يُعتبر القديس جاورجيوس شفيع مدينة بيروت وحاميها منذ القِدم، ويعود ذلك لحادثة شهيرة حدثت في القرن الثّالث عند مصبّ نهر المدينة. قصتها كان القديس جاورجيوس جنديًا في الجيش الرّوماني، من أبوين مسيحيين تقيين ذائعيّ الصّيت، وهو المولود في كبادوكيا بحدود العام 280 (سنكسار 24 نيسان للكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية). عُرف عن القديس نبله وشجاعته، فكان يتنقل من مدينة إلى أُخرى، مدافعًا عن المظلومين وسندًا للمستضعفين، كما تذكر طروباريته. يُحكَى أنه في أواخر القرن الثّالث، وُجِدَ في بيروت وحش مائي ضخم (سمّي شعبيًا "التّنين") يختبئ في مغارة عند ضفاف نهر بيروت ويروّع سكان المدينة. تُخبرنا القصّة أنّ سكان المدينة كانوا يقدمون سنويًا، في موسم الرّبيع، شابة من شابات المدينة للتّنين، لكي يكفّ شرّه عن المدينة. وفي سنة محددة، وقع الخيار على ابنة حاكم المدينة، وفيما وقفت الشّابة وقد تَهَدّدها تنّين، ظهر لها القديس جاورجيوس محاربًا الوحش حتّى قتله، وخلّص الأميرة الواقفة والمرتعدة من مشهد المواجهة والتنّين وأبواها يُشْرفان عليها من فوق أسوار المدينة. لم يلبس أن تحوّل الموقع بأكمله لمجمع ديني مسيحي ضخم، ومحجّ للمؤمنين خاصةً بعد إستشهاد القديس وانتشار سيرته: إذ بنت القديسة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين، كنيسة في الموقع، وحُفر بئر ماء في الموقع الذي إستراح فيه جاورجيوس وربط فرسه. وقد نمت حول الكنيسة حياة رهبانيّة تجلّت أبهى حللها في أواسط القرن الخامس. لا يذكر التّاريخ الكنسي مصير الكنيسة التّي بنتها هيلانة بعد ز لزال 551 الذي دمّر بيروت. إلّا أننا نجد مجددًا ذكرًا لكنيسة القديس جاورجيوس عند مصب النّهر مع دخول الصّليبيين إلى بيروت. فقد أعادوا بناء الكنيسة (أو ترميم بقايا الهيكل السّابق)، وأعادوا الاعتبار لتكريم قديسنا في بيروت. تشارك الرّوم والموارنة الكنيسة مدة 400 سنة، فكانت كنيسة جنائزيّة، لقربها من المقابر المسيحيّة (منطقة مار مخايل-المدور). وقد عُرف الخليج الممتد من رأس بيروت غربًا وحتى ضفاف نهار الكلب شرقًا ب"خليج القديس جاورجيوس". عام 1669، أمر على باشا الدفتردار، الحاكم العسكري العثماني، بمصادرة الكنيسة (قد يكون ذلك "عقابًا" للموارنة الذين تشاركوا مع الرّوم الصّلاة في هذه الكنيسة لعدم وجود أي هيكل خاص بهم، أو رغبةً من الدفتردار بتحويل الهيكل الدّيني الوحيد عند مدخل بيروت القديمة من كنيسة إلى مسجد)، وهكذا تمت مصادرة كنيسة القديس جاورجيوس التّاريخيّة وتحويلها لمسجد، عُرف بإسم "جامع الخضر- الكرنتينا"، نسبةً لعائلة الشّيوخ المتعاقبين على إدارة أوقاف المسجد وإمامة الصلاة فيه (وقد نشر المؤرخ الأستاذ عبد اللطيف فاخوري وقفية الجامع المذكور تؤكد إدارة آل خضر له). هندسة المبنى تشهد لتاريخه المسيحي -اتجاه المبنى شرقي-غربي، مع حنية نصف دائريّة كبيرة في الجانب الشّرقيّ للبناء -بوابات صغيرة ومنخفضة، وقد كانت هذه عادة الكنائس التّي رفعها الصّليبيون (الانخفاض سببه حماية المبنى من الغزاة) -مسطبة مرتفعة بمقدار درجة واحدة في قلب الحنية، وهو موقع الهيكل المقدس للكنيسة حافظ البيارتة في ذاكرتهم الشّعبية على ارتباط القديس جاورجيوس بالموقع، فكانوا يخرجون كل عام في الرابع والعشرين من نيسان عند ضفاف النهر ليحتفلوا بانتصار المدينة على تنينها. تم تحويل مغارة التّنين المجاورة للكنيسة، إلى مزار عُرف بإسم "مزار سيدة البزاز" وهو ما يزال المعلم الوحيد القائم حتى يومنا من مجمّع القرن الرّابع، بعد تحويل الكنيسة وازالة البئر (بُعيد الحرب اللبنانية)