تحل اليوم الأربعاء الثاني من شهر رمضان لعام 1442، الذكرى ال 360 بعد الألف على تمكن المسلمون بقيادة حسان بن النعمان من إلحاق الهزيمة بالكاهنة البربرية ديهيا وقتلها في إقليم الأوراس عام 82 ه، وذلك بعد انضمام 12000 من جنودها إلى جيش المسلمين واعتناقهم للدين الجديد. وحسان بن النعمان هو حسّان بن النعمان بن عديّ بن بكر بن مغيث بن عمرو بن مزيقيا بن عامر بن الأزد، يلقَّب بالشيخ الأمين قائد الفتوحات في أفريقيا، ولد في الشام، وأسلم عند الفتح الإسلامي للشام مع أهله، حفظ القرآن والسنة النبوية وأتقن العلوم الفقهية، وروى عن عمر بن الخطاب، وكانت وفاته سنة 86 ه. ويعد حسان أول من دخل أفريقيا من الشام زمن بني أمية، وقد ولاه معاوية أفريقيا وولاه عبد الملك بن مروان مصر. أرسله عبد الملك بن مروان إلى أفريقيا بعد حدوث الاضطرابات فيها وقال: "ما أعلم أحدًا أكفأ بأفريقيا من حسان بن النعمان الغساني" بلغ جيشه 40000 رجل ولم يدخل أفريقية جيش قط مثله، وفتح قرطاجنة وقضى على الملكة الكاهنة زعيمة الأمازيغ في معركة "بئر الكاهنة"، بعد أن انتصرت عليه في باغاية وكادت أن تقضي عليه لولا تصرفه السريع بسحب الجيش بأقل الخسائر، ثم عاد إليها بعد سنوات قضاها في برقة فلاقى الترحاب من الأمازيغ وقاتل كثيرون منهم معه كرها لتسلط الكاهنة عليهم، وقد طاردها حتى تواجها في معركة حاسمة بمكان في جبال الأوراس سمي حاليا ببئر الكاهنة حيث هزمها وقضى عليها سنة 82ه/712م. أنشأ حسان مدينة تونس لتكون قاعدة للمسلمين في المغرب الأوسط، وفرت من أمامه جيوش الروم وحلفائهم واتجهوا إلى صقلية والأندلس. أقام بالقيروان فجدد بناء مسجدها ودون الدواوين وولى الولاة، وقد عزله عبد العزيز بن مروان فعاد إلى الشام، وحلف ألا يلي لبني أمية أبدًا بعد أن حاول الوليد بن عبد الملك أن يرده ويوليو مرة أخرى، كما أمر ببناء جامع الزيتونة بتونس، وأعاد الأمن إلى بلاد المغرب. بينما كانت ديهيا المشهورة بلقب كاهنة البربر، قائدة بربرية خلفت الملك كسيلة في حكم البربر وحكمت شمال أفريقيا، مدة 35 سنة، وتشكل مملكتها اليوم جزءًا من المغرب الكبير، وعاصمة مملكتها كانت مدينة ماسكولا (خنشلة حاليا) في الأوراس الجزائر حاليًا. قادت ديهيا عدة حملات ومعارك ضد الرومان والعرب والبيزنطيين لإستعادة السيطرة على مملكتها أواخر القرن السادس ميلادي شاع إسمها عند المسلمين وأصبحت إمراة شجاعة يحترمونها وأصبحت رمزا من رموز الذكاء والتضحية الوطنية وورد ذكرها عند الكثير من المؤرخين المسلمين، تمكنت من أستعادة معظم أراضي مملكتها بما فيها مدينة خنشلة بعد أن هزمت الرومان هزيمة شنيعة، وتمكنت من توحيد أهم القبائل البربرية حولها خلال زحف جيوش الفاتحين المسلمين واستطاعت ديهيا أن تهزم جيش القائد حسان بن النعمان عام 693 م وطاردتهم إلى أن أخرجتهم من تونس الحالية وطرابلس إلى منطقة تسمى اليوم بقصور حسان في سرت وانتهى حسّان إلى برقة فأقام بها حتى جاءه المدد من عبد الملك. وما إن سمعت بتقدم جيش حسان حتى بادرت بتحرير مدينة خنشلة من الاحتلال الروماني وطردت منها الروم ثم هدمت حصونها لكي لا يحتمي بها جيش حسان. كان اللقاء بوادي مسكيانة وانتهت الحرب بتراجع حسان، وبعد هذا تراجع حسان إلى برقة وسيطرت الكاهنة ديهيا المغرب كله بعد حسان خمس سنين، فلما رأت إبطاء العرب عنها، قالت للبربر "إن العرب إنما يطلبون من أفريقية المدائن والذهب والفضة، ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقية كلها، حتى ييأسَ منها العربُ، فلا يكون لهم رجوعٌ إليها إلى آخر الدهر." فوجَّهت قومها إلى كّل ناحية: يقطعونَ الشجرَ، ويهدمونَ الحُصونَ، فذكروا ان أفريقية كانت ظِلًا واحدًا من أطرابلس إلى طنجة، وقُرىً متَّصلةً، ومدائن منتطمةً، حتى لم يكن في اقاليم الدنيا أكثر خيرات، ولا اوصل بركات، ولا أكثر مدائن وحصونا من إقليم أفريقية والمغرب، مسيرة الفي ميل في مثله. فخرَّبت الكاهنة ذلك كله وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خَلْقٌ كثيرٌ، مستغيثين مما نزل بهم من الكاهنة، فتفرقوا على الأندلس وسائر الجزر البحرية. بعد خمس سنوات من تراجع حسان أمام ديهيا، كتب إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بالواقعة يشرح من خلالها عن أسباب تراجعه الفعلية أمام أهل الأوراس وقد قال: «إن أمم بلاد المغرب ليس لها غاية، ولا يقف أحد منها على نهاية، كلما بادت أمة خلفتها أمم، وهم من الجهل والكثرة كسائمة النعم». تراجعت سيطرت الكاهنة ديهيا على شمال أفريقيا لمدة خمس سنوات وتشكل مملكتها اليوم جزء من الجزائروتونس والمغرب وليبيا وكانت الكاهنة، لما أسرت ثمانين رجلا من أصحاب حسان، احسنت اليهم، وارسلت بهم إلى حسان، وحبست عندها خالد بن يزيد. فقالت له يوما "ما رأيت في الرجال أجمل منك، ولا اشجع، وانا اريد ان ارضعك، فتكون أخا لولديَّ -وكان لها ابنان أحدهما بربري، والاخر يوناني- نحن جماعة البربر لنا رضاعٌ: إذا فعلناه، نتوارثُ به." فعمدت إلى دقيق الشعير فَلَثَّتْهُ بزيتٍ، وجعلته على ثَدييها، ودعت ولديها، وقالت "كُلا معه على ثديي" ففعلا فقالت "قد صرتم إخوة". بعد مرحلة تراجع حسان، توافت عليه فرسان العرب ورجالها من قبل الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان. فكتب حسان كتابا إلى خالد بن يزيد يسأله عن احوالهم، فرد خالد بن يزيد الكتاب وكتب في ظهره "إن البربر متفرقون، لا نظام لهم ولا رأي عندهم، فاطو المراحل، وجد في السير"، فرحل حسان بن النعمان بجنوده إلى جبل أوراس حيث كانت الكاهنة. وقد نشبت معركة أخرى بين الكاهنة ديهيا وحسان بن النعمان في منطقة طبرقة، بالقرب من جبال الأوراس فإنهزمت فيها الكاهنة ديهيا.