هل يذبل التراث؟ نعم! لكنه لا يفنى ما دام رواده من المحبين والمؤمنين به ما زالوا يقدرون تاريخه وأهميته، واعتباره من النسيج الوطنى الذى يميزنا عن غيرنا، ليس فقط محبينه بل صناع هذا التراث هم الثمار الثمينة التى يجب على «الدولة» أن ترعاهم وتوفر لهم سبل العيش الآمن بل والمعارض والمقدرات البشرية العمالية للتدريب ونقل مهنتهم للأجيال القادمة حتى لا تموت المهنة مع صناعها، مهنة الحصير التى لم يتبق من صناعها سوى القليل، وقديما كان الحصير المصنوع من «الأسل وحبال النخلة» ونباتات النيل، كان يستخدم في فرش المساجد والجوامع والدور العامة، وكان من الأساسيات في كل منزل. محمد فوزى - 55 عامًا، يعمل منذ عقود في مهنة صناعة الحصير، ولد في مدينة دمنهور التابعة لمحافظة البحيرة لأب يحترف صناعة «الحصير» فورث المهنة عن والده منذ نعومة أظافره وهو ابن الخمس سنوات، وكانت الأسرة تعتمد عليها كليا في تدبير نفقاتها، وعلى مدى قرون من الزمن شكلت صناعة «الحصير» مصدر دخل اقتصادى للأسر المصرية في أغلب المحافظات، ومع الحداثة والتطور الصناعى وبعد أن كان هناك مئات من الورش على مدى عقود، لكن لم تستطع الصمود في وجه الزمن وتغيراته السريعة بما فيها تغير تطلعات وسلوكيات المستهلكين. عزف الناس عن شراء الحصير متجهين إلى «السجاد» كإحدى وسائل التقدم الصناعي، تاركين وراهم إرثًا تاريخيًا عرفه المصريون منذ عهد الفراعنة، البعض يدرك قيمة «الحصير» كأحد عناصر التراث المصرى الأصيل، الذى صُدر فيما بعد لكل حضارت العالم، لذا هناك البعض من يستخدم «الحصير» كديكور مفروش ومعلق على الحوائط. يقول محمد فوزى «للأسف بقيت اصنع حصيرًا أعلقه في البيت فقط ومحدش بقى يشترى مع أن الحصير له فوائد كثيرة، يعنى لو نمت على الحصير عمرك متشتكى من ضهرك وفى الصيف تبعث تراوة وفى الشتاء ترسل دفئًا، لكن الناس بقت تشترى السجاد دلوقتى وقليل قوى من الأرياف اللى بيطلب حصير وبيفرشوه داخل البيوت». وتابع «المهنة عزيزة جدا على اللى بيشتغلها ومن الصعب مهما تدهورت حالتها السوقية أن أتخلى عنها بسهولة واشتغل في مجال تانى لأنى مش بس بحبها أنا بعشقها، ودلوقتى مبقاش غير قليل جدا اللى بيشتغلها أصبحوا من المعدودين على الأصابع». أقدم فوزى على تطوير نفسه وقام بصناعة الحصير مضافًا عليه زخرفة كتابية من الآيات القرآنية باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، أصبحت أرواج سوقى في أماكن عدة مثل العتبة ومحلات التحف والديكورات. وعن صناعة الحصير أشار محمد فوزى أنه يتم جلب نبات «السمار» من على ضفاف نهر النيل ومصارفه ويمر بمراحل متعددة تبدأ من الحصول على النبات وتركه ييبس تحت أشعة الشمس، ثم ينقع في الماء مرة أخرى، وبعدها يدخل إلى الآلة الخشبية التى تسمى ب«الحف»، ويخرج مستطيل أو مربع الشكل وفقًا للشكل الذى تريده سواء حصير صغير أو كبير أو مفروشات منضدة، وتستغرق صناعة الحصير يومًا واحدًا إذا كان إنتاجها سادة، وفى حالة الزخرفة أو الرسومات تستغرق أكثر من يوم لصعوبة نسج الخيوط وتسطيرها على سطح الحصيرة بأشكال جمالية وبلغة راقية تستحق أن تغلف وتعلق في أرقى المنازل والفلل. واختتم عم «فوزي» أنه رغم الصعوبات التى تمر بها المهنة إلا أنه استطاع تربية أولاده منها الذين تخرجوا في الكليات، والمهنة شاقة في عملها وعائدها المادى قليل، و«المهنة دلوقتى مبقتش تأكل عيش ومحدش عنده قابلية أنه يتعلمها وأولادى رفضوا العمل بها ومش مستمر في إنتاج وصناعة الحصير غير اللى بيحبها».