عندما نريد التحديد فنحن أمام سجل يجمع بين دفتيه مجموعة من التراجم لرواد المسرح في مراحله الأولى وفيما تلاها، حتى وقتنا هذا، التى ازدحمت بالأحداث الفنية والاجتماعية، وتخللت خلالها حياة المسرح العربى عامة والمصرى خاصة، التى تسير بدافع من التطور المحتوم، وتكتسب أرضا جديدة بالوعى العربى، الذى لم يشغله فن التمثيل في الكثير أو القليل، فقد خرجت من تحت عباءة خشبته العديد من الفرق المختلفة، التى ساهمت بشكل كبير في خلق جيل واعٍ بالفنانين، والمخرجين، والكتاب، حتى أصبحوا أحد رموز الحركة المسرحية في مصر والوطن العربى. «البوابة نيوز» تستكمل هذا العام الباب الخاص بعنوان «فرق منسية» على مدى 30 ليلة من ليالى رمضان الكريم، والذى طرحته في رمضان الماضى، يلقى خلالها الضوء على عدد كبير من الفرق المسرحية المصرية والعربية على مر العصور، التى تركت بصمة واضحة في تاريخ المسرح، وذلك من خلال تجاربهم الإبداعية الهادفة، قدموا خلالها مواسم مسرحية لاقت نجاحًا كبيرًا داخل مصر وخارجها، فقد توقفت نشاط تلك الفرق عقب رحيل مؤسسيها، ولكن ظلت أعمالهم باقية وخالدة رغم الرحيل. انتشرت الجمعيات العربية والأجنبية المهتمة بالتمثيل المسرحى بتوسع كبير في القرن التاسع عشر بصورة كبيرة نفتقدها في زمننا الجارى، وكانت هذه الجمعيات بمثابة النواة الأولى لظهور الفرق الكبرى في ذلك الوقت، وظهور الممثلين الكبار ممن تحملوا أعباء الفن المسرحى في القرن الماضى، وتتنوع هذه الجمعيات في شكلها وعملها بين الأدبى، والفنى، والعلمى، والدينى، والخيرى، والتواجد وعدم التواجد، فعلى سبيل المثال هناك جمعيات كثيرة لم تعلن عن اسمها حسبما ذكرت جريدة الأهرام في 27 مارس 1886. ومن بين الجمعيات المعروفة ذات الهوية المسجلة «جمعية التوفيق الخيرى» التى تكونت في 1886، برئاسة الأمير محمد على، ومقبل بك رئيس مجلس إدارتها، وكان مقرها في باب اللوق - حسبما ذكر الدكتور سيد على إسماعيل، أستاذ المسرح بكلية الآداب جامعة حلوان، في كتابه «تاريخ المسرح في العالم العربى»، الصادر عن مؤسسة هندواى للتعليم والثقافة - فقد أقامت هذه الجمعية بعض الحفلات المسرحية والغنائية، وذلك من أجل الأعمال الخيرية، وفى 7 مارس 1886، أقامت حفلة غنائية في الأوبرا للمطرب عبده الحامولى، والمطربة ليلى الشامية من أجل فقراء مدارس التوفيق من الطلبة. يوضح لنا مؤلف الكتاب، أنه في 5 مارس 1886، قد ذكرت جريدة «الأهرام» تحت عنوان «جمعية التوفيق الخيرى» قائلة: «إنه في يوم الثلاثاء التالى ليوم الاثنين الموافق 15 مارس، ستجرى الجمعية في تياترو الأوبرا الخديوية، رواية عربية تياترية غرامية من أفضل الروايات المنتخبة، وهى رواية «حفظ الوداد»، التى يقوم بها أحسن المشخصين والمشخصات وهى ذات مناظر جميلة، وتتكون من فصول بديعة، ورقص، وأغانى، وآلات بمعرفة أشخاص منتخبين من ذوى الأصوات الحسان بين الجنسين، تحت إدارة سليمان أفندى القرداحى، وملاحظة مجلس الإدارة، ويتبعها فصل مضحك. في حين قدمت الجمعية رواية أخرى بعنوان «السكران» يقوم بها محيى الدين أفندى، ويوجد فيها تخت آلات، ويتخلل فصول الرواية السالف ذكرها تخت آلات عربى مركب من أشهر أرباب فن الموسيقى بمصر، وتضم أحسن أطرب المغنين في تلك الفترة، بعضهم من المشهورين وغواة الفن الذين تكرموا بالخدمة مجانا، وستوضح أسماء جميع من ذكروا بإعلانات مخصوصة تنشر قريبا، ومن أراد أخذ تذاكر فعليه أن يتوجه أو يرسل أحدا لمجلس إدارة الجمعية في باب اللوق؛ وقد حضر هذه المسرحية الخديو، ورجال دولته، مثل الغازى أحمد مختار باشا المرخص العالى العثمانى، والسر هنرى درامندولف، المرخص العالى الإنجليزي، ومعظم النظار ونواب الدول الأجنبية.