قال الدكتور عبدالستار ديربيسالي، الأستاذ بالأكاديمية الوطنية للعلوم بكازاخستان، إنه لا يخفى أن لأبي نصر محمد بن محمد الفارابي، المعلم الثاني، من مكانة رفيعة في تاريخ الفكر الفلسفي الإسلامي، لافتًا إلى أنه أول مَن صاغ الفلسفة الإسلامية في ثوبها الكامل، ووضع أصولها ومبادئها، وأدخل مسألة التوفيق بين العقل والنقل في بنائه الفلسفي، وقد كانت من المسائل الجديدة على الفكر الإسلامي. وتابع خلال كلمته بمؤتمر إسهامات الفارابي المنعقد الآن بمشيخة الأزهر: لا يقف فضل الفارابي عند تفسيره وشروحه للمُصَنفات الأرسطية، ولا عند التمهيد للنهضة الفلسفية في الإسلام، بل بما لديه من أنظار إبداعية، ومُصنفات في الحكمة العلمية والعملية عميقة سامية، لم يتهيأ، بعدُ، للباحثين كل الوسائل والإمكانات لتَقَصيها ولتفصيلها تفصيلا وافيًا. وأكمل: فلسفة الفارابي من الفلسفات ذات المعالم الواضحة، والأهداف المحددة، تترابط أجزاؤها ببعضها البعض إرتباطًا وثيقًا بحيث تبدو منسجمة متناسقة، فلئن كان المعلم الثاني "أرسطاطيا" في المنطق والطبيعيات، "أفلاطونيًا" في الأخلاق والسياسة، "أفلوطينيًا" في فلسفة ما بعد الطبيعة، فهو، قبل كل شيء، فيلسوف الإنتقاء والتوفيق، والمؤمن بوحدة الفلسفة، والمدافع عنها في كل حال، فكل ذلك جعل الفارابي يحظى بلقب "المعلم الثاني"، بعد أرسطو. وشدد الأكاديمي الكاظمي على أنه كان رَحِمه الله فيلسوفا كاملًا، وإمامًا فاضلًا، أتقن العلوم الحكمية، وبرع في العلوم الطبيعية والرياضية، زكيُ النفس، قوى الذكاء، مُترَفعًا مُتعَفِفًا، آثر حياة العُزلة والتقشُف، والأزهر الشريف، وبدوره الريادي والفَعَّال شرقًا وغربًا، وبما يضطلع به من قضايا العلم ووحدة الصف الإنساني في العالم بأسره، من خلال صرح شامخ من صروحه التليدة وهو مجمع البحوث الإسلامية، أتاح هذه المبادرة الطيبة، بعقد مؤتمر حول إسهامات المُعلم الثاني أبي نصر محمد بن محمد الفارابي في إثراء الحضارة الإنسانية. وقال: إن عقد مثل هذا المؤتمر، لعرض إسهامات الفارابي في شتى العلوم والفنون الإنسانية لهو عُرسٌ ثقافي لبيان ماللرجل من منزلةٍ وجدارةٍ في تلك الإسهامات. ونُثَمِّن عقد العديد من مثل هذه المؤتمرات العلمية للتعريف بعلماء وفلاسفة الإسلام، وبمدى إسامهم في بناء الحضارة الإنسانية. واختتم: لمن يطعن في عقيدة فلاسفة وعلماء المسلمين اختتم بهذا الدعاء للمعلم الثاني، الفارابي، من كتابه "نصوص الكَلِم" يقول: اللهم إني أسألك يا واجب الوجود، ويا علة العِلل، يا قديم لم يزل، أن تعصمني من الزلل، وأن تجعل لي من الأمل ماترضاه لي من عمل، اللهم امنحني ما اجتمع من المناقب، وارزقني في أموري حُسن العواقب، ونجح مقاصدي والمطالب، يا إله المشارق والمغارب... اللهم ألبسني حُلل البهاء، وكراماتَ الأنبياء، وسعادةَ الأغنياء، وعلومَ الحكماء، وخشوعَ الأتقياء... أنت الله الذي لاإله إلا أنت علةُ الأشياء، ونورُ الأرضِ والسماء.. أوزعني شكر ما أوليتني من نعمة.... هذب نفسي من طينة الهيولى، إنك أنت العلةُ الأولى".