ينبغى ألا يتورط الرئيس القادم فى شبهات اعتبار جماعة الإخوان حركة وطنية، وألا يقع فى أخطاء يتوهم فيها أنها فصيل وطنى مثله مثل الفصائل الممثلة فى أحزاب وقوى وتيارات سياسية أخرى، أو أن ينخدع فى تاريخهم المزور عن قيامهم بدور تحررى ضد الاستعمار أو نضالى فى سبيل الحرية ومن أجل الدفاع عن الحقوق فى القضايا الاجتماعية، أو أن يُصَدِّق أكاذيبهم عن براءتهم من العنف والإرهاب فى جرائمهم التاريخية والحالية! لأن أخطاء الرئيس فى هذه الحالة تدخل فى باب ما لا يُغتَفَر، خاصة بعد أن انكشف المستور خلال عام البؤس تحت حكمهم الذى فضح أفكارهم ومخططاتهم الإجرامية لكل متابع، بل وكشف أنهم لا يعترفون بالوطن، بل يُحطّون منه ومن الولاء له، لأنهم يتباهون بالانتماء إلى تنظيم دولى لا يرى غضاضة فى تقطيع أجزاء من الوطن والتبرع بوصلها بأوطان أخرى مقابل أن تستتب لهم أمورهم، وأن ترضى عنهم القوى الدولية والإقليمية التى يظنون أن بيدها استتباب الأمور! ومن أهم الشروط التى ينبغى أن تتوفر فى الرئيس القادم أن يكون موقفه حاسماً، بالقانون وبالقوة المتكافئة والرادعة لقوة الإرهاب والإرهابيين، وأن يرى الروابط بين تنظيماتهم متعددة الأسماء وبين جماعة الإخوان التى هى، فى ذات الوقت، مفرختهم وحاضنتهم ومرجعيتهم النظرية والسياسية، ومن المهم أن يكون موقف الرئيس القادم بناءً عن عقيدة ومبدأ وعلم ومعلومات وليس رد فعل يتحمس وقتياً عندما يفرض الإرهاب نفسه، ثم يفتر الحماس إذا توارى الإرهابيون. والمهم هنا أن يضع الرئيس القادم القاعدة الصحيحة التى تفرز فى جماعة الإخوان وحلفائها أصحابَ التخطيط الإجرامى الذين تجرى مواجهتهم بكل حسم، عن أولئك الذين انخدعوا وانضموا لهذه التنظيمات بخطأ الثقة فى الدعاية! وأن يجرى التعامل مع الأخيرين بشكل مختلف! كما يُتوقع من الرئيس القادم أن يكون قد فضّ الغلالة الثورية الواهية التى تتستر تحتها حركة حماس، والتى تهتكت فى رابطة الغدر فى علاقتها بجماعة الإخوان، والتى سولت لحماس أن تعتدى على السيادة المصرية وأن تشترك مادياً فى عمليات إرهاب ضد الجنود المصريين. ولا يجوز، بعد كل ما تكشف، أن يشارك الرئيس الجديد فى استنزاف الوطن فى مزيد من المجادلات حول صحة الاتهامات المنسوبة لحماس، حتى إذا لم يكن قد بتّ القضاء فيها بحكم نهائى، وحتى إذا لم يعتدّ القضاء بالأدلة وفق الشروط والضمانات التى يلتزم بها، لأنه يكفى تماماً فى أحكام السياسة الأدلة الدامغة المعروضة على التليفزيون والتى منها احتفالات بتهريب بعض عناصر حماس من السجون المصرية. وعلى الرئيس القادم أن يدرس بعمق ما بات يدخل فى باب العلم العام عن العلاقة التى توطدت بين الجماعة من ناحية، ومن ناحية أخرى أمريكا وإسرائيل وحلفائهما الذين صار فى يقينهم أن قومة مصر فى غير صالحهم! وكانوا رسموا خططهم على بقاء الإخوان فى الحكم لسنوات يساعدون فيها على إنجاز مشاريعهم المتوافقة مع تصورات الجماعة. وينبغى على الرئيس أن يثبت وألا يطرف له جفن فى بداية حكمه، لأنه من المتوقع لأمريكا أن يعلو صوتُها أكثر خلال الفترة القريبة القادمة دفاعاً عما يسمونه دمج الجماعة فى العملية السياسية، على الأقل تلبية لما هو عاجل، حتى يتمكن حزب الرئيس الأمريكى من مواجهة ناخبيه فى انتخابات الكونجرس بعد عدة أشهر، وإلا لكان قد استسلم للهزيمة أمام هبة الشعب المصرى التى بدأت فى 30 يونيو، والتى يبدو أنه لا يريد أن يعترف أنها حطمت تماماً مشاريعه المرسومة لمستقبل الإقليم. أعراض هذه السياسة الأمريكية تتجلى بشكل أوضح لدى توابعها: فى المعالجات المستفزة من قناة الجزيرة والتصريحات المختلفة الصادرة من الدوحة، وفى الصراخ الصادر من اردوغان ورجاله، وأيضاً فى تعنت أجهزة ألمانية بمصادرتها حاويات قادمة من بولندا تحمل قطع غيار للجيش المصرى، والزعم باشتباه وجود أسلحة قد تُستخدم ضد المتظاهرين فى مصر! وهذا نتيجة لنجاح الإخوان، بمساندة أمريكية، من استصدار قرار من لجنة حقوق الإنسان الأوروبية يدين ما سموه القمع الذى يواجه به الأمن فى مصر مظاهرات الإخوان التى قالوا إنها سلمية، والمناداة بمنع أجهزة القمع عن مصر! ومن حُسْن التدبر أن يتوقع الرئيس القادم أن تتكرر وتتصاعد أمامه مثل هذه المشاهد منذ بداية حكمه! على الرئيس القادم أن يجرى حواراً وطنياً موسعاً مع النقابات والاتحادات العمالية والمهنية، يسوده الشفافية والصراحة، تتعهد فيه الدولة بتحقيق المطالب المرفوعة فى الوقفات الاحتجاجية، وفق جدول زمنى، وأن تكون البداية الفورية بتخفيض الحد الأقصى للأجر الذى لن يكلف الدولة أعباء، كما أنه يثبت الجدية فى الوفاء بالتعهدات، وفى المقابل يلتزم الجميع بالتهدئة ووقف المطالب الفئوية والعودة للعمل والأنتاج ما دامت الدولة تبدى الوفاء بالجدول الزمنى المضروب. دون هذا الإدراك من الرئيس القادم لن يتمكن من أن يخطو خطوة واحدة على الدرب الطويل لتحقيق مطالب الثورة، فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهى مهمة شاقة ومعقدة وطويلة المدى، سيكون دور الرئيس القادم مسئولية البدء فى وضع البلاد على الطريق الصحيح، بعد تخبط طوال السنوات الثلاث الماضية، ثم يأتى بعده رؤساء آخرون وحكومات أخرى يستكملون المشوار الطويل. [email protected]