في يومه العالمي.. احتفالية بعنوان «شاي وكاريكاتير» بمكتبة مصر العامة بالدقي    «التنسيق الحضاري» يطلق حفل تدشين تطبيق «ذاكرة المدينة» للهواتف الذكية    المؤسسة الإسلامية توقع اتفاق مع شركة تركية بقيمة 37 مليون دولار    مجدي البدوي: علاوة دورية وربط بالأجر التأميني| خاص    مصر ضمن أكثر 10 دول حول العالم استهدافًا بالهجمات الرقمية    ذهبت للمذاكرة.. السجن 4 سنوات لمتهم اعتدى على ابنة جاره في الإسكندرية    جيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ أٌطلق من اليمن    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| الأهلي ضد الزمالك في نهائي كأس أفريقيا لليد    حقيقة انفصال مطرب المهرجانات مسلم ويارا تامر بعد 24 ساعة زواج    بسمة وهبة لمها الصغير: مينفعش الأمور الأسرية توصل لأقسام الشرطة    توجيه اتهامات ب"قتل مسؤولين أجانب" لمنفذ هجوم المتحف اليهودي بواشنطن    انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي الشرقي في المنيا يُخلف 4 قتلى و9 مصابين    قائمة أسعار تذاكر القطارات في عيد الأضحى 2025.. من القاهرة إلى الصعيد    ابتزاز لعرقلة تقدم الجيش، أول رد من السودان على العقوبات الأمريكية بعد مزاعم الأسلحة الكيماوية    بصورة قديمة وتعليق مثير، كيف احتفت هالة صدقي بخروج عمر زهران من السجن    سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة    شيخ الأزهر يعزي المستشار عدلي منصور في وفاة شقيقه    تكريم سكرتير عام محافظة قنا تقديراً لمسيرته المهنية بعد بلوغه سن التقاعد    صبحي يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة ويؤكد: الشباب محور رؤيتنا للتنمية    لجنة التقنيات بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب تعقد اجتماعها الأول    لاعب الأهلي السابق: «الأحمر هيعاني من غير إمام عاشور»    مراجعة مادة العلوم لغات للصف السادس الابتدائي 2025 الترم الثاني (فيديو)    بقيمة 19 ألف جنيه.. كنيسة بالسويس تساهم في مشروع صكوك الأضاحي تعبيراً عن الوحدة الوطنية    هزة أرضية جديدة تضرب جزيرة «كريت» اليونانية (بؤرة الزلازل)    أرقام رافينيا مع برشلونة بعد تمديد عقده حتى 2028    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    مصرع 4 أشخاص وإصابة آخر في تصادم سيارتي نقل على طريق إدفو مرسى علم    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    وكيله: لامين يامال سيجدد عقده مع برشلونة    "مياه الفيوم" تنفي شائعة تسرّب الصرف الصحي.. وتؤكد: مياه الشرب آمنة 100%"    تراجع سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن بداية تعاملات الجمعة 23 مايو 2025    دينا فؤاد: مفيش خصوصيات بيني وبين بنتي.. بتدعمني وتفهم في الناس أكتر مني    دينا فؤاد: صحابي كانوا كتار ووقعوا مني في الأزمات.. بالمواقف مش عدد السنين    فلسطين.. 4 شهداء وعشرات المفقودين إثر قصف إسرائيلي على منزل في جباليا شمال غزة    تعليم القاهرة يحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية بمسابقة الخطابة والإلقاء الشعري    رسميًا بعد قرار المركزي.. ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 23 مايو 2025    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الجمعة 23 مايو 2025    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة قبل الأخيرة لدوري المحترفين    مصرع وإصابة 5 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بطريق إدفو مرسى علم    الكشف عن موقف تشابي ألونسو من رحيل مودريتش عن ريال مدريد    بمشاركة منتخب مصر.. اللجنة المنظمة: جوائز كأس العرب ستتجاوز 36.5 مليون دولار    صراع ناري بين أبوقير للأسمدة وكهرباء الإسماعيلية على آخر بطاقات الصعود للممتاز    وزير الشباب ومحافظ الدقهلية يفتتحان المرحلة الأولى من نادي المنصورة الجديد بجمصة    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    تعليم القاهرة يحصد المراكز الأولى في العروض الرياضية على مستوى الجمهورية    تنفيذًا لحكم القضاء.. محمد رمضان يسدد 36 مليون جنيه (تفاصيل)    الشعبة: أقل سيارة كهربائية حاليًا بمليون جنيه (فيديو)    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    ما حكم تغيير النسك لمن نوى التمتع ثم تعذر؟ المفتي السابق يجيب    قباء.. أول مسجد بني في الإسلام    «المفرومة أم القطع».. وهل الفرم يقلل من قيمة الغذائية للحمة ؟    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    «لقرمشة مثالية وزيوت أقل».. أيهما الأفضل لقلي الطعام الدقيق أم البقسماط؟    تشميع مركز للأشعة غير مرخص بطهطا بسوهاج    هل التدخين حرام شرعًا ؟| أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القس نصرالله زكريا يكتب.. مشاهد من خميس العهد
نشر في البوابة يوم 16 - 04 - 2020

يحتفل المسيحيون بيوم «خميس العهد»، وهو يوم الخميس الأخير من موسم الصوم الذي يسبق الاحتفال بعيد القيامة، ويُطلق على هذا اليوم عدة تسميّات، منها، «خميس العهد»، حيث أسس المسيح في هذا اليوم فريضة العشاء الرباني، مُقدِمًا لتلاميذه "الخٌبزَ والْكَأس" قائلًا لهم: «هَذهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ» (لوقا 22: 20)؛ وقد عَهَد إليهم بممارسة تلك الفريضة قائلًا: «اِصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي»، كذلك يُطلق على هذا الخميس، "خميس الوصيّة"، حيث أوصى المسيح تلاميذه بآخر وصيّةٍ قدمها لهم قائلًا: «وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بَعْضُكُمْ بَعْضاً. بِهَذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ» (يوحنا 13: 34، 35).
وقد ذكر الإنجيليون الأربعة، متى ومرقس ولوقا ويوحنا، سجلًا لعدة مشاهد حدثت في «خميس العهد»، نرصد بعضًا منها على النحو التالي:
المحبة أولًا وأخيرًا؛ يؤكد البشير يوحنا على مبدأ المحبة أولًا وأخيرًا، وهذا ما يُسجله في مطلع ونهاية الإصحاح الثالث عشر من بشارته، حيث يكتب: «أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى»؛ «يَا أَوْلاَدِي أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً قَلِيلاً بَعْدُ. سَتَطْلُبُونَنِي وَكَمَا قُلْتُ لِلْيَهُودِ: حَيْثُ أَذْهَبُ أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا أَقُولُ لَكُمْ أَنْتُمُ الآنَ. وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بَعْضُكُمْ بَعْضاً. بِهَذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ». (يوحنا 13: 1، 33-35)، إنَّ المحبة هي الدليل الحقيقي على أننا ننتمي إلى يسوع.
ما أحوج عالمنا في هذه الأوقات تحديدًا لإظهار المحبة نحو بعضنا البعض، فإنْ كنا نتعرض لجائحة فيروس كورونا، يحتاج الأمر لتضافر الجهود، والتأكيد على المحبة التي أوصانا بها المسيح، هذا ما فَهِمه المسيحيون الأوائل، وبه واجهوا جائحة "الطاعون" التي اجتاحت الكنيسة في القرون الأولى، وقدَّم المسيحيون خلالها نموذجًا للمحبة العمليّة من تضحيات في سبيل المرضى ليس المسيحيون فقط، بل امتدت محبتهم ورعايتهم لأولئك الوثنيين الذين هجرهم ذوييهم، وهكذا فَهِم قادة الإصلاح الديني في القرون الوسطى، وقد أكدَّ مارتن لوثر على «أنَّ الخدمة التي يقدمها المؤمنون والمؤمنات للمصابين بالمرض، ما هي إلاّ أمرًا صغيرًا بالمقارنة مع وعود الله ومكافآته الأبدية». وقد ربط، خدمة ومساعدة مؤمني عصره للمرضى، بخلاصهم الأبدي. إذ قال: «يجب أن نخدم بعضنا بعضًا، كي لا نخسر خلاصنا ونعمة الله»؛ لذا يُبارِك المسيح الذين يعملون بوصيته، قائلًا: «تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ» (متى 25: 34-36).
القوة والعظمة مقابل التواضع؛ إنَّ مجد القوة يبدو أكثر بريقًا في التواضع الحقيقي، يُسجِل البشير يوحنا هذه الكلمات، «يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَرَجَ وَإِلَى اللَّهِ يَمْضِي. قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ وَخَلَعَ ثِيَابَهُ وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا. ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَلٍ وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِراً بِهَا» (يوحنا 13: 3-5)؛ لقد كان يسوع مُدرِكًا لكينونته، ولعظمة سُلطانه، ولإشراقه مستقبله، لكنه ضَرَبَ مثلًا ومثالًا لنا، في التواضع الحقيقي، كان مُدرِكا أنَّه هو السيد والمُعَلِم لتلاميذه، وهكذا كانوا هُم يُدركون، يقول: «أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّماً وَسَيِّدا ًوَحَسَناً تَقُولُونَ لأَنِّي أَنَا كَذَلِكَ. فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ. لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً» (يوحنا 13: 13-15)؛ لقد قدَّم المسيح مثالًا لنا، وغيَّر النموذج العالمي للعظمة والقيادة، كان العبد هو المنوط بتلك المهمة الوضيعة، «غسل الأرجل»، يركع الملك أمام رعاياه. السيد يغسل أقدام تلاميذه. الذين اندهشوا وصُدِموا مما فعله، حتى أنَّ بَطرس، صرخ قائلًا: «يَا سَيِّدُ أَنْتَ تَغْسِلُ رِجْلَيَّ!». قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَداً!» (يوحنا 13: 6، 8)؛ لم يكن بطرس مُدرِكًا أنَّ عظمة القوة والقدرة في الإخلاء، والاصطفاف بجانب المحتاجين، والضعفاء، والعبيد، وأنَّ العظمة الحقيقيّة تكمن في الخدمة، لقد سنَّ المسيح مبادئ ملكوته على هذا النحو المُغاير لنظام العالم، إذ قال لتلاميذه: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هَكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيماً فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً. كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متى 20: 25-28).
قال المسيح: «أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً»، فهل تحتاج كنيسة اليوم لهذا الدرس؟ هل تحتاج لمراجعة أولوياتها، والنموذج الذي تتبع، هل ترى العظمة في الإخلاء، والتواضع ورؤية المتضعين والمحتاجين والمُهمشين؛ إنَّ ما عرفه وأدركه يسوع، ساعد فيما قام به وعمله، وهكذا فإنَّ معرفة الكنيسة لهويّتها، سيساعدها حتمًا في عملها، والاقتداء بنموذج ومثال المسيح.
الفصح والإفخارستيا؛ كان يسوع عَالِمًا «أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ» (يوحنا 13: 1)، وقد تلاقت ساعة انتقال يسوع من هذا العالم، مع عيد الفصح اليهودي، الذي يحتفل فيه اليهود بخلاصهم التاريخي من عبودية فرعون، وإطلاقهم أحرارًا، وكذلك يتذكرون في هذه المناسبة خلاص أبكارهم وإنقاذ حياتهم من عبور الملاك المُهلِك الذي أهلك أبكار فرعون وشعبه، وكل مَن لم يؤمن بطريقة الله للخلاص، حيث أوصى الله شعبه قائلًا: «إِنِّي أَجْتَازُ فِي أَرْضِ مِصْرَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَأَضْرِبُ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. وَأَصْنَعُ أَحْكَاما ًبِكُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ. أَنَا الرَّبُّ. وَيَكُونُ لَكُمُ الدَّمُ عَلاَمَةً عَلَى الْبُيُوتِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَةٌ لِلْهَلاَكِ حِينَ أَضْرِبُ أَرْضَ مِصْرَ. وَيَكُونُ لَكُمْ هَذَا الْيَوْمُ تَذْكَاراً فَتُعَيِّدُونَهُ عِيداً لِلرَّبِّ. فِي أَجْيَالِكُمْ تُعَيِّدُونَهُ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً» (خروج 12: 12-14)؛ كان على شعب الرب في تلك الليلة، لكي يكونوا في مأمن من الملاك المُهلِك، أن يذبحوا شاة «خروفًا» ويدهنوا عتبة الباب العليا والقائمتين بدماء هذا الشاة، وعندما يأتي الملاك المُهلِك ويرى الدم يَعبُر ولا يؤذي مًن في داخل هذا البيت، فيكون الدم علامة خلاص ونجاة، وقد حدث ما تكلَّم به الرب، وأُنقذ أبكار شعبه ومَن أمن بطريقته للخلاص، وأُطلِق شعبه حُرًا، فصارت هذه المناسبة عيدًا يهوديًا أبديًا؛ وقد اشتهى المسيح أن يُعيّد هذا العيد مع تلاميذه قبل انطلاقه من هذا العالم (لوقا 22: 15)؛ ولأنَّه كان يُدرِك أنَّ أذهان التلاميذ تتجه نحو الفصح اليهودي بكل ما يحمله من تعليم وخبرة تاريخية ولاهوتيّة، وكانت الفرصة لتعليمهم المعنى الحقيقي والروحي للفصح، وكانت المُقابلة بين الفصح اليهودي والفصح المسيحي، فحين خلَّص دم الخروف أبكار مؤمني حدث الخروج، سيُخلِص دمُ المسيح «حَمَلُ اللَّهِ»، كُلُ مَن يؤمن به، كان الفصح اليهودي رمزًا يُشير لحقيقةٍ مستقبليّة، وكانت تلك الحقيقة هي الفصح المسيحي، يكتب الإنجيليون، «وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هَذَا هُوَ جَسَدِي». وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ. لأَنَّ هَذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا» (متى 26: 26-28؛ راجع أيضًا: مرقس 14: 18-24؛ لوقا 22: 19-20)؛ وهو ما أدركه الرسول بولس فكَتَبَ: «لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا. إِذاً لِنُعَيِّدْ» (1كورنثوس 5: 7، 8).
لقد أعلن المسيح لتلاميذه عن عهدٍ جديدٍ مؤسس على دمه الكريم لغفران الخطايا (لوقا 22: 22)، لكنَّ هذا الدم كان معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم، يكتب الرسول بطرس مُعلمًا الكنيسة، والمؤمنين الأوائل فيقول: «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلَكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ» (1بطرس 1: 18-20)؛ إنَّ عالم اليوم يبحث عما يُخلِصه من وباء كورونا، يبحث عن لقاح أو مصلٍ يقيه شر هذا الوباء، ويأمن ويضمن له خلاصًا من تلك الجائحة، وهكذا الإنسان عبر تاريخه، في حين قدَّم المسيح دمه ليضمن لكل مَن يؤمن به خلاصًا أبديًا، قد يتعرض المؤمن بلا شك لأمراضٍ وأوبئة، وقد يضعف ويموت، لأنه إنسان، لكنه يُدرِك معنى لحياته على الأرض، ويضمن حياة أبديًة تبدأ ولا تنتهي.
الصلاة وتحقيق إرادة الله؛ لم تكن أحداث ذلك اليوم، ولا تلك الليلة مفاجئة للمسيح، فقد سجَّل يوحنا أنَّ المسيح، كان «عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ» (يوحنا 13: 1)، فما هي إلا سويعات وسيُكمِل العمل الذي تجسد لأجله، وسيحمل صليبه، ويُحقق مشيئة وإرادة الآب، لكنّه بعد أن قارب يوم «خميس العهد» على الانتهاء، خرج مع تلاميذه من العليّة إلى جبل الزيتون ليُصلي، يكتب الإنجيليون «وَخَرَجَ وَمَضَى كَالْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ وَتَبِعَهُ أَيْضاً تَلاَمِيذُهُ. وَلَمَّا صَارَ إِلَى الْمَكَانِ قَالَ لَهُمْ: «صَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ». وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى. قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ» (لوقا 22: 39-42؛ راجع أيضًا: متى 26: 36-39؛ مرقس 14: 32-36)؛ كان من عادة المسيح أن يُصلي، وخاصة قبل الأحداث الكبرى، فكيف لا يُصلي وهو مُقدِمًا على أهوال وأحداث الصلب.
نعلمُ أنَّ المسيح في تجسده شاركنا طبيعتنا البشرية الإنسانيّة –فيما عدا الخطية- تلك الطبيعة المُحبة للحياة، وكإنسان لا يريد الموت صلى ثلاث مراتٍ للآب السماوي أن يُجيز عنه هذه الكأس، كأس الصلب والصليب، لقد سأل الآب، إن كانت هناك طريقة أخرى يستطيع أن يُتِمم من خلالها خلاص الإنسان، دون أن يضطر إلى المُضي قٌدمًا إلى الصلبِ، لا يُمكِن لإنسانٍ أن يرى في الصليب خيرًا، أو مكافأة مميزة، كان الصليب لعنة، وكُل مَن عُلِق على الصليب كان ملعونًا من الله والناس، «لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ». (غلاطية 3: 13)، لكنَّ المسيح رغم إنسانيته، كان يُدرِك «إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ» (رومية 12: 2)؛ لم يتساءل عن سبب الشر، ولا مُسببه، لم يدخل في جدالٍ لاهوتي عن صلاح الله ورحمته أو قدرته على رفع البلاء ، أو حتى لم يتساءل السؤال التقليدي لماذا الألم؟، لكنه قدَّم نموذجًا رائعًا في تقديم مشيئة وإرادة الآب على إرادته الإنسانيّة، قائلًا: «لَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ»، وهنا نرى الآب السماوي يُقدِم كل العون للمسيح، فأرسل ملاكًا ليقويِه (لوقا 22: 43)، وكما سجَّل كاتب العبرانيين، أنَّ المسيح «إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ» (عبرانيين 5: 7)؛ لم يُخبرنا الإنجيل أنَّ الله رفض صلاة المسيح، أو أنَّه قَبِل صلاته وخلَّصه من تلك التجربة، لكنَّ الآب سَمِع للمسيح من أجل تقواه، أرسل له ملاكًا، دَعَمه، إنَّه الآب السماوي، كُليّ الصلاح، كُلي الرحمة والعدل، المحبة في أجلَّ صورها، عِمَّانُوئِيلَ، إله المعيّة، سَمِع الآب للمسيح، واجتاز به الصلب، ومجده وأقامه من الموت ظافرًا منتصرًا، وبالموت هزم الموت.
ما أكثر المرَّات التي نخوض فيها تجاربنا دون أن نُصلي لله، وكم من المرَّات التي إذ نُصلي فيها لله، نطلب ما نراه صحيحًا من وجهة نظرنا، قد نطلب شفاء من داء، أو نطلب رفع البلاء والوباء، أو نُصلي من أجل أمورٍ تُحقق مصالحنا الشخصيّة دون أن نُفكر في توافقها مع إرادة الله، وأحيانًا أخرى ندخل في سِجالات لاهوتيّة عن سبب الشر والألم، أو أن نوجه أصابع الاتهام إلى الله ونصوره إلهًا غاضبًا مُتربصًا بالإنسان، منتقمًا منه، إنَّ المسيح في ليلة «خميس العهد» كما في باقي الإنجيل لا يُعلمنا أهميّة وضرورة الصلاة فحسب، بل يُعلمنا الصلاة وفق إرادة الآب السماوي، الذي يسمع ويستجيب وفق إرادته الصالحة الكاملة المرضيّة.
ما أحوجنا في هذه اللحظة التاريخيّة التي يتعرض فيها عالمنا لجائحة كورونا، أن نفهم المبادئ التي وضعها المسيح ولنتخذ مما قدْمه يوم «خميس العهد» نموذجًا، ما أحوجنا إلى المحبة التي تُظهر وتؤكد أننا خليقة الله الواحدة، التي لا تُفرق بين إنسان وأخر على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو اللون، وفي محبتنا لبعضنا البعض نُعيد لكوكبنا ولإنسانيتنا الهدف الذي من أجله أوجدنا الله، ما أحوجنا لخلاص المسيح، وعمل دمه الذي يُخلِص ويشفي، وليكون بداية عهدٍ جديدٍ بيننا وبين الله، ما أحوجنا لنتعلم كيف تتوافق صلواتنا مع إرادة الله الآب، لنختبر إرادته الصالحة الكاملة المرضية في حياتنا وفي عالمنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.