كنت أتصور أن عنوان هذا الديوان من العناوين الكاشفة إلا أنني بعد أن انتهيت من قراءته رأيت تصوري الأولي ليس صحيحا فهو عنوان موحي لكنه غير كاشف. بذلت الشاعرة أمينة عبدالله قطرات من روحها في صياغة فكرة هذا الديوان من خلال عدة نصوص تنزف الألم الأنثوي في أشكاله المتنوعة المتعددة الصادمة التي تشتبك وتتعارك فيها مع المجتمع والعادات والتشريعات الدينية عامة وتطرح تساؤلات جريئة مع الله أحيانا، وهو ليس مجرد اشتباك وعراك وتساؤل مجاني لمجرد الإختلاف والإندهاش ولفت الإنتباه، بل هو إبداع من نزيف روح امرأة شاعرة تحاول تعرية المجتمع الشرقي بعاداته المبنية في معظمها على أساس ذكوري مفضلا أن يدفن رأسه في الرمال عن معالجة بعض المفاهيم المغلوطة. بدأت الشاعرة أمينة عبدالله الديوان بكتابة إهداء يحمل في طياته نظرة مجبطة تجاه عالم لا يمنح إلا الألم ولا مفر منه إلا بالذهاب إلى عالم آخر سبقها إليه صديقتين وصديق، عالم مجهول لكن هو السبيل الوحيد للأمل في عالم بلا ألم. وضعت الشاعرة عنوانا وحيدًا لمجموعة من النصوص "أنا ووحدتي أسدان في قفص" فكان هذا العنوان مستفزًا للقراءة لمعرفة من سيأكل من في داخل القفص. يبدأ الديوان بصياغة الألم في أشياء جميلة تأتي متأخرة في أوقات غير لائقة حين تصور الشاعرة النساء اللائي يقايضن بما يملكن من مال دفعن ثمنه سنوات من العمر الجميل مقابل لحظات عشق مع رجال لا يملكون المال لكنهم يملكون الشباب وفي تلك الصورة نجد إزدواجية الألم بين طرفين كلاهما يملك مالا يملكه الآخر كلاهما يحصل على شيء جميل في وقت غير لائق، ثم يأتي النص الذي يليه ليحمل لنا الصورة على النقيض نساء صغيرات جميلات لا يملكون إلا الجمال والحيوية يقايضن بها رجالا يملكون المال بينما راياتهم منكسة في عجزهم عن امتاع الجميلات فيأتي الألم مزدوجًا بين جمال وحيوية وفقر، وثراء وعجز عن الفعل. ثم يأتي الألم الأنثوي متوزعًا في نصوص إبداعية متنوعة الطرح والصياغة "ألم النساء المحتميات بالحدة / ألم المساء اللائي حرمن الأنوثة / ألم النساء اللاتي يأتنسن بأنفسهن برغم وجود زوج / ألم النساء اللاتي يتجرعن خيانة الأزواج / نساء يتألمن من كلاسيكية الحياه الزوجية التي نورثهن الكبت وكسرة النفس. حتى يأتي النص الذي مهدت لميلاده كل ما سبقه من نصوص اشتبكت فيها الشاعرة مع المجتمع وعاداته التي أورثت النساء الألم الأبدي، وهو نص "البغاء المقنن" الذي أرى أنه من أهم نصوص هذا الديوان حيث إن الشاعرة أمينة عبدالله كثفت فيه قوتها في الاشتباك والتساؤل والجرأة في تعرية العلاقات الزوجية التي قامت لمجرد أن تكون وسيلة للمضاجعة ليس إلا، وليس لبناء أسرة أساسها الحب والمودة والرحمة، العلاقات الزوجية التي استغلت التشريعات الدينية التي تهدف لبناء مجتمع يأمن ويطمئن أطرافه لفوضى العلاقات، فتحولت بعض العلاقات الزوجية إلى "البغاء المقنن" بأوراق رسمية وبمباركة رجال الدين، وكذلك تحولت بعض العلاقات الزوجية إلى "سجن بلا عفو مشروط أو إفراج مؤقتأ وتسامح متبادل" هكذا صورتها الشاعرة، علاقات زوجية أنتجت "ما أعطى للعشاق شرعية وجودهم كأحبة" هكذا عبّرت عنها الشاعرة، هذا النص هو الاشتباك الأهم، ربما يقرأه الآخرون ويؤلونه تأويلا أمام المرآة فتكتشفت عورات بعضها فطرحتها الشاعرة في جرأة ربما تكون صادمة إلا أنها تحاكي الواقع بكل ما يحمله من ألم. وفي محاكاة الشاعرة مع الذات صورت نفسها في عدة صور متنوعة منها "المرأة المخيبة للآمال"، و"المرأة المنتقمة"، و"المرأة المستأسدة" في نهاية الديوان، في نصوص حاولت فيها الشاعرة طرح ما تحمله بداخلها ولا يحسب حسابه الآخر. في النهاية وجدتني أمام تجربة إبداعية ليست أنثوية في مجموعها بقدر ما هي تطرح أوجاع طرفي العلاقة في جرأة أتصور أنها لا تقصد منها إلا المكاشفة بشجاعة. هذا الديوان تحتاج في قراءته للتأمل في كيفية التصوير والجهد في الصياغة والجرأة في الطرح والتناول المغاير بشكل يجعله متفردا بمضمونه الذي يلقي حجرًا كبيرًا في مياه كاد أن يقتلها الركود فحاولت الشاعرة "أمينة عبدالله" أن تمنحها قبلة الحياة من خلال الصدمة.