في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها. نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت. 1- ابن حزم " على أن قتلي في هواك لذاذةُ فيا عجبا من هالكٍ متلذذِ " الفقيه الأندلسي الظاهري ذو المكانة الدينية المرموقة، مؤلف الكتاب البديع عظيم الانتشار:"طوق الحمامة"، الذي يقدم فيه رؤى رائدة غير مسبوقة عن الحب ومظاهره وأسبابه، يضع يده في كلمات قلائل على قانون مهم لا يعي أسراره وخباياه إلا عتاة المحبين الصادقين المخلصين. معاناة الحب وعذاباته حافلة باللذة والمتعة والتحقق، وفي سياق كهذا يتحول الهلاك في ساحة العشق إلى نموذج فذ للبعث وإعادة إنتاج الحياة بعد تنقيتها من أطنان الشوائب والعكارات. في أعقاب فعل التطهير، تحلو الحياة بكل مراراتها، ويذوب الوجع في نشوة الرضا والسعادة، وتحلق الروح المتحررة من القيود الثقيلة في سماء لا تشبهها سماء. إنه الفناء في المحبوب، والذوبان في الظاهر والباطن من عالمه. العلاقة تتطلب قاموسا جديدا مغايرا للسائد المهيمن المنتشر من المصطلحات والمفردات، والهلاك في اللغة الجديدة يختلف بالضرورة عن المعنى القديم للكلمة، فهو يشير إلى التحرر من عبء القوانين الضاغطة وجملة الأعراف التقليدية التي تشل الحرية. بالحب وحده يمكن الاقتراب من معانقة اللذة الأسطورية التي يعز العثور عليها، وفي سبيل الهدف الأسمى تهون المتاعب والصعوبات. الموت معها وفيها بمثابة الحياة كما ينبغي أن تكون، والقتل في مبارزة الهوى ذروة التجسيد للانتصار، فالقتيل لا يموت ولا يعرف الفناء.