«الإحصاء»: معلم لكل 28 تلميذًا في مصر خلال العام الدراسي 2024 2025    اليوم.. مصر تحتفل بذكرى نصر السادس من أكتوبر    اليوم أم يوم الخميس؟ تعرف على الموعد الرسمي لإجازة 6 أكتوبر 2025    تراجع سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري بداية اليوم 6 أكتوبر 2025    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الإثنين 6 أكتوبر 2025    رئيس وزراء باكستان يتطلع إلى تعزيز العلاقات مع ماليزيا    هل يتجاوز محمد صلاح أحزانه في ليفربول ليحقق حلم الصعود للمونديال مع الفراعنة ؟    أحمد صالح: الزمالك أعاد الأهلي لمكانه الطبيعي    طقس اليوم .. أجواء خريفية اليوم وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 30 درجة والصغرى 21    " التعليم " تكشف أهمية التقييمات الأسبوعية والاختبار الشهري لصفوف النقل.. تعرف عليها    ذكرى نصر أكتوبر ال52.. الأفلام المصرية توثق بطولات الجيش    اليوم.. الفصل في المنافسة المصرية الكونغولية على رئاسة «اليونسكو»    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 6اكتوبر 2025في المنيا.. تعرف على مواعيد الأذان    حاكمان ديمقراطيان يتعهدان بمعركة قضائية بعد إرسال ترامب حرس كاليفورنيا الوطني إلى أوريجون    ماذا قال رئيس الاتحاد السكندري عن الدوري الاستثنائي وأحمد دياب ؟    بعد 64 عامًا.. «لا تطفئ الشمس» لإحسان عبد القدوس من السينما والدراما إلى خشبة المسرح    كثافات مرورية بمحاور القاهرة الكبرى وانتشار أمني مكثف أعلى الطرق السريعة    وفاة مغربي عبد الرحمن إداري الفريق الأول بنادي المقاولون    اليوم، انقطاع الكهرباء عن عدة مناطق في الدقهلية    سعر طن الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6-10-2025 بعد آخر ارتفاع.. حديد عز بكام؟    نهر النيل لا يعرف الهزيمة    ميرتس يدعم حظر الهواتف المحمولة بالمدارس في ألمانيا    تطور جديد في واقعة عقر كلب عصام الحضري لمهندسة بالعلمين    استبدليه بالبيض والفول والجبن فورا، استشاري يحذر من اللانشون في ساندويتشات المدرسة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 6 أكتوبر    حبس المتهمين بإدارة نادٍ صحي لاستغلاله في ممارسة الأعمال المنافية للآداب بمدينة نصر    «مريض وحالته صعبة».. نضال الأحمدية تعلق على تسليم فضل شاكر نفسه إلى السلطات اللبنانية    «أزمة مع النحاس؟».. وليد صلاح الدين يكشف حقيقة عرض أفشة للبيع (خاص)    قناة عبرية: ناشطة من أسطول الصمود تعض موظفة في أحد السجون الإسرائيلية    مدحت صالح يتألق في حفل قصر عابدين بأجمل أغانيه    عيد ميلاد عزيز الشافعي.. رحلة نجاح بدأت من الحلم ووصلت إلى القمة    ترامب: لم يتبق أي قوارب قبالة فنزويلا بعد الضربات الأمريكية    صحة الإسكندرية: تنفيذ 49 برنامجا تدريبيا خلال سبتمبر لرفع كفاءة الكوادر الطبية والإدارية    منتخب مصر يودّع كأس العالم للشباب رسميًا    سكته قلبية.. وفاة شخص قبل نظر نزاع على منزل مع زوجته وشقيقه بمحكمة الإسكندرية    المنتخب يطير إلى المغرب اليوم لتحقيق حُلم المونديال    من غير غسيل.. خطوات تنظيف المراتب من البقع والأتربة    تامر حسني يرد على تكريم نقابة المهن التمثيلية برسالة مؤثرة: "الحلم اتحقق بفضل شباب المسرح المصري"    "كيفية مشاهدة مباراة السعودية والنرويج في كأس العالم للشباب 2025 بث مباشر"    قرار من النيابة ضد المتهم بالتعدي على آخر في حدائق القبة وبحوزته سلاحان ناري وأبيض    الجامعة البريطانية وبرنامج الأمم المتحدة يطلقان النسخة الرابعة من محاكاة قمة المناخ COP30    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بالذكرى المئوية للعلاقات بين مصر وتركيا    وزارة الحج والعمرة: جميع أنواع التأشيرات تتيح أداء مناسك العمرة    البابا تواضروس الثاني يزور إيبارشية أبوتيج وصدقا والغنايم    31 مرشحًا خضعوا للكشف الطبي بالفيوم.. ووكيلة الصحة تتفقد لجان الفحص بالقومسيون والمستشفى العام    بالصور/ مدير امانه المراكز الطبية المتخصصة" البوابة نيوز"..نرفع الطوارئ على مدار 24 ساعة لاستقبال حوادث المواصلات بالطريق الزراعى والدائري..القوى البشرية بقليوب التخصصى لا يستهان بها    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    سعر السمك البلطى والكابوريا والجمبرى في الأسواق اليوم الاثنين 6 أكتوبر 2025    ترقي وإعادة تعيين المعلمين 2025.. «الأكاديمية» تحدد مواعيد جديدة لاختبارات الصلاحية    هناك من يحاول التقرب منك.. حظ برج القوس اليوم 6 أكتوبر    أسعار الذهب في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الاثنين 6 أكتوبر 2025    فنانة تصاب ب ذبحة صدرية.. أعراض وأسباب مرض قد يتطور إلى نوبة قلبية    على زعزع يخضع للتأهيل فى مران مودرن سبورت    بدر محمد بطل فيلم ضي في أول حوار تلفزيوني: الاختلاف قد يكون ميزة    لحظة تهور سائق في زفة بكرداسة تنتهي بالقبض عليه.. إنفوجراف    أمين الإفتاء: الصبر على الزوجة والتحمل والاجتهاد في الموعظة له أجر وثواب من الله    تعرف على مواقيت الصلاة غد الاثنين 6-10-2025 في محافظة قنا    رمضان 2026.. تعرف على موعد حلول الشهر الكريم وعدد أيامه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معماري مصري يدق ناقوس الخطر : وحشية البلدوزر تهدد «روحانية» أقدس بقاع الأرض !!
نشر في محيط يوم 11 - 10 - 2014

فتاوى وهابية روجت لهدم قبور الصحابة وبيت ولد به النبي .. ومنازل العثمانيين!
مليارات تنفق سنويا لتيسير الحج .. لكن تطوير المدن المقدسة ليس بالكم
القدس والفاتيكان والسلطان حسن .. نماذج لعمارة روحانية تعلو على المادية
الفنادق العملاقة والحج "5 نجوم" .. إساءة لقيم الحج بالتجرد والزهد والمساواة
مشروعات التطوير راعت روحانيات الحج حتى السبعينات ..
الفراغ المحيط بمكة مقدس كقدسيتها .. وأطروحات العمارة المبدعة تحتاج لتفعيل
إزالة قلعة أجياد العثمانية تثير أزمة مع تركيا واليونيسكو
شركة بن لادن .. هل تحول مكة للاس فيجاس رأسمالية فجة؟
الكعبة مقصد الحجاج لشفاء أرواحهم وتأدية الفريضة الكبرى من فرائض الإسلام الخمس. وفلسفة الحج كرحلة روحية تقتضي الشقاء النسبي وزهد الدنيا والأنس بالله وطلب غفرانه . من أجل ذلك قرر معماري مصري أن يخوض المحظورات ويصدر كتابا يشكل صرخة مدوية في وجه ناطحات السحاب التي بدأت تزحف لمحاصرة الكعبة ، والتي تشعرك وأنت تتأمل صورة مكة أنها تكاد تتلاشى بين أبراج عملاقة تشبه تماما تلك التي تتصارع فوق سماء "لاس فيجاس" الأمريكية . . في غير احترام لقدسية المكان وطبيعته الخاصة كأهم قبلة روحية عالمية ، في حين نجد أن الفاتيكان والقدس - وبرغم ضيق الحيز المحيط بالأولى ومحنة الثانية مع آلة التهويد- تظل البيئة المحيطة بهما بسيطة ، فطرية وثرية بشواهد الحضارة والتراث ، ما يمهد للمرتحل إليهما رحلة فريدة لا ينساها ..
عندما زار مالكوم إكس مكة المكرمة عام 1964، كان مسحورًا بما رأى!. لقد وجد المدينة "قديمة قدم الزمان"، وكتب أن التوسعة التي كانت قد بدأت بشكل جزئي في ذلك الوقت، ستجعل جمال المسجد الحرام يتجاوز الجمال المعماري لتاج محل في الهند.
ويستهل الدكتور علي عبدالرؤوف، المعماري الأكاديمي المصري، كتابه الصادر عن دار "مدارات" للنشر مؤخرا، والذي أسماه "من مكة إلى لاس فيجاس .. أطروحات نقدية في العمارة والقداسة" بآية قرآنية أثيرة يقول الحق سبحانه : " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ{96} فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ{97}آل عمران97.
بدأت ملاحظة المؤلف حين كانت رحلته الأولى للعمرة، وقتها فقط هاله أن الأبراج الخرسانية ومجمعات الإقامة العالية وأوناش البناء تتنافس كإطار دنيوي رخيص مع الكتلة السوداء الآسرة للقلوب والأرواح والتي هي الكعبة المشرفة .. وصدم حين زار دولة الفاتيكان والمقرر البابوي وكنيسة سان بيتر الشهيرة حيث يكتنف المحيط كله جو روحاني فريد وتتضاءل كل السياقات المحيطة بالبصر للمكان .. وحين تتدرج على سلالم حجرية صغيرة ستشاهد المحيط العمراني للفاتيكان وروما يخضعان خضوعا مقدسا لقبة الكنيسة وشرفاتها ونافذة إطلالة بابا الفاتيكان الشهيرة ، هذا الخضوع لا يمكن أن يتحقق إلا بإدراك شعبي ومؤسسي لأن هذا المكان له طبيعة مقدسة تتجاوز أي إطار دنيوي ربحي قد يغري البعض باستغلاله وتغييره وتشويه أجواءه الروحانية المقدسة لجموع المسيحيين.
أما المؤرخ السوري ناصر الرباط والذي يشغل مقعد أستاذ الأغاخان للعمارة الإسلامية بأمريكا، فيكتب بتقديمه للكتاب عن "مدينة الطوباوية الرأسمالية" أن مكة لا تضاهيها مدن العالم كمأوى للحج الروحي إلى الله، وقد تراكم فيها على مدى الخمسة عشر قرنا من تاريخ الإسلام ذكريات كثيرة ابتداء من أصولها ما قبل التاريخية من إعادة بناء البيت على يد نبي الله ابراهيم وولده اسماعيل عليهما السلام، ومرورا بالحدث الأعظم من ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم وخروجه منها ثم عودته فاتحا ، وما صاحب ذلك من تراث الصحابة والتابعين ثم مشروعات تطوير الحرم على يد الخلفاء وانتهاء بمشروعات التوسع العملاقة الراهنة والتي بلا شك سهلت رحلة الحج وقدمت الخدمات لنحو 4 مليون حاج سنويا، ناهيك عن زوار البيت طول العام، ولكنها لم تع على مدار نصف قرن قيمة معالم المدينة القديمة فأطاحت به بلا هوادة !
ويستأنس المؤرخ بكتاب "رحلة إلى مكة" الشهير لصاحبه جول كورتيلمون والذي يقول : " ما وراء الشرق المعروف لدى الأوروبيين هناك بعيدا في قلب الجزيرة العربية، في غموض الصحاري العميقة وأسرارها، المحيطة بها، توجد المدينة الإسلامية المقدسة مكة حيث تختفي في قاع واد بري مطوق بسلسلتين من جبال حادة وقاحلة، كما لو شاءت الطبيعة أن تتواطأ مع الإيمان الإسلامي لتخفي عن أنظار غير المؤمنين أسرارا محفوظة بعناية "
والتساؤل الذي يطرحه الكتاب : ألا يمتلك مسلمو العالم حقوقا رمزية في المدينة المقدسة، ليتم مناقشتهم في معايير احترام قدسية المدينة والكيفية التي تتم بها مشروعات التوسعة ؟! . لقد حاول الأمير خالد بن فيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، أن يستعيد الطراز المعماري الإسلامي وأمر بذلك بالفعل ، لكن الأمر كما ينظر عديد من المعماريين لا يعدو كونه ديكور مسرحي لإضفاء الطابع الإسلامي للسياق بعيدا عن الجوهر الحقيقي الذي تمت إزاحته جانبا .
وليس هذا فحسب بل إن هناك عمليات وصفها المعماري السعودي صادق فقيه صاحب مركز دراسات معماري تراثي بلندن بإخلاء مكة من أهلها الأصليين والذين تدفع إليهم الأموال لترك بيوتهم ، وسرعان ما يتم هدمها بمشروعات التوسعة واستبدالها بفنادق يسكنها الأثرياء، وهذا ما يكرس أيضا التمييز الطبقي، بعيدا تماما عن فلسفة الحج التي تساوي بين البشر أمام الله ، في ملابس بيضاء تشبه الأكفان، تجرد الحجيج من الدنيا ويبدون شعثا غبرا جاءوا من كل فج ليطهروا ويذكروا الله وينشدون غفرانه ، هؤلاء من يشهد الله ملائكته أنه قد غفر لهم .
بالتأكيد سيختلف المشهد أمامك، إذا ما طالعت إعلانات وفتاوى تنافي روح وقيم الإسلام، تؤكد أن الصلاة من غرفة مطلة على الحرم يمكن أن تكون كصلاة الجماعة بساحة مكة، وأن الحاج يمكن أن يصلي من غرفته التي تتكلف 50 ألف دولار على الأقل، وينظر للحائط الزجاجي متوجها للكعبة ، متنعما في الوقت ذاته بالتكييف والمشروبات والحمام الفخيم، ويتساءل المؤلف : بالله كيف لهذا الحاج الذي ينظر للمسلمين من أعلى فندق فيرمونت أو أبراج البيت ، أن يشعر بتساويه معهم أمام الله ، أو أي معنى للتجرد والزهد والمشقة ، وأي درجة وصلنا إليها حين نطالع اعلانات قضاء شهر العسل بأحد تلك الفنادق المطلة على الحرم مباشرة ؟! فهل جئنا لمكة لنشبع الرغبات أو لنجاهد أنفسنا ونتجرد لله ؟!
يصور الكتاب رحلات الحج في منتصف القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حين كان الحجيج يقصدون مراكز للتجمع بالحواضر العربية الكبرى كالقاهرة ودمشق وبغداد، ويمتطون الجمال، ويرتحلون في رحلة مثيرة وصافية رغم مشقتها الكبيرة لعدة أشهر، في الوقت الذي يحتفل فيه أهلهم برسم جداريات مبهجة على جدران المنازل تجسد عظمة الحج والفخر بذويهم الذين قصدوا كعبة ربهم كما أمرهم ، ثم يستعرض الكتاب مشروعات متعددة
هدم التراث بلا هوادة
" واني لأعلم انك أحب بلاد الله إلى وأكرمه على الله " .. محمد رسول الله (ص)
في لمحة جغرافية، يسهب الباحث في شرح تميز موقع مكة الجغرافي عبر العصور، والذي وضعها في شبه عزلة وسط وادٍ محاط بالجبال الشامخات السبعة ، وأهمها جبل عمر وجبل خندمة، وهي تعد نطاقات مقدسة شاهدة على أحداث فاصلة في تاريخ نشأة الدعوة الإسلامية ونضال النبي الخاتم محمد – صلى الله عليه وسلم – لنشرها والدفاع عن معتنقيها ، فجبل النور مثلا وهو الواقع في الشمال الشرقي لمكة به "غار حراء" الذي اعتاد رسول الله الاعتكاف به حتى تلقى الرسالة الأولى من القرآن، أما جبل "ثور" في جنوب مكة فيقع به غار ثور الذي احتمى به الرسول – صلى الله عليه وسلم – وصاحبه أبو بكر الصديق – رضي الله عنه، عند هجرتهما من مكة للمدينة هربا من صناديد قريش الذي أعجزهم الله عن الدخول للغار.
لكن الحقيقة أن القرارات السعودية وصلت أحيانا لإزالة بعض هذه الجبال، التي ذكرنا أنها نطاقات مقدسة، مثل جبل "أجياد " الذي كان يرتفع إلى 406 متر وتعلوه القلعة العثمانية الشهيرة التي بنيت عام 1781 لحماية الحجيج لمكة، وعرفت بنفس الاسم حيث أزيل بالكامل ليمهد الموقع لتنفيذ مجمعة عملاقة من الأبراج الفندقية ! وهو ما أثار أزمة عاصفة قادتها تركيا ومنظمة اليونيسكو وعدد من المنظمات العاملة في مجال الحفاظ على التراث الدولي، وأدانه الخبراء الدوليون فيما وصفه رئيس البرلمان التركي السابق "مراد سوكمين" بأنه سلوك ينافي القيم الإسلامية .
ويلفت مؤلف هذا الكتاب لأهم أشكال التعدي على التراث المكي، مشيرا إلى أن "الموقع المعماري المهيمن على المدينة ليس المسجد الحرام حيث الكعبة المشرفة، محط أنظار وصلوات المسلمين في كل مكان، لكن ما يهيمن على المشهد هو فندق مكة الملكي وبرج ساعته "البغيض" الذي يرتفع ل 1972 قدمًا فوق الأرض، هو واحد من أطول المباني في العالم، بل هو تطور ضخم لناطحات السحاب حيث يضم مراكز تسوق فاخرة وفنادق ومطاعم لفاحشي الثراء، لم تعد القمم الوعرة تهيمن على الرائي، لقد دُكت الجبال القديمة دكًا، ويحيط بالكعبة الآن التي تبدو كقزم هياكل الصلب والخرسانة، فيما يبدو مزيجًا قميئًا من ديزني لاند ولاس فيغاس".
ويستطرد بقوله: "المباني القديمة التي لا تُحصى، بما في ذلك مسجد بلال، والتي يعود تاريخها إلى عهد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، تم تجريفها من أساسها، البيوت العثمانية القديمة مع مشربياتها الجميلة وأبوابها المنحوتة ببراعة، تم استبدالها بأخرى حديثة بشعة، وفي غضون بضع سنوات، تحولت مكة المكرمة إلى مدينة حديثة مع طرق متعددة الحارات تظهر للرائي كتقاطعات السباغيتي! ولا يمكن لعينك أن تخطئ الفنادق المبهرجة ومراكز التسوق.
أما القلة الباقية من المباني والمواقع ذات الأهمية الدينية والثقافية فقد تم تدميرها في الآونة الأخيرة، تم بناء برج الساعة في 2012 على أنقاض نحو 400 موقع تاريخي وثقافي، بما في ذلك المباني القليلة المتبقية والتي يعود عمرها لأكثر من ألف سنة، وصلت الجرافات في منتصف الليل، وشُردت الأسر التي عاشت هناك منذ قرون".
المجمع يقف على قمة قلعة أجياد، التي بُنيت حوالي 1780م لحماية مكة المكرمة من اللصوص والغزاة، بيت السيدة خديجة، الزوجة الأولى للنبي محمد تم هدمه، أما مكة هيلتون فقد بُني على بيت أبي بكر الصديق، أقرب رفيق لرسول الله وخليفته الأول.
ويواصل الدكتور علي حديثه المرير بقوله : على الرغم من ذلك، دعا شيوخ الوهابية مرارًا وتكرارًا لهدم البيت الذي ولد فيه رسول الله خشية أن يسجد له المسلمون من دون الله !!
وتيرة الربحية تنتصر
الدكتور مشاري عبدالله النعيم ، أستاذ العمارة بجامعة الدمام كتب يوما في صحيفة "الشرق الأوسط" عن مكة المكرمة: " مدن الأسمنت لا تصنع السعادة وهي تزيد من الضغط النفسي ولا تحث على التواصل الاجتماعي ".
حتما ستعثر بالكتاب على صورة دالة حيث يعلق المؤلف على الحرم المكي في أول صورة ملونة نشرت عام 1953 نلاحظ بوضوح بساطة العمارة والعمران وتناسق اللغة البصرية للمكان ووضوح الجبال المحيطة التي تساهم في إضفاء البعد الروحاني للنطاق المكي ككل
ويشير الكتاب إلى أن هيئة تطوير مكة تمتلك وحدها حق التطوير الاستراتيجي للمدينة المقدسة والإشراف على مشروعاتها ، لكن الحقيقة أن المتحكم الحقيقي في تلك المشروعات هو المقاول الأشهر الذي يرتبط بعلاقات وثيقة بالعائلة السعودية الحاكمة، أو "مجموعة بن لادن" وهي بالطبع تهتم بالتطوير الشكلاني البعيد عن روحانيات المكان وتراثه.
يلفت المؤلف للعديد من المشروعات التي استهدفت خدمة الحجيج لبيت الله، ويركز بالتحديد على عهد الملك فهد حيث حدث التحول الأكبر في عمران المدينة فشقت الأنفاق التي ساعدت على امتداد المدينة لأول مرة في تاريخها خارج حدود الوادي . واستخدمت عمارة متميزة للمسجد الحرام واحدث التقنيات ومنها التحكم البيئي في الحرارة والصوتيات والإضاءة وتمت إضافة مئذنتين وازداد ارتفاعها إلى أكثر من تسعين مترا لتأكيد دورها كأهم معلم بصري في مكة المكرمة وارتقت فعالية الحركة بداخل المسجد الحرام، فزود بأنفاق للحركة تشمل المصاعد والسالم المتحركة والعديد من الأبواب الإضافي لتيسير الدخول والخروج وشملت التكلفة تعويضات نزع الملكيات وفتح الشوارع المؤدية للمسجد وتحسينها .
لقد أولى كثير من ولاة المسلمين الحرمين الشريفين عظيم اهتمامهم بالتطوير وتسهيل عملية الحج كما عرفت مكة بشبكة من الطرق التقليدية التي تصب في اتجاه المسجد الحرام ، إضافة للأسواق التي انتشرت لخدمة الحجاج
لكن في العقدين الأخيرين استهدفت المشروعات الضخمة كل شيء في مكة حتى الجبال المحيطة بالحرم المكي وأولها مشروع جبل عمر ثم مشروعات الشامية وجبل خندمة وجبل الكعبة.. فرأينا مشروع شركة مكة للإنشاء والتعمير وهو مجمع سكني تجاري ضخم ثم يأتي مشروع برج الساعة على قمة أبراج البيت على رأس المشروعات التي تهدد الهوية الروحانية المقدسة للمدينة
وقد تمت إضافة مسار دائري في الهواء يغطي بصريا الجزء العلوي من الكعبة ويرتفع عنها ما يساهم في حجب الكعبة بصريا عن نظر الآلاف من الحجاج بقاعة الصلاة العلوية !
مكة .. لاس فيجاس!
الكتاب يتحدث عن العمارة الروحانية، حتى غير الإسلامية منها، لتأكيد قيمها التي تطلي روحانية على العابدين، وهو يصور جماليات العمارة الإسلامية للمساجد والتي تجلت مثلا في الجامع الأزهر ومسجد السلطان حسن والمسجد الأزرق باسطنبول والمسجد الحرام والمسجد الأقصى .. في الحضارة الفرعونية على سبيل المثال، كان كل معبد جنائزي يتقدمه طريق تمهيدي وفناء خارجي يحتوي على إيقاع من الأعمدة وتماثيل الملوك والآلهة . وهو نفس المنطق في المعابد اليونانية كمعبد الأكروبوليس في أثينا المسيطر تماما على كل ما حوله، و الكاتدرائيات الكبرى في أوروبا
ويعقد المؤلف مقارنة بين مدينتا مكة ولاس فيجاس، فكلتاهما تشكل العقارات فيها القيمة الأغلى عالميا، والسبب هو أن من يمتلك في تلك المدن يضمن ربحا قياسيا في زمن وجيز، بعدد من الفنادق التي تقدم أرقى الخدمات للأثرياء حول العالم، كما أن المدينتين تشتركان في أن نموذج "الهدم" هو الحاكم في مجال التنمية، ويعني إزالة كل ما هو قائم – حتى لو كان جديدا – لتعد الناس بما هو أكثر إبهارا وهو ما يعني المزيد من الربح .. أخيرا تشترك المدينتان في ترويجهما للمباني العملاقة التي تذكر بالأساطير، وتستدعي أجواء تاريخية ، في حين أن لاس فيجاس يمكن تصور ذلك فيها باعتبارها مدينة القمار الأولى عالميا، لكن ذلك غير مقبول في أقدس بقاع الأرض التي لا يستر حجيجها سوى قطعة قماش بيضاء، غنيهم وفقيرهم، على السواء أمام الله .
يقول نيكولاي أوراسوف المعماري الشهير في مقاله بجريدة "نيويورك تايمز" أنه في نهاية السبعينات والثمانينات كانت السعودية أكثر حساسية في التعامل مع الحرم المكي والنبوي فقد تم الاستفادة من التدفقات النقدية من عوائد البترول واستدعاء مجموعة متميزة من المعماريين لمشروعات مباشرة تخدم الحرمين ومنها مدن الحجيج التي صممها المعماري الألماني الشهير فراي اوتو واستوحى تصميمها من خيام القبائل البدوية لاستيعاب الحجيج دون التأثير على البيئة الحساسة للتلال المحيطة بالمدينة المقدسة كذلك مشروع صالة الحج في مطار الملك عبدالعزيز الدولي والتي صممها المكتب الأمريكي سكيدمور كشبكة من المظلات المعتمدة على كابلات صلب مقسمة لما يشبه قرى بدوية صغيرة في الهواء الطلق حيث يمكن الحجيج من الراحة والصلاة لمواصلة رحلتهم .. هذه المشروعات تميزت بتطلع حداثي عصري مستلهم من البيئة المحلية ولم تتناقض مع تعاليم الإسلام
ويخلص الكتاب الذي يقع في 168 صفحة من القطع المتوسط، إلى أن مكة المكرمة والمدينة المنورة، وباعتبارهما مركزان من أكثر مراكز القداسة والروحانية في العالم، فإنهما تستحقان منهجا مميزا ومبدعا للتعامل مع إشكالياتهما التنموية والعمرانية بمنطق لا ينبع من منظور استثماري مادي ضيق أو يرى النجاح فقط في المعايير الكمية وخاصة القدرة على استيعاب وزيادة الراغبين في أداء العمرة والحج وإنما يقدم فهما للقيمة الروحية المقدسة التي لا يجب أن تتوارى أبدا أمام ضغوط رغبات جامحة للقراء اللانهائي ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.