للفن التشكيلى مع أصحابه قصص وحكايات كثيرة، فمثلما ترك الفن بصمته عليهم، هم أيضًا بالتأكيد تركوا بصمة غائرة فيه، فسواء أكان فنانا غائب أم حاضرا، وسواء أكان مشهورا أو لم يلق من المعرفة والأضواء ما يستحق، فبالتأكيد تلقيبه ب«فنان» قد أخذت منه العديد من السنوات والمعرفة والخبرة والممارسة.. تدور الحلقة السابعة عشرة من سلسلة «بورتريه» فى موسمه الثاني، حول فنان أثبتت رحلته فى الحياة أن الموهبة إذا تمكنت من شخص ما، فهى قادرة على استقطابه وجذبه مهما بعُد عنها، فنان جمع بين رسم اللوحات والإخراج السينمائى فوجد نفسه بهذه المجالات وأبدع حتى أصبح علامة مُميزة فيهما، هو الفنان التشكيلى «كامل التلمسانى». وُلد «التلمسانى» فى 15 مايو من عام 1915 بمُحافظة القليوبية، وبعدما أتم مراحل دراسته الأساسية حتى المرحلة الثانوية بمدارس القليوبية، التحق بكلية الطب البيطرى، ورغم إتمام عدد من السنوات بها حتى العام الأخير، غير أنه تركها لأنها لا تُناسب ميوله الفنية، وهو فى السنة النهائية لها، وتفرغ للنقد والعمل الصحفى حيث أبدع فيهما. ساهم «التلمسانى» فى تأسيس جماعة الفن والحرية، كما كان بمثابة المُعلم والمُلهم والموجه الأول للعديد من الفنانين والفنانات على رأسهم الفنانة التشكيلية المُتمردة إنجى أفلاطون، فشرح لها فلسفة الجمال وتاريخ الفنون واتجاهات الفن الحديث لمدة ثلاثة أعوام منذ العام 1942، أى وهو فى السابعة والعشرين من عمره. الاتجاه الفنى لدى الفنان «كامل التلمسانى» لم يكن من وقع الصدفة، فأغلب عائلته يتمتع بهذه الجينات الفنية، فشقيقه كان الرسام حسن التلمسانى والذى صار بعدئذ مصورًا سينمائيًا، وشقيقه الآخر هو عبد القادر التلمسانى المخرج التسجيلى المعروف، كما أن أبن شقيقة هو المُصور السينمائى طارق حسن التلمسانى. بدأ «التلمسانى» أولى خطواته الفنية فى رسم اللوحات وتخصص فى فن التصوير، حتى توقف عنه وهو فى التاسعة والعشرين من عمره بعام 1944 ليعمل فى السينما الذى وجد بها انتشارًا أوسع بين الجمهور كوسيلة تعبيرية، وأخرج أول أفلامه فى عام 1945. التحق «كامل التلمسانى» باستديو مصر فى عام 1943، وبدأ أولى خطواته مع السينما كمساعد مخرج للإنتاج والإخراج والمونتاج، وكان بالتوازى مهتمًا بالفن التشكيلى قبل أن يتوقف عن مُمارسته، وتأتى من بين أعماله السينمائية «البريمو» فى عام 1947، و«شمشون الجبار» فى عام 1948، و«أنا وحبيبى» فى 1953، و«الناس اللى تحت» فى 1960، ولكنه عاد من جديد ليُبدع لوحاته فى التصوير فى 1957، أى وهو فى الثانى والأربعين من عمره. كتب الفنان التشكيلى الدكتور مصطفى الرزاز عن الفنان «كامل التلمسانى» فى كتاب الفن المصرى الحديث، قائلًا: «كان كامل التلمسانى ضمن الفريق الطليعى المتمرد الذى كون جماعة الفن والحرية وتبنوا المذهب السيريالى للتعبير عن الغضب من الأكاديمية والمحافظة والشكلية فى التعبير الفنى والذى يفتقر إلى العمق الثقافى والشخصية المستقلة، فتكونت الجماعة بريادة الشاعر جورج حنين والفنانين رمسيس يونان وفؤاد كامل مع كامل التلمسانى فى عام 1939، واتخذت الجماعة موقفا جسورًا من القضايا الاجتماعية والإنسانية، وقد تشربوا الأفكار الاشتراكية والتقدمية من حلقات وصالونات الفكر التى كان يؤمها فى مصر أثناء الحرب العالمية الثانية مفكرون وفنانون وأدباء أوروبيون ممن يعيشون بمصر فترعرعت فى عقولهم أفكار الحرية المطلقة ورفض المرعيات الأكاديمية والشكلية والتحموا مع حركة السيريالية العالمية برئاسة الشاعر الفرنسى أندريه بريتون، وانشأوا مجلة «الفن الحر» ناصروا فيها الفنانين الذين عانوا من عنت ومطاردة النازى وأصدروا البيانات الملتهبة واحدًا تلو الأخر وأقاموا المعارض اعتبارا من عام 1940 وألتف حولهم عدد من الفنانين من بينهم محمود سعيد وأبوخليل لطفى ومجموعة من الأوروبيين المقيمين بمصر». وواصل عن أعماله الفنية: «رسوم التلمسانى كانت تُعد لتصاحب نصوص أدبية من كتابته ومن كتابة البير قصيرى، وقد تحول التلمسانى إلى فن السينما والتعبير الأدبى إذ شعر أن فن الرسم يضيق بطاقته التعبيرية ولا يمكنه من التواصل مع الجماهير العريضة». ترك «التلمسانى» بصمة غائرة أيضًا فى مجال التأليف الأدبى، فكتب كتابه بعنوان «سفير أمريكا بالألوان الطبيعية» فى عام 1957، وكتاب «عزيزى شارلى» فى عام 1958، وهكذا استمرت حياته فى حلقات مُتتابعة من الإبداع، حتى فارق الحياة فى الثانى من مارس لعام 1972، وذلك عن عمر يُناهز 57 عامًا.