ليس الألم وحده هو ما تحمله، نفس الشاعرة أمنية عبد الله في جنبات ديوانها الأخير بنات للألم، بل أن هناك رغبة قوية في إيجاد الحل الأمثل من وجهة نظرها لمعاناة المرأة الشرقية، حيث رأت في نفسها مُخلصة لكل النساء اللاتي تعرضن لكل صنوف العذاب، على يد آدم الوحشي هذا الذي ظن نفسه خالق الحياة، ومن ثم استباح ما ظنه. ويأتي هذا الخلاص المنشود جملة وتفصيلا في نهاية الديوان حيث تقول أمينة: "إمرأة واحدة في كل عصر تلك التي يراها الناس مدينة مترامية الأطراف ومتسقة الأرواح. امرأة واحدة يتناثر منها عطر نساء أخريات تحمل فيها سذاجة النساء وقدرتهن المفرطة على الضعف وتملك نفس المرأة شجاعة المستأسدة هذه المرأة بلا شك ظاهرة ملغزة هذه المرأة..... أنا". ويالغرابة هذا البعث الأنثوي، ويالجرأة هذه الشاعرة التي تعلنها بنبرة المتنبي المتكبرة: "أنا". لكننا لو عدنا للسطور الشعرية الأولى في الديوان لوجدنا أن سبب المعاناة والألم في حضور مستمر، وللمسنا نحن معشر الرجال ما تسببنا فيه من مشاعر ألم للنصف الآخر- الأنثى- لوعدنا لهذه البدايات لوجدنا نساء يبحثن عن الحب في مجتمع لا يبحث إلا عن المال "النساء.. عندما يملكن المال لاصطحاب رجل لا بد أن يصغرهن بسنين عدة ليصبح قادرا على إبدالهن سنوات جمع المال بلحظات عشق". أما عن النساء الصغيرات اللاتي يملكن أثداءًا فائرة، فيبحثن عن العكس المال لا الرجال "النساء الجميلات صغيرات السن اللائى يملكن الحيوية يدفعن ثمنا با هظا _ يختفى بريق أعينهن _ للفوز بثرى". وتتعدد أشكال الأنثى في نظر الشاعرة، ومن ثم يتنوع الألم، فنرى الأنثى الناقمة على الطبيعة، وما فعلته بها من انتهاك لجسدها "النساء اللائى حرمن الأنوثة غاضبات على الطبيعة كارهات بشدة استدارة القمر في أثدائهن يحملنها – الطبيعة – آلامهن الشهرية \ الحمل \ الولادة الرضاعة.. أشياء تظلمنا فيها الطبيعة بقسوة أرملة تقوى أبناءها بالألم لتظل مشدودة الظهر، مرفوعة الرأس". وهي بحيادية إنسانية تُحسب لها، لا تخجل من بيان صفات ذميمة لخليلاتها، بل تصل جرأتها إلى حد بعيد فتقول عن النساء المثرثرات: "النساء المحبات للثرثرة، وكلهن كذلك يفتحن حوارا داخليا لا ينتهى يشكين فيه جفاف الزوج وصمته تحول أحلامهن الكبيرة، واختصارها في أشخاص آخرين قد لا تكون بالنسبة لهم أكثر من مرحلة انتقالية، ماذا يمتلكن هؤلاء النسوة جميعا، غير مؤانسة أنفسهن بالثرثرة والبكاء أحيانا". الديوان بكل قصائده التي أراها تبعث شعور الألم والخوف، في كل شطرة ودفقة شعورية، لا بد وأن يُصيبك بالقلق والخوف من المستقبل الذي يبدو قاتمًا وكئيبًا؛ هذأ لأن العنصر الديناميكي فيه -عنصر الحياة- قد أصابها الألم في روحها ونفسها وجسدها، بحيث لم يتبق منه شيء يمكن لملمته، ومداوته بأي وسيلة. إلا أن الشاعرة رغم ذلك لم تتركنا نتألم ونشعر بالأسف في أنفسنا كرجال، على ما اقترفناه من حماقات بحق الأنثى إذ ملكت ناصية الأمل وحدها، عندما نصبت نفسها كمخلصة لجنسها، على أن هذا الخلاص المنشود يمثل صرخة منها في وجه الأنثى كي لا تستسلم للألم فهي تبث فيها الوعي، كي تصبح قادرة على مواجهة الرجل وسطوته فهي من ناحية لا بد من أن تحتفظ بضعفها الأنثوي، وفي ذات الوقت لا بد وأن تملك شجاعة القوة والمواجهة في ظاهرة عدتها الشاعرة ظاهرة ملغزة، وهي كذلك.