حسمت المحكمة الإدارية العليا، اليوم الأحد، قضية إعادة ترجمة مسرحيتى " حرية برايمر" و" دم على حلق قطة " من اللغة الألمانية، وبراءة رئيس المركز القومى للمسرح، مؤكدة حظر فرض قيود جائرة على حرية الإبداع. وقضت المحكمة برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة رئيس المحكمة وعضوية المستشارين سيد سلطان والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى وحسن محمود ونبيل عطاالله نواب رئيس مجلس الدولة، بإلغاء قرار رئيس أكاديمية الفنون بتوقيع عقوبة اللوم على الدكتور حسين حمدى الجندى بالمعهد العالى للسينما التابع لأكاديمية الفنون أثناء ندبه للعمل بوظيفة رئيس المركز القومى للمسرح، وببراءته من الاتهام المنسوب إليه. وأكدت المحكمة على ثمانية مبادئ عن حرية الفن والإبداع: وهى أن الترجمة ليست محض نقل عمل أدبى أو مؤلف من لغة إلى لغة وإنما هي في ذاتها عمل أدبى وفنى لحمته الإبداع وسداه الفن وجسر التواصل بين ثقافات الشعوب. وأوضحت أن ثقافة المترجم هي مفتاح تميزه، فهو شريك للمؤلف فلا يقتصر دوره على نقل العمل من لغة إلى لغة وقدرته على اختيار المعنى الدقيق من بين المعانى المترادفة وأن نقل أجواء الرواية والأحداث التي وقعت وشخوص هذا العمل الأدبي ومشاعرهم الإنسانية المتباينة، قدرات تختلف من مترجم إلى أخر، وللترجمة مبدعيها كما للمؤلفين من إبداع. وأشارت المحكمة إلى أن المشرع الدستورى كفل حرية الإبداع الفنى والأدبى وألزم الدولة بالنهوض بالفنون والأدب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وأن الإبداع هو عمل ذهنى وجهد خلاق وموقف حر واع ليس نقلًا كاملًا عن آخرين، ولا ترديدًا لآراء وأفكار يتداولها الناس فيما بينهم، وأنه لا غضاضة من ترجمة العمل الفنى الأجنبى أكثر من مرة طالما كان محتويا على إبداع وتميز يظهره بثوب جديد ولا يجوز فرض قيود جائرة على حرية الإبداع. كما أكدت على أن حرية الإبداع جوهر النفس البشرية وأعمق معطياتها والمبدع لا ينغلق استئثارًا، بل يتعداه إلى آخرين انتشارًاو وأن الإبداع لا ينفصل عن حرية التعبير بل هو من روافدها، يجب أن يتمخض عن قيم وآراء ومعان تجعل المجتمع أكثر وعيًا بالحقائق والقيم الجديدة التى تحتضنها. وكان رئيس أكاديمية الفنون قد أحال الدكتور المذكور إلى النيابة الإدارية التى انتهت فيه إلى مسئوليته لموافقته على التعاقد مع المترجم اسامة أبو طالب على ترجمة نص " دم على حلق قطة وحرية برايمر" رغم سبق صدورها ضمن إصدارات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى وهو ما كان يستوجب معه التعاقد مع الأخير على إعادة النشر. قالت المحكمة في حيثيات حكمها أن المشرع اختص أكاديمية الفنون بكل ما يتعلق بتعليم الفنون والبحوث العلمية التي تقوم بها معاهدها في سبيل خدمة المجتمع والارتقاء به حضاريا، وناط بها المساهمة في ترقية الفكر والفن والقيم الإنسانية والاتجاه بالفنون اتجاها قوميا يرعى تراث البلاد وأصالتها وإعداد المختصين في المجالات التي تختص بها كما تعمل على توثيق الروابط الثقافية والفنية مع الأجهزة المشتغلة بالفنون في الوطن العربي والدول الأجنبية على الصعيدين المحلي والعالمي، وناط المشرع برئيس الأكاديمية تكليف أحد أعضاء هيئة التدريس في الأكاديمية ومن درجة لا تقل عن درجة من يجرى التحقيق معه بمباشرة التحقيق فيما ينسب إلى عضو هيئة التدريس، فضلا عن أنه أجاز له أن يندب أحد أعضاء هيئة التدريس في كليات الحقوق لهذا الغرض أو يطلب إلى النيابة الإدارية مباشرة هذا التحقيق على أن يقدم عن التحقيق تقريرا إلى رئيس الأكاديمية ولوزير الثقافة أن يطلب إبلاغه بهذا التقرير. ولرئيس الأكاديمية بعد الاطلاع على التقرير أن يحفظ التحقيق أو أن يأمر بإحالة العضو المحقق معه إلى مجلس التأديب إذا رأى محلا لذلك أو أن يكتفي بتوقيع عقوبة عليه في حدود ما تقرره المادة 76 حيث يكون لرئيس الأكاديمية توقيع عقوبة التنبيه واللوم المنصوص عليهما في المادة 74 على أعضاء هيئة التدريس الذين يخلون بواجباتهم أو بمقتضيات وظائفهم، وذلك بعد سماع أقوالهم وتحقيق دفاعهم. وأوضحت المحكمة أنه في ضوء ذلك حق لكل من يتصدى لإخراج عمل فنى سواء على المسرح أو شاشة التلفاز أو دار الخيالة (السينما) أن يختار ترجمة لهذا العمل الفنى تولاها مترجم محدد اَنس إليه واطمأن إلى أن لديه القدرة على نقل النص المترجم بأجوائه وأحداثه وأشخاصه إلى اللغة العربية على نحو يرتضيه ويعينه على إخراجه بالشكل الذي يصبو إليه هو أيضًا كمبدع. وذكرت المحكمة أن الثابت في الأوراق أن الطاعن بصفته رئيس المركز القومى للمسرح أصدر قرارا بتشكيل لجنة متخصصة لقراءة وفحص المطبوعات المقدمة للنشر برئاسة الدكتور حسين عبد الغنى المشرف العام على الإدارات الفنية بالمركز القومى للمسرح وضمت بين عضويتها محمد أمين عبد الصمد مقدم الشكوى ضد الطاعن الذى انبنى الحكم الطعين والتحقيقات على شكواه. ثم حرر الدكتور حسين عبد الغنى المشرف العام على الإدارات الفنية بالمركز القومى للمسرح كتابا موجهًا للطاعن للتفضل بالموافقة على التعاقد مع الدكتور أسامة أبو طالب على ترجمة دراسة نقدية لمسرحيتين هما " حرية برايمر" و" دم على حلق قطة " مترجمة من اللغة الألمانية لطبعهما ضمن خطة مطبوعات المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية مقابل أربعة عشر ألف جنيه مصرى. ومن ثم فإن البين من الأوراق أن التعاقد كان واضحًا وضوحا لا مرية فيه في أنه على ترجمة دراسة نقدية للمسرحيتين المذكورتين وليس إعادة نشر، وهو بهذه المثابة يعد عملًا إبداعيا جديدا منبت الصلة بما سبق نشره عن المسرحيتين ضمن إصدارات مهرجان القاهرة الدولي بالمسرح التجريبي، ومن ثم فليس بلازم أخذ موافقة مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى على هذا العمل.