التأخر في الظهور والتمركز في دائرة الضوء والشهرة ليس لهما توقيت ولا سن ولاترتيب ولا تأهيل ولا غصبا ولا فرضا, وأيضا لا يعني التأخير أن الشخص ليس كفئا, أو كان عليه الانتظار حتي ينضج ويستوي فوق الشجر ليصبح صالحا للالتقاط وطلبا للأكال, وفي هذا المجال كمثال لم يعرف العالم الفنان بول جوجان أهم فنان تشكيلي إلا بعد بلوغه الأربعين.. المهم في وجود المكتشف الملهم, صاحب العين الفاحصة التي تفرز الثمين من الغث, وتضع يدها علي الجوهرة وسط كوم من القش, وتتخذ القرار بالأخذ باليد من بين دوائر الزحام للصعود بالموهوب لمنزلة الاستحقاق.. وقد كان عبدالرحيم علي صاحب برنامج الصندوق الأسود في صعوده الصاروخي نموذجا لمن جد فوجد, ومن صبر فنال, فقد ظل أكثر من ربع قرن لا يكتب إلا في موضوع الإسلام السياسي ليعد من أهم المؤرخين في هذا المجال, كما أبحر منذ المنبع للمصب في تاريخ وسياسات الإخوان ليصدر العديد من الأبحاث والكتب, وينشئ موقع البوابة نيوز لإزاحة الستار عن دوائر وخفايا الجماعة الإرهابية مما دعاها للهجوم بعملائها علي مكتبه بغرض اغتياله وسرقة المحتويات... ورغم كفاحه الطويل, وعمله الكثير, فقد اعتبرناه جديدا علي الساحة, وكأن الموهوب لا يعترف به, ولا يأخذ تأشيرة المرور اللهم إلا إذا ظهر متجسدا علي شاشة التليفزيون الذي منحه الانتشار والتأثير في برنامج يعده ويقدمه وحده دون الاستعانة بجيش طويل من المريدين والمعدين كالزملاء الآخرين يحترم فيه وقته المقنن وهو من يبغي الاسترسال ليطلعنا علي أسرار من خبيئته المذهلة, ونبغاه نحن مسترسلا ليزيح جانبا جديدا من أستار سوداء عشنا أسري حلكتها في زمن الغفلة والضحك علي الذقون من أصحاب الذقون.. ويعدنا عبدالرحيم بأنه آت في الغد بما لم تأت به الأوائل ولا الأواخر مما يكشف عنه من التاريخ الأسود للإخوان وهو الذي أطلعنا حتي الآن علي كوارث كنا منزلقين معها إلي بئس المصير... ويجعلنا عبدالرحيم مشدودين بخيوط التوجس والانتظار نشعر بأن ليلة الجمعة والسبت تمران بنا مثل الساندوتش الحاف, فعبدالرحيم فيهما أخذ الصندوق ومفتاحه معاه.. ويعود عبدالرحيم.. وعندك إيه يا عبدالرحيم؟ حتقول لنا إيه يا عبدالرحيم؟!.. حتسمعنا إيه من التسريبات يا عبدالرحيم؟!.. مين طلع خائن ومين العميل ومين يترأس الآن التنظيم يا عبدالرحيم؟!.. وإن لكلمة عبدالرحيم مع المذيع توني خليفة في برنامجه الجرئ أجرأ الكلام لتلخيصا لحياته, ودفاعا عن التهم الكثيرة التي تكال إليه عندما قال لتوني بملامح وجهه الطفولي الصريح الفصيح المندهش دوما أكثر من اندهاشنا مما يذيعه لنا: أنا من أجل الأمن القومي المصري مستعد أعمل أي حاجة.. ولقد نجح عبدالرحيم لأنه رغم صندوقه الأسود قد فكر خارج الصندوق!! وملحوظة يا عبدالرحيم قبل ما نطلع فاصل.. بقي لك حلقتين وزيادة لم تأت فيها علي سيرة البوب وتسريباته.. وحشتنا خياناته!!!!..