افتتاح مبنى الإسكان الفاخر 3 للطالبات بجامعة أسيوط (صور)    البرلمان يقر 15% زيادة سنوية في الإيجار القديم    الكرة الطائرة، منتخب مصر يشارك في دورة الصداقة بالجزائر    النيابة العامة تُنظِّم دورة تدريبية حول إجراءات الطعن بالنقض وتطبيقاته العملية    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    "رسائل ابن البيطار" و"مع دانتي في الجحيم" أحدث إصدارات المركز القومي للترجمة    مستشفى وادي النطرون التخصصي ينجح في إصلاح تمزق بالكبد لمريض سوداني    البورصة تواصل الصعود في منتصف تعاملات اليوم    المصرية للاتصالات تنتهي من عمليات الإنزال ومسارات العبور الخاصة بالكابل البحري SEA-ME-WE-6 في مصر    الدكتورة رانيا المشاط: الدول النامية والأقل نموًا تتحمل العبء الأكبر من أزمة الديون العالمية مما يتسبب في اتساع فجوات التنمية    مجلس النواب يرفض اقتراح مصطفى بكري بمد الإيجار للجيل الأول.. وفوزي يدافع: الحكومة خادمة للشعب المصري    كامل الوزير يلتقي نائب رئيس الستوم لمتابعة آخر مستجدات الخط السادس للمترو    إعلام عبري: إصابة 4 جنود إسرائيليين بانفجار عبوة ناسفة في غزة    ترامب يهدد زهران ممداني بالاعتقال ويشكك في جنسيته.. والأخير يرد: هذا ترهيب سياسي    وزير الأوقاف يكرّم مسؤولين فلبينيين خلال احتفال اليوم الوطني المصري    كوريا الجنوبية والصين تبحثان التعاون قبل قمة أبيك    الجيش الإسرائيلي: القبض على خلية "إرهابية" تديرها إيران في جنوب سوريا    تفاصيل لقاء حزب الوعي وفدَ سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في القاهرة    مصدر ليلا كورة: عمر الساعي ينتقل إلى المصري على سبيل الإعارة    مصدر ليلا كورة: الزمالك يتسلم استغناء أحمد شريف من فاركو واللاعب يوقع ل5 مواسم    جمال عبدالحميد يهاجم إمام عاشور ويُعلق على رحيل زيزو    رئيس مجلس النواب ينتقد تأخر الحكومة في إرسال تعديلات قانون التعليم    الجريدة الرسمية تنشر قرارات الوطنية للانتخابات بدعوة الناخبين لمجلس الشيوخ    الموج 2.25 متر.. هل تأثرت شواطئ الإسكندرية بمزاعم تسونامي؟- صور    تعليمات عاجلة من التعليم بشأن تحويلات طلاب المرحلة الثانوية للعام الدراسى 2025/ 2026    كواليس موت "دنيا" في سوهاج.. خلاف بين شقيقتين ينتهي بجريمة قتل على يد الأم    مصرع سيدة إفريقية صدمتها سيارة بالتجمع الأول    ضحية الأمطار المفاجئة في المنوفية.. «السيد حنيش» خرج للقمة العيش فسقطت عليه شجرة    انفوجراف- كيف تقدم شكوى بنكية؟ المركزي يوضح    بمشاركة 78 دار نشر، مكتبة الإسكندرية تستعد لإطلاق معرضها الدولي للكتاب    تامر حسني: "في عمر وسلمى 4 ليلى زاهر أمي وملك زاهر خالتي"    وزير الإسكان يعقد اجتماعاً لمتابعة الموقف التنفيذي لمشروع حدائق تلال الفسطاط    الإفتاء توضح حكم صيام يوم عاشوراء منفردًا.. مكروه أم جائز؟    كامل الوزير: منح مصانع الأسمنت مهلة شهرا لتشغيل خطوط الإنتاج المتوقفة    "السبكي": تشغيل 97 منشأة صحية بأسوان حتى الآن ضمن "التأمين الشامل"    تكريم خاص من الزمالك.. عقد شيكابالا يُصرف بالكامل في حال الاعتزال    خطاب 3 يوليو لحظة مفصلية في استعادة الوطن وتثبيت مؤسسات الدولة    في 13 أسبوع عرض.. إيرادات سيكو سيكو تصل ل188 مليونا و423 ألف جنيه    مهرجان إعلام 6 أكتوبر للإنتاج الإعلامي يكرم الفنان محمد صبحي    الخميس.. حفل تأبين الناقد الراحل محمد السيد إسماعيل بالقليوبية    إعلام الاحتلال عن مصدر: المقترح الجديد لا يتضمن تعهدا واضحا بإنهاء الحرب    كل ما تريد معرفته عن مدارس البترول بعد الإعدادية.. بدائل الثانوية العامة 2025    عالم سعودي يكشف عن 4 مراتب لصيام عاشوراء: المرتبة الأولى الأفضل    ضوابط منح الترخيص المؤقت للحضانات    تعرف على مكافآت لاعبى الهلال بعد التأهل التاريخى فى مونديال الأندية    تحتوي على مواد قابلة للاشتعال.. إزالة مخازن مخالفة تشكل خطراً على المواطنين بالجيزة    قرارات حاجة لمحافظ الدقهلية في مفاجئة لمستشفى بلقاس..صور    بوركينا فاسو تحدد ملعب مباراة منتخب مصر في تصفيات كأس العالم 2026    رئيس جامعة المنيا يفاجئ مستشفيات الجامعة بعد منتصف الليل للاطمئنان على انتظام العمل    سبب وفاة المطرب أحمد عامر.. وموعد تشييع الجنازة    رويترز: الجيش الإيراني أجرى استعدادات لزرع ألغام في مضيق هرمز    وزارة البترول: تفعيل خطة الطوارئ فور انقلاب بارج بحري بخليج السويس    "بوليتيكو": الولايات المتحدة توقف بعض شحنات الصواريخ والذخائر إلى أوكرانيا    التشكيل الرسمي لمباراة بوروسيا دورتموند ومونتيري في مونديال الأندية    رأسية جارسيا تقود ريال مدريد للفوز على يوفنتوس والتأهل لربع نهائي كأس العالم للأندية    من دعاء النبي.. الدعاء المستحب بعد الوضوء    أمين «البحوث الإسلامية»: الهجرة النبويَّة تأسيسٌ لمجتمع قيمي ينهض على الوعي    هل يحق للزوجة طلب مسكن مستقل لضمان استقرار؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المويلحي بين صناعة الأدب وفلسفة المقاومة «2»
نشر في البوابة يوم 12 - 07 - 2019

لقد أشرنا فيما سبق إلى أن العمل فى معية الأمراء والنبلاء والأعيان وأصحاب الجاه لا يعد نعمة أو منة، بل على العكس تمامًا فمعظم المشاهير من الأدباء وأصحاب الأقلام الذين يتصلون بسكان القصور وذوى النفوذ يبيتون فى مرمى بنادق الحساد الجائرة وقنابل الخصوم الفاجرة، ناهيك عن الوشايات والإشاعات التى تصيب أصحاب الأقلام - المتطلعين إلى المراتب العليا -فى مقتل.
وفى هذا السبيل يروى العقاد (1889-1964م) أن محمد المويلحى وأباه كانا من أكثر أصحاب الأقلام ترددًا على مجالس الحاشية الخديوية، وتربطهما علاقات وطيدة برجالات القصر وأميراته. ويؤكد العقاد أن الشيخ على يوسف (1863-1913م) كان من أكثر الناقمين على محمد المويلحى وقد حكى عنه فى جريدة المؤيد أنه تشاجر ذات يوم مع أحد الصحفيين فى حانة كانا يترددان عليها. وقد أراد الشيخ على يوسف من نشر هذا الخبر الإطاحة بخصمه والعدول عن ترشيحه بمشيخة الطرق الصوفية، ذلك بالإضافة للتشكيك فى نسبه الشريف، ناهيك عن رغبته فى الإيقاع بين المويلحى والحاشية الخديوية حتى لا تصبح مجلته (مصباح الشرق) لسان حال الخديوي.
وقد كتب أحمد شوقى (1868-1932م) متهكما على محمد المويلحى وأبيه حتى لا يزاحمانه فى معية عباس حلمى الثانى (1874-1944م). والغريب أن المويلحى وأباه على الرغم من انتمائهما لطبقة الأثرياء إلا أنهما لم يسعيا قط لتملق عائلة محمد على أو مداهنة الباب العالي، بل على العكس من ذلك فكانت كتاباتهما مناوئة لسياسة حكام مصر وطبقة الباشوات وسياسة الباب العالي. وقد أحبط إبراهيم المويلحى إحدى المؤامرات التى كان يدبرها القصر ضد الإمام محمد عبده (1849-1905م) لتشويه سمعته والطعن فى شرفه رغم علم الأول بمدى الخصومة الواقعة بين محمد عبده وحاشية الخديوي. ولا يخفى على أحد مناصرة المويلحى الكبير وجماعة تركيا الفتاة ونشره فضائح الأتراك عام 1896م وعدم مناصرة محمد المويلحى لما كان يطمح إليه عباس حلمى فى تولى أمور الخلافة بعد سقوطها. ورغم ذلك ظل أبناء محمد على يتحاشون غضبة آل المويلحى ويدعونهم للمشاركة فى شئون الحكم تحاشيًا للذاعة نقدهم.
ولم يسلم محمد المويلحى من كيد حاسديه –كما بينّا-، فراحوا يوشون به عند الباب العالى تارة والخديوى عباس حلمى تارة أخرى. واتهموه بأنه انتحل مقامة أبيه ونسبها إلى نفسه، بينما ذهب النقاد المعاصرون إلى أن أباه (إبراهيم المويلحي) كان له أسلوب مغاير فى كتابة مقامته «حديث موسى بن عصام» تلك التى كتبها عام 1899م حتى عام 1903م أى بعد مقامة ولده بعام. وقد تنبأ فيها بسقوط الخلافة وزوال الدولة العثمانية، ولعل أبرز الفروق بين المقامتين هو الطابع العام فى البناء والبنية والمعالجة ناهيك عن الأسلوب الذى ميز بين الرجلين، فقد انصبت مقامة إبراهيم المويلحى حول إحياء القيم الروحية والدينية والأخلاقية وتخليص المجتمع من كل العوائد الدخيلة والمنافية لما جاءت به الشريعة المحمدية. وفى عام 1900م سافر محمد المويلحى بصحبة عباس حلمى الثانى إلى إنجلترا للتفاوض مع الإنجليز، وفى عام 1906م أنعم عليه الخديو عباس حلمى برتبة المتمايز ثم عينه مديرا لإدارة الأوقاف عام 1910م، وظل فى هذا العمل حتى عام 1915م، فاشتدت الوشايات به ولاسيما ما كان فى كتاباته من همز ولمز على أسرة محمد على والباشوات الأتراك ومحاباة الأجانب وامتيازات الخواجات وسلطة المستعمر الجائرة، ففضّل العزلة ثانية والاستقالة من سائر الأعمال الحكومية. وخلال هذه الفترة شرع فى تأسيس جماعة من شبيبة المثقفين لإصلاح حال اللغة العربية وإحياء آدابها، وتقويم أساليب خطابات دواوين الحكومة، وشرح وتحقيق نفائس التراث الأدبى العربي، وعقد العديد من الدراسات عن المتنبى وأبى العلاء المعرى وابن خلدون.
وفى عام 1927م وفى وزارة على الشمسى باشا قررت وزارة المعارف تدريس العديد من مقالات مقامة عيسى بن هشام على طلبة المدارس الثانوية، وجاء فى التقرير الوزارى عنها: «أن مقامة حديث عيسى بن هشام إذا دخلت فى المطالعة لطلبة المدارس الثانوية أفادتهم أجل فائدة من ناحية ما تأخذهم به من بلاغة الكلام، وسلامة القول، والصيغ الطريفة التى تناولت كثيرا من الأسباب الدائرة بين الناس، وهو ما يعوز جميع الكتب التى وضعت فى عصور متقدمة، إلى ما يفسح فى ملكاتهم، ويطبعهم على دقة الملاحظة، وقوة التعبير وتدبير ألوان الاحتجاج لطرفى الموضوع الواحد». وفى فبراير 1930م توفى مفكرنا ليلة عيد الفطر فى منزله بحلوان تاركا آخر مؤلفاته «رسائل فى الأخلاق أو علاج النفس»، فتولت وزارة المعارف طبعه وقررته فى مدارسها الثانوية عام 1932م. وقد أجمع معاصروه على أن محمد المويلحى صاحب مشروع تنويرى إصلاحي، وكان مقصده إعادة توعية الرأى العام بأسلوب لا يخلو من الجدة والطرافة فى التوجيه، وأنه نجح فى مخاطبة العقل الجمعى عوامه ونخبته واستطاع توجيههم وطبعهم بالمنحى النقدى البناء، وأنه بلا منازع رائد الرواية الواقعية فى الأدب العربي، وأن أثره فى معاصريه لا يمكن إنكاره أو تجاهله، وأن آراءه ما زالت حية فى عقول كل من اطلع على تراثه الجديد بالبحث والدرس. وأن مقامة عيسى بن هشام تعد همزة وصل بين الأدب العربى القديم وبين الأشكال الفنية الجديدة، وأنها أهم أعمال الأدب الخيالى فى جيله، وقد قرأها الجمهور على نطاق واسع. ذلك أن حكاية عيسى وصاحبه الباشا فى مصر أواخر القرن التاسع عشر تؤدى إلى نقد اجتماعى لاذع بعيد كل البعد عن التطلعات العاطفية والرومانسية التى كانت تتسم بها الرواية العربية الناشئة. وقد اختلف النقاد حول وجهة بنية المقامة السياسية، فذهب البعض إلى أنها تعبر عن الفلسفة الليبرالية وأنها إحدى المنابر الداعية للحريات وسيادة القانون، بينما ذهب البعض الآخر إلى أن حوارات شخوص الرواية تنبأ عن ميلهم إلى الترويج للعدالة والمساواة بين المصريين ونقد الأغنياء والطبقة الأرستقراطية، وتنحاز بذلك إلى الاشتراكية وهى مطلب العوام والجمهور، الأمر الذى كان يخيف الطبقة البرجوازية المصرية الناشئة والباشوات الأتراك والتجار والموظفين الأجانب. ويتراءى لى أن محمد المويلحى أفضل من استخدم التفكير الناقد فى كتاباته بعامة ومقامته بخاصة والأمر الذى يكشف عن عقليته الفلسفية الموسوعية ونزعته القومية المخلصة لوطنيته المصرية التى يعليها على كل انتماءاته وانضواءاته. وللحديث بقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.