذا الاعتقاد. وبعد هذا السرد الذي قد يراه البعض سوداويا أوجلدا للمجتمع الأكاديمي أطرح على حضراتكم حلا منخفض التكاليف لتحفيز الطلاب على الالتحاق بقسم الصحافة وهو ال (Mini Stoudio ) أو الاستديو المصغر وهو لن يعتمد على كاميرات حديثة أو عالية التكلفة ولكن يمكن الاستعانة بكاميرا ديجيتال صغيرة أوموبايل جيد ومستلزماته مثل الحامل والميكروفون ووحدة إضاءة بسيطة يستخدمها أغلب ال (يوتيوبرز) وخلفية تصوير خضراء (كروما). نحتاج مع هذه الأدوات إلى تدشين قناة على اليوتيوب وحساب على الفيس بوك ومنصة إلكترونية بسيطة التكاليف وهناك مواقع تمكننا من حجز مساحة مجانية وتمنح تصميمات مجانية أيضا ومع هذه الحزمة المنخفضة التكاليف بالنسبة للمؤسسات التعليمية – حكومية كانت أم خاصة – نستطيع العمل مع طلاب الفرق الأولى في أقسام الصحافة لإنتاج تقارير فيديو أو تقارير عن طريق الموبايل والتي أصبحت عصب المواقع المنصات الإلكترونية في سوق العمل. ربما يكون الحل الأسهل لدى كليات ومعاهد وأقسام الإعلام هو إلغاء أقسام الصحافة ولكن هذا الحل يمثل جريمة في حق القسم المؤسس لعقلية دارسي الإعلام بينما الحلول موجودة وبسيطة وقليلة التكلفة بالمقارنة بالثمن الباهظ الذي سندفعه والذي ربما يتكرر إذا عزف الطلاب عن الالتحاق بأقسام الإذاعة والتليفزيون والعلاقات العامة.