أقيمت اليوم في قاعة الموائد المستديرة بمعرض الكتاب ندوة بعنوان "آفاق الترجمة والحوار مع الآخر" شارك فيها كل من: الشاعر والمترجم مفرح كريم، د. أنور إبراهيم المترجم عن اللغة الروسية، ود. محسن فرجاني أستاذ اللغة الصينية بكلية الألسن، وأدارت الندوة الروائية سهير المصادفة. تحدثت أولًا الروائية سهير المصادفة عن أهمية الترجمة كجسر للتواصل بين الشعوب وعمود من أعمدة بناء الحضارات في العالم، ثم قامت بتقديم الضيوف الثلاثة الذين جاءوا من مرجعيات لغوية مختلفة؛ فالشاعر مفرح كريم يترجم عن الإنجليزية، والدكتور أنور إبراهيم يترجم عن اللغة الروسية، والدكتور محسن فرجاني يترجم عن الصينية وهو تخصص نادر. ثم تكلم الشاعر مفرح كريم عن أهمية الترجمة ودورها الفاعل والرئيس في بناء الحضارة الإنسانية العامة؛ فكثير من المفكرين والعلماء لا يقولون بتعدد الحضارات وانما بأشكال مختلفة لحضارة واحدة تقوى في مكان ثم تنتقل عن طريق الترجمة إلى مكان آخر يضيف إليها وهلم جرا، وهكذا نشأت الحضارة العربية عن طريق الترجمة من اليونانية على وجه التحديد والترجمة عن الفارسية كذلك. وبعد الإسلام صادفت العرب مشكلة كيفية توصيل الدين الحنيف إلى الشعوب الأخرى التي لا تتحدث العربية ومن هنا نشأت ترجمات لمعاني القرآن الكريم والسنة النبوية وعن طريق هذه الترجمات آمنت شعوب بأكملها بالدين الإسلامي. وقد أنشأ الخليفة المأمون دار الحكمة التي تبنت المترجمين والعلماء وأفاضت عليهم ليتفرغوا للترجمة والعمل الفكري والنقل عن الثقافات الأخرى، فتمت ترجمة الفلسفة اليونانية والملاحم الإغريقية مثل الإلياذة التي حوت رموز ومضامين وثنية ورغم ذلك تمت ترجمتها. وأضاف مفرح: عندما ترجم العرب علوم الإغريق وآدابهم ساعدهم ذلك على فهمها ودراستها واستيعابها ثم الإضافة إليها بحيث نمت علوم عربية جديدة أكثر تطورًا وأصبح العرب سادة العالم فيما كانت أوربا تقبع في عصور الظلام، وفي العصر الحديث حصل تبادل للأدوار وأصبح الغرب هو قائد مسيرة الحضارة الإنسانية وذلك بعد أن ترجم علوم العرب ودرسها وأضاف إليها، وهكذا نجد أن الحضارة الإنسانية هي نتاج تلاقح بين الشعوب وقد لعبت فيها الترجمة دورًا بالغ التأثير. وختم مفرح كلامه بقوله: نحن اليوم أحوج ما نكون للاضطلاع على العلم والفكر والأدب في العالم كله وليس فقط في أوربا والولايات المتحدة، ونحن بحاجة لمعرفة أين وصل العالم المتقدم في الجانب المادي من الثقافة والجانب اللامادي منها، ونحن مثلًا بحاجة إلى معرفة كيف ولماذا تكتب الرواية وتقنيات هذا الفن وأساليبه، كيف نعرف كل ذلك إذا لم نترجم؟ وفي كلمته تساءل الدكتور أنور إبراهيم هل هناك فعلًا آفاق عربية للترجمة تدعو إلى التفاؤل؟ والإجابة ليست في صالحنا فنحن لا نترجم بالشكل الكافي ولا نهتم بما يترجم عنا وهو أحيانًا يعطي صورة نمطية سيئة للمواطن العربي فبعض الترجمات عن العربية كانت نتيجة لرحلات المغامرين ورحالة أوربا الذين اهتموا بالجانب المثير والطريف من تراثنا من نوعية ألف ليلة وليلة، وحتى في العصر الحديث اهتم المترجمون في أوربا بنقل صورة طريفة للرجل الشرقي لكنها ليست بالضرورة عميقة أو حقيقية كما شاعت للأسف فكرة المسلم الإرهابي. وتابع: على الجانب الآخر ماذا نقلنا نحن عن الغرب؟ بالدرجة الأولى نقلنا الأدب والعلوم الإنسانية ولم نعطي الجانب العلمي حقه، ويجب أن ننتبه إلى حجم الفجوة بيننا وبين الغرب في الجانب العلمي والتي لن تسدها الترجمة إذ لابد من دراسة العلوم باللغة الأصلية التي أنتجت من خلالها ومن هنا نرفض تمامًا فكرة تعريب الطب. وقال إبراهيم: المترجم هو إنسان مبدع وخلق إنسان مبدع يستلزم رؤية تعليمية مختلفة وبيئة مناسبة وهذا غير متوفر الآن وإن كنا قد عرفناه في السابق ففي الستينات كانت هناك حرجة ترجمة نشطة ومنظومة تعليمية على قدر من التماسك والفاعلية بحيث أنتجت لنا في النهاية مترجمين كبارًا. وتحدث الدكتور محسن فرجاني عن دور الترجمة في محو الفوارق الإنسانية وتذويب الفواصل بين الشعوب فبالترجمة لن يكون هناك آخر لأن هذا الآخر بترجمتنا لأعماله وتمثلنا لمنجزه قد أصبح جزء من ثقافتنا، والترجمة لا تقتصر على الجانب الورقي فهناك أيضًا التفاعل الإنساني من خلال احتكاك الشعوب مع بعضها عبر التجارة مثلًا، وهذا التلاقي الحي فرض نوعًا من الترجمة الوقتية وحتى في حال عجز المترجمين عن توصيل المعاني كان التواصل يتم عبر لغة الجسد، وهكذا تم تبادل التأثيرات الثقافية عبر وسائل أخرى بجوار الورقة والقلم وذلك من خلال تواصل الشعوب ولقاءها المستمر حتى من قبل وجود المطبعة، وهذا المنحى لابد من أخذه في الاعتبار عند الكلام عن معنى الترجمة. والترجمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام أولًا ترجمة بينية أي بين اللغة وذاتها عن طريق شرح النصوص وتأويلها في اللغة الواحدة، وترجمة من لغة إلى أخرى وهذا هو النوع الشائع، وأخيرًا الترجمة السميوطيقية أو ترجمة الرموز والاصطلاحات.