سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مصحات "بير السلم" المدمن مشروع قتيل.. العلاج بالتعذيب في "بيوت الأشباح" بسبب غياب الرقابة من أجهزة الدولة.. تعمل دون ترخيص أو رقابة.. وكوارث بالجملة.. وتجلب المخدرات للمدمنين
أسفر عدم التنسيق بين وزارتي «الصحة والتضامن» في مسألة الترخيص والاشتراطات اللازمة على المصحات الخاصة لعلاج الإدمان؛ عن غياب الرقابة وضياع المساءلة على الأخطاء، وتفشى خطر مصحات علاج الإدمان غير المرخصة في المحافظات. ومعظم هذه المصحات، غير مؤهل لاستقبال المرضى، ويتعامل معهم بعنف يصل إلى حد التعذيب وفقدان الحياة، ورغم ذلك الإقبال عليها مستمر في ظل إغراءات عديدة خاصة بنفقة العلاج التى توصف بالزهيدة مقارنة بالمصحات الكبرى وهربا من قوائم الانتظار في المستشفيات الحكومية، بالإضافة إلى قدرتها على الحفاظ على خصوصية وسرية الحالة. وفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن صندوق مكافحة الإدمان، تزايدت أعداد مدمنى المخدرات خلال الخمس سنوات الماضية، وتسجل نسبة الإدمان في مصر 2.9 ٪، ونسبة التعاطى بلغت 11٪، وهى تتعدى نسبة التعاطى العالمية التى تسجل 5٪. وبحسب الأرقام المعلنة من وزارة الصحة، ممثلة في إدارة علاج الإدمان بالأمانة العامة للصحة النفسية؛ فإن نسب عدد مراكز علاج الإدمان في مصر في تزايد، فيما وصل عدد المدمنين إلى ما يقرب من 4 ملايين، بلغ متوسط تكلفة العلاج في أى مركز تصل إلى 500 جنيه في اليوم الواحد وتتفاوت التكلفة من مركز لآخر. على الجانب الآخر، كشف عدد من ضحايا هذه المراكز ل«البوابة»، أن حالات التعذيب زادت في تلك المراكز غير مرخصة، وأن عدد الوفيات في تزايد مستمر، وأرجع الضحايا السبب إلى قلة عدد المراكز الحكومية والخاصة المرخصة، واستمرار إغراءات المصحات غير المرخصة.. ووفقًا لتصريحات مدير صندوق مكافحة الإدمان، فإنه من واقع بيانات المسح القومى الشامل لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان، فإن نسبة التعاطى بين الذكور 72٪، وبين الإناث بلغت 27٪. واتضح أن أكثر أنواع المخدرات انتشارا بين المدمنين هى أقراص الترامادول بنسبة 51.8 ٪، ويأتى في المرتبة الثانية الهيروين بأكثر من 25 ٪، ويليه الحشيش بنسبة نحو 23 ٪. وطبقًا للأرقام الصادرة عن وزارة التضامن وموثقة بإحصائيات صندوق مكافحة وعلاج الإدمان: أكثر من 10٪ من المصريين يتعاطون المخدرات، وأن معظمهم من شريحة السائقين، ونسبة قليلة من أصحاب الحرف الأخرى، كما أن أكثر مخدر يتم تناوله هو الترامادول بنسبة تتعدى ال52٪. وأوضحت الإحصائية أن سن تعاطى المخدرات انخفضت إلى 10 و11 عامًا، كما أن الفئة العمرية من 12-19 سنة بنسبة 10٪، والفئة العمرية من 20- 29 سنة بنسبة 37٪، و21٪ من متعاطى المخدرات في الفئة العمرية من 30- 39 سنة، 14.2٪ من متعاطى المخدرات في الفئة العمرية من 40- 49 سنة، و17٪ من متعاطى المخدرات في الفئة العمرية من 50- 60 سنة. «البوابة» تجولت داخل أحد تلك المراكز السبوبة، والتقت «س. م»، الذى رفض ذكر اسمه، وقال: تعرفت على المركز عبر إعلان له في وسائل التواصل الاجتماعي، وأبلغ من العمر 29 عاما، كنت أعيش حياة طبيعية قبل عامين، كنت مجتهدا في دراستى، وبعد أن أنهيتها التحقت بالعمل بإحدى الشركات الخاصة، ولاحقا فتحت مشروعى وهو محل لبيع الملابس بأحد الأحياء الشعبية في شبرا، وهنا بدأت قصتى؛ حيث كان يتردد علىّ ليلا من يتعاطون الإستروكس والهيروين، وقاومت كثيرا لكن فجأة سقطت في بئرهم، ومرة تلو الأخرى أدمنت، وأصبحت أبحث عن الإستروكس والهيروين بنفسي.. وأضاف: «كل أموالى التى كسبتها من المحل ضاعت على المخدرات، وانقلبت حياتى رأسا على عقب، وحينها قررت تغيير حياتى بأكملها، ونصحنى أحد أقاربى بالتوجه إلى مركز خاص لعلاج الإدمان، وأخبرنى أن تكلفته تتناسب مع ظروفى، وبالفعل ودعت أهلى وبدأت رحلة العلاج، كانت فاتورة الإقامة في الليلة 200 جنيه، أول 15 يوما منعوا أهلى من زيارتى بحجة حالتى وأصبحت معزولا وفى قبضتهم». وتابع الضحية: «في المركز تفاجأت بأساليبهم القاسية في العلاج التى تصل إلى التعذيب في بعض الأحيان وإلى الضرب ومنع الأكل والشرب والاتصال بالأهل، كانت طرقا غير آدمية للعلاج، وصل بى الأمر إلى كسر في اليد والساق وخدوش في مختلف أنحاء الجسم»، وأكمل: «القدر أخرجنى بأعجوبة من تحت أيديهم؛ حيث كنت أعيش حالة من الفزع يوميا بسبب انتظارى أن يأتى على الدور وأخرج جثة هامدة كغيرى ممن سبقوني، فهى تشبه بيوت الأشباح». أضاف: «أشعر بالندم على ما حدث لي، ومُصر على عدم العودة إلى تلك التجربة القاسية». وقال والد أحد الضحايا «م. ا»: «أصعب ما يمر به الإنسان طوال حياته وجود فرد من أفراد عائلته مدمن». وتابع: «ابنى كان عمره 25 سنة، عندما ظهرت عليه علامات غريبة مثل السهر لمدة طويلة وتخيل أشياء غير موجودة في الواقع، بالإضافة إلى التحدث بأقوال غير مفهومة، واستمر هذا الوضع ما يقرب من شهرين في البداية، كنت أظن أن الأمر عاديا إلى أن تفاجأت بغيابه عن المنزل لأيام وعودته متأخرا، علاوة على صحبة الشر التى أخذت بيده لذلك الطريق المعروف نهايته والذى لا رجوع منه سوى بأعجوبة».. وأضاف: «أخذته بالقوة الجبرية لأحد المراكز الخاصة، والذى نصحنى أحد أصدقائى بالتوجه إليه، أخذته بيدى للموت لم أكن أتوقع أن النهاية بتلك البشاعة».. وتابع الأب المكلوم: «تركته في المركز طبقا للتعليمات حفاظا على صحة المرضى- على حد قولهم- وعدت إليه بعد أسبوع، ورفض المركز أن أراه وعندما صممت على رؤيته، وجدته فاقدا للوعى، وعلى الفور طلبت الإسعاف، ولكنه فارق الحياة قبل مجيئها، وعندما تم نقله إلى المستشفى جاء تقرير الطب الشرعى أن سبب الوفاة هو كسر في الجمجمة ونزيف في المخ أدى إلى وفاته، وذلك بسبب تعرضه للضرب والتعذيب من قبل المشرفين على المركز طيلة أسبوع». مخاطر الانتكاسة طالب الدكتور عبد الرحمن حماد مدير وحدة الإدمان بمستشفى العباسية للصحة النفسية، الأهل بضرورة مساندة المدمن عن طريق توفير الدعم النفسى لاستكمال العلاج، وحتى لا يدخل في مرحلة الانتكاسة، قائلا: «نسبة حدوث الانتكاسة عند المدمن قد تصل إلى 50٪، وبالتالى وقوف أسرته بجانبه وإعطائه أملا بأنه فور العلاج سيعود أفضل من الحال السابقة، سيساعده على الشفاء والتعافى». وأكد حماد، أنه بالنسبة لمراكز علاج الإدمان غير المرخصة، فإن الدولة بالتعاون مع وزارة الصحة ولجان مكافحة الإدمان، تعمل على القضاء على تلك المراكز من خلال حملات التفتيش المستمرة، وأيضا توفير أماكن بالمستشفيات الحكومية تتيح لكل من لم تسعفه ظروف الحياة أن يتعالج بها، كما تعمل على التأكد من هوية من يريد إنشاء مركز قبل البدء في التجربة. وأوضح حماد، أنه لا يمكن الحديث عن تقديم خدمة جيدة دون تحسين أوضاع مقدمى الخدمة وهم الأطباء، لافتا إلى انخفاض الأجور ما يدفع كثيرا من الأطباء إلى البحث عن فرص عمل خارج مصر لتحسين مستوى معيشتهم». وقال حماد، إن الإدمان مشكلة قومية ينبغى التصدى لها من خلال التوعية والتصدى لتداول المخدرات، ثم زيادة المستشفيات العلاجية وتحسين أوضاع الأطباء للحفاظ على الكوادر العلمية والطبية. وأكد حماد أهمية نشر ثقافة اللجوء للعلاج النفسي، وهو ما يسهم في التدخل المبكر. وفيما يتعلق بنقص عدد الأطباء النفسيين في مصر، قال حماد، إن العامل الاقتصادى يؤثر بشكل كبير ما يدفع الأطباء للسفر بحثا عن تحسين أجورهم، مشيرا إلى تدريب أطباء الوحدات الصحية على كيفية الاكتشاف والتدخل المبكر لعلاج الإدمان، لافتا إلى أنه يجرى الآن بناء 3 مستشفيات جديدة تغطى محافظات مصر تقريبا، باستثناء مناطق منها سيناء، ويتم اللجوء لأقرب محافظة من مدن القناة، بقى أن نشير إلى أنه ومؤخرا شنت الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص عدة حملات على مراكز الطب النفسى وعلاج الإدمان بمحافظتى القاهرة والجيزة، وأسفر ذلك عن ضبط عدد من المراكز غير المرخصة، وإغلاق 12 مركزًا خاصًا للطب النفسى وعلاج الإدمان بمحافظتى القاهرة والجيزة. وذلك لإدارتها دون ترخيص ومخالفة المادة الثانية من القانون رقم 153 لسنة 2004 المعدل لبعض بنود القانون 51 لسنة 81 المنظم لعمل المنشآت الطبية، وتم تحرير محاضر شرطة بأسماء الأشخاص الذين يديرونها، وإبلاغ الأمانة العامة للصحة النفسية بأسماء الأطباء الذين يديرون تلك المراكز لمحاسبتهم، والتشديد على أطباء مستشفيات الصحة النفسية عموما بعدم العمل في مراكز علاج الإدمان غير المرخصة وعدم مطابقتها للشروط والمعايير للحد من ظاهرة انتشارها. مشكلة المراكز قال محمود فؤاد رئيس المركز المصرى للحق في الدواء، إن مشكلة مراكز علاج الإدمان الخاصة تكمن في عدم وجود تفتيش، والتأكد من وجود إشراف طبى وبرنامج سليم يحقق الهدف الذى أنشئ من أجله، مؤكدًا أن بعض المراكز الخاصة بيزنس وتجارة لتحقيق مكاسب مالية على حساب حياة الشباب دون تقديم فائدة للمدمنين، بل يزداد الأمر سوءًا من خلال تسرب المواد المخدرة للخاضعين للعلاج، ما يؤدى إلى مصرع البعض نتيجة تناول كميات كبيرة من المخدرات بعد انقطاع لفترة. وأضاف فؤاد، أن العديد من مراكز علاج الإدمان الخاصة لا يوجد لديها برامج للعلاج ولا تعتمد على أطباء متخصصين للتعامل مع المرضى، ما يؤدى إلى فقدان الهدف، وهو إقلاع الشاب عن تناول المخدرات، مشيرًا إلى أن برامج العلاج الصحيح داخل المراكز يجب أن تعتمد على برنامج يومى للمدمنين، يتضمن كافة الأوقات من الاستيقاظ وحتى النوم، يشرف عليه الأطباء ويستمر لشهور حتى يتم تأهيل المريض ودمجه في المجتمع مرة أخرى بعد التعافى بشكل تام من جميع أنواع المخدرات. وحول إمكانية تنظيم مراكز الإدمان في مصر، أكد فؤاد أن الوضع يحتاج إلى إعادة النظر وتشديد الرقابة على المراكز لتلاشى المشكلات، وطالب بضرورة التنسيق بين وزارتى الصحة والتضامن حتى تتحدد الاشتراطات السليمة الواجب توافرها وحتى يمكن تحديد المساءلة للمخطئين. واختتم فؤاد: أن الغرض من هذه المراكز، هو التربح، وتابع: «أن المشرف عليها عادة لا يكون طبيبا متخصصا، مؤكدا أن تعقيد الإجراءات لفتح مراكز طبية متخصصة قد يكون من الأسباب الرئيسية لانتشار تلك المراكز الخطرة». وصف فؤاد، تلك المراكز ب «غير الآدمية» قائلا: «إن الغرفة الواحدة بها عدد كبير من المرضى المدمنين الذين يواجهون ألوانا متعددة من التعذيب تحت بند العلاج». مطالبا بوجود رقابة على تلك المراكز والحد من انتشارها وضرورة إجراء تفتيش دورى عليها من قبل وزارة الصحة لمعاينة الأوضاع بها ومعرفة أساليبهم في تعذيب المريض، مع تسهيل إجراءات افتتاح مراكز متخصصة بإشراف وزارة الصحة، على أن يتم التأكد من هوية العاملين بها والاهتمام بالمستشفيات الحكومية وتطوير مراكز علاج الإدمان بها. معايير العلاج اللافت وجود إجراءات قانونية معقدة لترخيص مركز مكافحة، حيث يلجأ بعض المستفيدين على عدم ترخيص مراكز علاج الإدمان نظرا لأن قانون الصحة النفسية ينص على دفع رسوم لكل مريض يدخل المستشفى أو يحجز بالمركز، وكذا عدد الأسرة الموجودة وتدفع للصحة ونقابة الأطباء، وهناك كارثة تتمثل في كون العاملين في هذه الأوكار من أفراد متعافين من الإدمان وليسوا أطباء، والعلاج فيها ليس على أساس علمي، ويعملون تحت بير السلم بالمخالفة للقانون واللوائح المنظمة لعمل هذه المراكز. وأكدت الدكتورة إليزابيث شاكر عضو لجنة الصحة بالبرلمان، أن تراخيص مزاولة المهنة داخل مراكز الإدمان تستخرج من نقابة الأطباء ومن المجلس القومى للصحة النفسية، وأن دوره ينحصر في استخراج التراخيص اللازمة للمكان قبل فتح تلك المراكز، وتعمل المراكز في ضوء الضوابط الحاكمة للمنشآت الطبية الخاصة. وتابعت عضو صحة النواب، أن هناك ضوابط، منها مطابقة المركز للشروط الصحية طبقًا للقانون 153 لسنة 2004 المعدل لبعض بنود القانون 51 لسنة 1981 من حيث الاشتراطات الصحية في المراكز والعيادات والمستشفيات، ومنها في المركز الخاص أن يكون في وحدة سكنية مستقلة، وغرف الكشف جيدة الإضاءة والتهوية وكاملة التجهيزات، ومكان مخصص للانتظار مناسب للمرضى ومكتمل الخدمات، ويكون مدير المركز طبيبا ومالكه طبيب ومن يعمل به طبيب. بينما الاشتراطات الخاصة بمراكز علاج الإدمان والطب النفسى، فمثلا تكون هناك اشتراطات للسلامة تتمثل في وجود قضبان حديدية على المنافذ، وألا يوجد بها آلات حادة يمكن أن يستخدمها المريض في الإضرار بنفسه، وعدم وجود أسلاك كهربائية أو حبال يمكنه خنق نفسه بها، ولا بد من وجود جرس أو تليفون داخل الحمام، وفى حالة أن يكون فيه علاج جلسات كهربائية يشترط وجود غرفة للرعاية المركزة تجنبًا للطوارئ وغير ذلك. وأكدت شاكر أن وزارة الصحة بالتعاون مع الحكومة تكثف جهودها لمكافحة تلك المراكز المشبوهة، والتى تعمل دون إشراف مسئولين، حيث تشن حملات لضبط مثل تلك المراكز وإغلاقها لحين الحصول على تراخيص لها من قبل الوزارة. وأضافت شاكر، أن وزارة الصحة تبذل مجهودات مضاعفة في الفترة الحالية، خاصة بعد زيادة حالات الوفاة نتيجة لاستخدام أدوية محظور تداولها، وبالتالى تتسبب في هلاك المدمن. وشددت على ضرورة، توافر الشروط والمعايير لمن يرغب في فتح مركز لعلاج الإدمان قائلة: «لا بد من الحصول على ترخيص من الجهات المعنية، ثم أخيرا ترخيص من إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة».