حرص كثير من الأدباء من الرحالة والمؤرخين المصريين عبر العصور على زيارة مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، وخلال هذه الزيارة سجلوا ما شاهدوه من أشكال العيش والعبادات، وانطباعاتهم المختلفة حول هذه الزيارة فى الأراضى المقدسة، وقاموا برصد شامل للبلاد وتحصيناتها والأحوال السياسية، وقد جمع الكاتب أحمد زيد تسجيلات هؤلاء الرحالة والمؤرخين فى كتاب أصدرته المجلة العربية تحت عنوان «الرحلة إلى مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة». وسجل هؤلاء الرحالة والمؤرخون تفاصيل هذه الرحلة، وما شاهدوه من مآثر وما تكبدوه من مشاق ومخاطر خاصة أن الحج فى العصور الماضية كانت طرقه تفتقد إلى الأمن، وكثيرا ما كانت قوافل الحج تتعرض للسلب والنهب من قُطاع الطرق، وهو ما اختفى منذ قيام المملكة العربية السعودية. كتب الرحالة الألماني «مراد هوفمان» كتابا تحت عنوان «رحلة إلى مكة»، وصف من خلاله رحلته إلى البيت الحرام، ذكر فيه أنه فى بداية رحلته توجه إلى المدينةالمنورة حيث يوجد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع فيه مئات الألوف من المصلين جاءوا من شتى الاتجاهات. وقال «هوفمان»، إنه عندما تحاول سيارات الأجرة التى تنقل الحجاج اختراق حشود المسلمين، لا تسمع كلمة غاضبة، ولا يضرب أحد بيده على السيارة حقدا على أصحابها، ويبقى الانضباط والالتزام بهذا السلوك من جانب هذا الحشد من المسلمين مثيرا للدهشة حتى بالنظر إلى التزام الحجاج بمسألة الإنسان والحيوان والنبات، ولم أكن أعتقد قبل هذه التجربة أن التعاليم الدينية تستطيع أن تلغى بعض القوانين والقواعد الاجتماعية مدة من الزمن. وأوضح «هوفمان»، أن درجة الحرارة فى البيت الحرام وقتها كانت تصل إلى 28 درجة مئوية فقط، ما يُثير للدهشة أن هذه الحرارة لم تلبث أن تبددت، فقد علمنا أن المسئولين السعوديين يمررون ماء مثلجا تحت المسجد ولا بد أن هذا الماء يأتى من مسافة بعيدة، لأن الحرارة الناتجة من عملية التبريد كانت كفيلة بأن تصل بهذه المدينة إلى درجة الغليان. وأشار إلى أنه تمكن من زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين أبى بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، مبينا أن الوجود بهذا المكان يحظى باحترام شديد، ففى هذا المكان الذى يفوح منه عبق التاريخ هزت التجربة من الأعماق بعض الحجاج الذى صاحبونى فأجهشوا بالبكاء الحار. وتابع: حينما وصلنا إلى مكةالمكرمة، وعندما خرجنا من النفق، كانت المفاجأة المذهلة حيث وجدنا أمامنا المسجد الكبير الرائع، فنحن نقف أمام أقدم معابد التوحيد فى العالم، فالكعبة مكعب مجوف خال تماما، مبنى بأحجار ضخمة، وهو صورة معمارية لكمال بيت الله الحرام فى أبسط تصوير بعيدا عن التعقيد الذى يبدو فى «الفن القوطي» و«فن الركوكو»، ولم يكن من اليسير والحجاج يتزاحمون ويتدافعون أن تعى رمزا لمكان، وأن تحتفظ بهذا الخضم الهائل بروحانية الفعل الذى لولاه لتحول الحج إلى مجهود بدنى بحت، وفى الطواف ترى شيئا جميلا، فالمشهد شديد الجمال، والكعبة تبدو مركزا ثابتا لا يتحرك لأسطوانة تدور ببطء، وفى سكون تام فى اتجاه مضاد لعقارب الساعة، وهذا المشهد لا يتغير إلا عند الصلاة، حيث تصير الكعبة مركزا لدوائر عديدة متحدة المركز، تتكون من مئات الآلاف من أجسام ناصعة البياض لأناس يرغبون فى شيء واحد، ويبحثون عن شيء واحد، ويفعلون شيئا واحدا رمزا لتسليم النفس إلى بارئها، ويحاط بالكعبة سبع مآذن مقامة على الطراز الهندى _ الإسلامى مثلما يُحاط الإطار بالجوهرة. وذكر «هوفمان» أنه فور وصوله إلى عرفات، وكان يوما للتأمل والسلام، يوما للصلاة والأحاديث القيمة، رأى ملايين الناس يتشحون بأكفان، ويتركون فى هذا اليوم كل شيء وراء ظهورهم، فوجودهم اليوم مكرس لله، يصلون ويتضرعون فى خشوع ويقين لم يحدث من قبل.