1- حرب 48 مع اندلاع حرب فلسطين في عام 1948، دخلت الأطماع الإسرائيلية في سيناء مرحلة جديدة، ففي بدايات الحرب حاولت إسرائيل قدر الإمكان تجنب الدخول في صدام مع مصر حتى تتفرغ لمواجهة عرب فلسطين، فضلاً عن القوات العربية الأخرى. وفي مصر كان هناك جدل واسع حول دخول مصر هذه الحرب من عدمه، وكانت معظم الآراء تتجه نحو دعم مصر المادي والمعنوي لقضية عرب فلسطين، كما كان يُطلق عليها آنذاك، فضلاً عن تقديم وتدريب الفدائيين والمتطوعين للاشتراك في الحرب. ويحدثنا اللواء المواوي "القائد العام للقوات المصرية في فلسطين" أن دوره كان في البداية إقامة معسكر تدريب في العريش يسمح بتدريب وتجهيز الفدائيين والمتطوعين لإرسالهم لفلسطين، وتؤكد شهادة اللواء المواوي، والتي نشرها الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه الشهير عن حرب فلسطين "العروش والجيوش"، أن الجيش المصري لم يكن مستعدًا لهذه الحرب، ويؤكد أنه كثيرًا ما طلب استعدادات وتجهيزات لمعسكره المقام لتدريب الفدائيين والمتطوعين؛ كما يذكر أيضًا أنه اللواء المواوي فوجئ بقرار دخول الحرب، وأنه تحدث مع النقراشي باشا "رئيس الوزراء" وحيدر باشا "وزير الحربية" حول عدم استعداد الجيش المصري لدخول الحرب، لكن رؤية النقراشي كانت أن إعلان الحرب أمر سياسي وليس عسكريا، وأن العالم سيتدخل سريعًا لإيجاد حل سياسي، من هنا أصبحت سيناء منذ عام 1948 مسرحًا لفصول متعددة من الصراع العربي الإسرائيلي. بن جوريون وسيناء ومع دخول الجيش المصري إلى الحرب ستتغير الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه سيناء، إذ أحس "بن جوريون" بخطورة دخول الجيش المصري إلى أرض فلسطين وتهديده لمنطقة النقب، فضلاً عن اقتراب الجيش المصري من ميناء أم الرشراش "إيلات". من هنا سيكون قرار بن جوريون الحاسم هو توجيه هزيمة منكرة للجيش المصري ومحاصرة قواته، وكان المثال الأشهر على ذلك حصار الفالوجة الذي كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر شاهدًا عليه. ولن يكتفي بن جوريون بذلك وإنما سيبدأ في رسم قواعد السياسة الإسرائيلية الجديدة تجاه سيناء؛ إذ ستصبح سيناء منذ ذلك الوقت وربما حتى الآن ورقة سياسية ووسيلة ابتزاز وضغط سياسي وعسكري على مصر. حيث عملت إسرائيل على نقل أرض الصراع بينها وبين مصر من الأراضي الفلسطينية إلى داخل سيناء، وستصبح الاستراتيجية الإسرائيلية هي عودة للتراث القديم للغزاة الآسيويين، منذ أيام الهكسوس والحوثيين، عبر الاختراق السريع لسيناء وتهديد الأمن القومي المصري. لذلك سيحرص بن جوريون، وفي أثناء حرب 1948، على احتلال منطقة عازلة داخل سيناء تمتد لأكثر من عشرة أميال حتى ينقل الصراع على أرض مصرية ويُشتت جهود الجيش المصري، بل ويهدد بن جوريون باستكمال اختراق سيناء صوب قناة السويس ليمثل ذلك ورقة ضغط ومساومة على الحكومة المصرية، وبالفعل لم تتوقف العمليات العسكرية في هذه الحرب إلا والجيش الإسرائيلي يحتل أجزاء من شبه جزيرة سيناء. وستستخدم إسرائيل هذه الورقة أي احتلال أجزاء من سيناء كوسيلة ضغط أثناء مفاوضات ما بعد الحرب، وبالفعل ستنسحب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في سيناء، ولكن مقابل ذلك ستنتزع لنفسها حق المرور البحري في خليج العقبة. ويوضح هيكل في كتابه السابق النظرية التي وصل إليها بن جوريون في ذلك الوقت، والتي أصبحت بحق هي الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه سيناء، بل تجاه الدور المصري في المشرق العربي: "ما الذي أتى بالمصري إلى هنا؟ مكانه هناك وراء سيناء في أفريقيا، وليس هنا على أرض إسرائيل أو قرب جوارها الحيوي لمعيشتها وأمنها". وعلى الجانب المصري كانت هناك نظرية مصرية تتبلور على النقيض من استراتيجية بن جوريون، إذ يحدثنا جمال عبد الناصر في كتابه "فلسفة الثورة" أنه وبعد اشتراكه في حرب 1948 وصل إلى قناعة مؤداها: "إن رفح ليست آخر حدود بلادنا". وهكذا سيصبح الصراع منذ ذلك الوقت وإلى الآن حول تصادم الاستراتيجيتين؛ بن جوريون "وريث الغزاة الآسيويين" الذي يرى أن مصر عليها أن تقبع في الجانب الأفريقي وأن سيناء منطقة عازلة، ورؤية جمال عبد الناصر "وريث الفراعنة أحمس ورمسيس وتحتمس الثالث" بأن سيناء ليست منطقة عازلة، وأن رفح آخر مدينة في سيناء ليست هي أخر حدود مصر.