واحد من رواد التنوير في القرن العشرين، ومن أوائل الذين خاضوا حروبا شرسة مع تلك الجماعات الظلامية التي تعيش في الماضي، مذهبها إراقة الدماء وتكفير الآخر، هو المستشار محمد سعيد العشماوي الذي ولد سنة 1932م وتوفي 7 نوفمبر 2013، كاتب ومفكر مصري وقانوني عربي عمل قاضيًا، تولى سابقا منصب رئيس لمحكمة استئناف القاهرة ومحكمة الجنايات ورئيس محكمة أمن الدولة العليا. بدأت كتاباته في الفكر الإسلامي بكتابه (أصول الشريعة) عام 1980م، ثم كتاب (الربا والفائدة في الإسلام)، ثم توالت كتبه الأخرى: (الإسلام السياسي 1979) (جوهر الإسلام) (الخلافة الإسلامية) (الشريعة الإسلامية والقانون المصري) (إسلاميات وإسرائيليات) (معالم الإسلام). أدرجت الجماعات الإرهابية اسم المستشار محمد سعيد العشماوي في أول قوائم المرشحين للاغتيال، نتيجة لكتاباته ومواجهته الجريئة والقوية لأصحاب الفكر الديني المتشدد في مصر منذ أواخر السبعينيات، فقد حارب العشماوي على جبهتين، الأولى الجماعات الإسلامية المتشددة التي تصاعدت حدة نداءاتها لأجل إقامة دولة الخلافة الإسلامية، لدرجة حمل السلاح واستهداف أبرز المخالفين لهم فكريًا، وفنّد في كتابه «الخلافة الإسلامية» ادعاءات المتشددين بأن «صلاح الأمة الإسلامية مرهون بعودة الخلافة» مستعينًا في ذلك بروايات تاريخية منها أن «الخلافة الأموية ضربت الكعبة بالمنجنيق مرتين فهدمتها في كل مرة، وسمحت لجنودها بدخول مسجد الرسول بخيولهم»، وأن الجزية التي ألغاها الخليفة عمر بن عبد العزيز قائلًا إن «محمدًا أُرسل هاديًا ولم يُرسل جابيًا» هي نفسها الجزية التي فرضها الخلفاء الأمويون على رعاياهم من غير المسلمين «كأنما هم رعايا دولة أخرى أو كأنهم غير مسلمين»، وأن الخليفة المأمون الذى أنشأ بيت الحكمة والترجمة وكان عهده عهد الحرية الفكرية «هو الذى أثار فتنة خلق القرآن وفرض على الناس اعتقاده بمرسوم خاص كالمراسيم التي تصدر عن المجامع المقدسة غير الإسلامية (مثل مجمع نيقية ومجمع خلقدونيا)». أما الجبهة الثانية التي حارب فيها فكانت السلطات الرسمية ذاتها التي سمحت لمجمع البحوث الإسلامية، التابع للأزهر، بمصادرة خمسة من كتبه إبان عرضها في معرض الكتاب الدولي في القاهرة عام 1992م، وهى «الخلافة الإسلامية (طبعة 1990)، وأصول الشريعة (طبعتا 1979، و1992)، والإسلام السياسي (طبعة 1987)، والربا والفائدة في الإسلام (طبعة 1988)، ومعالم الإسلام (طبعة 1989)». ويرى العشماوي في كتابه "الخلافة الإسلامية" أن هناك خلطا عاما بين تاريخ الدين وبين الدين نفسه ويقول في هذا الصدد "إن الخلافة الإسلامية ليست ركنا من أركان الإسلام ولا حكم من أحكام الشريعة، لكنها جزء من تاريخ الإسلام كان من الممكن أن يقع بصورته التي حدثت أو يقع بصورة أخرى مغايرة أو لا يقع أبدا، والخلط بين الإسلام والتاريخ خطأ فادح جعل البعض يعتقد خطأ أن الخلافة الإسلامية هي الإسلام ومن ثم ينظر إليها من منظور عاطفي ويحكم عليها بمعيار وجداني ويضفى عليها هالة من الأوهام وينسب إليها كل فضيلة ويرفع عنها كل زلل" ويرى العشماوي أن: الخلافة ليست هي الإسلام ولم تخدم الإسلام حقيقة بل إنها أضرت به حين ربطت العقيدة بالسياسة والشريعة بالحكم ثم جعلت الحكم وراثيا وصيرته مطلقا مستبدا. الخلافة لم تحقق وحدة العالم الإسلامي، وكانت توجد في الوقت الواحد ثلاثة خلافات، عباسية في بغداد، فاطمية في القاهرة، وأموية في قرطبة مما أدى لتمزق العالم الإسلامي. الخلافة لم تحقق عزة للإسلام ومجد للمسلمين بصورة دائمة وإنما كان شأنها في ذلك شأن أي إمبراطورية قيصرية أو كسروية تمر بها فترة عزة ومجد ثم تتحول إلى الفشل والضعف. الخلافة لم تنشر الإسلام الحق ولم تخدم المسلمين ذلك أنها نشرت للإسلام صيغة سياسية عسكرية أساءت إليه وشوهته فلو لم يتم غزو البلاد المحيطة بشبه الجزيرة العربية، ولو تم نشر الإسلام من خلال الأفراد والجماعات كما حدث في غرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا لكان أفضل للإسلام ونفيا لأى ادعاء بأن الإسلام قد انتشر بحد السيف. ويتعرض العشماوي في معظم كتاباته إلى فك الارتباط بين المفاهيم والمفاهيم المغلوطة ويقوم بتحليل وتفكيك تلك المفاهيم الراسخة كمفهومي الشريعة والتشريع.