الشهاوي: نحن مستلبون ومنسحقون أمام الآخر مغيث: القومي للترجمة يستضيف مترجمين للنقل عنا الجزار: الترجمة "فرض عين" على الحكومات العربية استضاف بيت السناري الآثري بحي السيدة زينب بالقاهرة، بالتعاون مع صفصافة للثقافة والنشر، ضمن "مهرجان القاهرة الأدبي"، ندوة تحت عنوان "ترجمة الأدب العربي ... المعوقات والآفاق" تحدث فيها همفري ديفيز من الولاياتالمتحدة، وحمدي الجزار، وأحمد الشهاوي، ويدير اللقاء الدكتور أنور مغيث. وقال مدير الندوة د.أنور مغيث أن الترجم ليست فعل إضافي متطفل على الفعل الأصلي، بل هو جزء أساسي، وكل جديد كان تعليق على الترجمة. الترجمة متنوعة في كل الفروع، منتقداً ما يروجه البعض أن مصر تحتاج إلى ترجمة العلوم فقط وليست الآداب، والاكتفاء بما يكتبه الأدباء العرب، لكن مغيث يرى أن العنصر الأساسي في الترجمة هو متعة الفرد، فالأطفال مثلاً حول العالم يحبون علاء الدين، وسندريلا فهم يستمتعون بالنص الأدبي، ولا يعنيه من ترجم النص أو مدى احتياج البلد إليه، وهذا أيضاً شأن الكبار، فالأدب يحمل المتعة. من جانبه قال همفري ديفيز الذي ترجم أكثر من 20 رواية ويقيم في مصر منذ 35 عاماً، وتخرج من قسم اللغويات بجامعة كاليفورنيا، أن الترجمة من العربية إلى الإنجليزية مبشر وواعد، فهناك اهتمام أكبر في اوروبا وأمريكا بالعالم العربي أكثر مما كان في 20 عاماً، فهناك زيادة في عدد الترجمات التي تصدر من دور النشر في أمريكا وأوروبا مما يدل على أهمية الكتب. هناك أيضاً زيادة ملموسة في النشاطات على هامش الأدب في العالم الناطق بالإنجليزية، فهناك عدد من المواقع مكرس لترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية. واعتبر أن خلفيات الناشرين الذين ينشرون كتباً من العربية إلى الإنجليزية، أصبحت أوسع وأعمق، واستطاعوا التخلص من عقدة من أكلم، أو الكبير الذي يمثل عالم الكتاب العربي ولن اترجم لغيره، الأمر تغير الآن وأصبح هناك ترجمات على نطاق واسع في العالم العربي يمثل أكثر من تيار؛ أصبح هناك كذلك اهتمام بالعمق الزمني للأدب العربي. وأشار إلى سلسلة جديدة بدأت في جامعة نيويورك منذ خمس سنوات لترجمة الأعمال الكلاسيكية العربية من ما قبل الإسلام حتى اوائل القرن العشرين، في طبعات تحتوي على النص المتوازي، النص العربي في صفحة ويقابله النص الإنجليزي. وأكد المترجم الأمريكي أننا سندخل ذات يوم مكتبة في لندن أو نيويورك ونرى أكثر من رف عن الأدب العربي القديم، كذلك هناك سلسلة أخرى عن الأدب العربي الكلاسيكي، تختار الروايات المنسية من النصف الأول من القرن العشرين لترجمتها. أما عن معوقات الترجمة فيقول أن الإمكانيات المادية قليلة، فالمترجمون لا يتقاضون مقابل مادي مجزي، بالإضافة إلى صعوبة توفير إقامة للمترجم، فالمترجم الجيد هو من يستطع المكوث في البلد التي يترجم عنها، قائلاً يعتبروننا "عمال ثقافة" فعلى المؤسسات الاعتراف بنا وتوفير مكان للإقامة. أيضاً من ضمن المشكلات عدم توافر قواميس للهجات العربية تحديداً، ومن المعوقات التي يتمنى ديفيز إزالتها هي الشك في نشاط الترجمة نفسها، وعدم دقتها، قائلاً أن معظم اهتمام الغرب بالترجمات العربية هو اهتمام "جنائي"، بهدف استكشاف البيئات العربية التي تسبب مشكلات للغرب. ورداً على ضرورة إقامة المترجم، في البلد التي ينقل عنها أكد مغيث أنه سيعتمد في الميزانية القادمة للمركز استضافة مترجمين لمدة 3 شهور، إقامة كاملة يتحمل المركز تكلفتها حرصاً على الترجمة. واختلف مغيث مع همفري ديفيز في ان اهتمام الغرب بالعرب اهتمام "جنائي"، قائلاً أن ترجمة الأدب العربي يجعل الإنسان أكثر إنسانية ورقياً. من جانبه اعترف الشاعر أحمد الشهاوي الذي وصفه مغيث بأنه مثير للاستمتاع، أن اللغة العربية هي لغة عالمية، بمعنى أنه على الكاتب أو الشاعر العربي ألا يصاب بهاجس ترجمة أعماله إلى حروف لاتينية، لأن هذا يثير مشكلات نفسية لدى أدباء كبار أو حتى من الجيل الحالي. قائلاً أن هناك نصوص تكتب بهدف الترجمة مباشرة، فهناك كتاب تصدر أعمالهم باللغة الفرنسية والإنجليزية قبل اللغة العربية، وأحيانا لا تصدر باللغة العربية. وأضاف الشهاوي أن ترجمة أعماله إلى لغات عديدة مثل الدنماركية والتشيكية والتركية والسويدية، هذا لا يعني أنه شاعر عالمي، لكن هذا يعني أن لغته عالمية؛ وأنه موجود في لغته أولاً، على عكس ممن يتواجدون في اللغات العالمية فقط دون لغتهم هم!. وأكد الشهاوي أننا نفتقر إلى خطة مدروسة في الترجمة، حيث يتم الاعتماد على المزاج الشخصي في الاختيار والعلاقات الاجتماعية، مما يحول دون ترجمة الأعمال الكبيرة. ولفت إلى أننا في تراجع في الترجمات، فبينما كان توفيق الحكيم وطه حسين موجودون في دار نشر "جاليمار" الفرنسية العريقة، في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، لا يوجد الآن مصري واحد في "جاليمار"، مشيراً إلى أننا نترجم للآخر ولا نتواصل معه ليترجمنا. وتابع قائلاً: نحن ننسحق أمام الآخر، نعيش تحت سطوة المحتل إلى الآن "نحن المستلبين"، وتساءل ماذا قدمت المنظمة العربية للترجمة، أو مراكز الترجمة في العالم العربي بأكمله، وكأنها معنية فقط بترجمة الآخر دون ترجمة أدبنا العربي، رغم ان قانونها الداخلي يقول أننا سنقدم الأدب العربي إلى اللغات الأخرى!. وضرب الشهاوي مثلاً بالبرتغال التي سعت لأن يحصل أحد أدبائها على جائزة "نوبل"، وبعد اجتماعات اختاروا خوسيه ساراماجو، وظلوا لمدة 10 سنوات يعملون ورائه ويترجمون أعماله لكل اللغات، حتى فاز بها. ولفت إلى أن اللغة العربية موجودة في جامعات العالم، لكن الترجمة التي نقصدها كما يقول ليست ترجمة الجامعات التي تقرر على طلاب بعينهم، بل تلك الترجمات الأدبية ذات الفضاء المفتوح، كما هاجم النشر عبر الجامعة الأمرلايكية بالقاهرة حتى أن مبدعين كثر فسخوا عقودهم مع الجامعة الأمريكية بسبب استحواذها على نسبة كبيرة من العائد، والسبب في ذلك كما يقول نجيب محفوظ الذي ارتضى بنسبة ضيئلة من عائد الترجمة، مقابل أن يتم ترجمة نصوصه، قائلاً: حين يعترض أحد المبدعين على تلك النسبة يكون الرد الجاهز هو : هل انت أفضل من نجيب محفوظ!، وحين تصدر ترجمة يكون المبدع هو المدين، فالجامعة الأمريكية تحصل على 50: 70 % من العائد، في حين أن المتعارف عليه نسبة من 5 إلى 15%. ولفت إلى أن محفوظ رغم قيمته غير موجود بشكل كبير في العالم، لأن الترجمات لم تنصفه، ولفت إلى أنه من مشكلات الترجمة أن المبدع حين تترجم اعماله، ويسأل في ندوات خارجية عن مبدعين آخرين من بلده لا يعطي أسمائاً، وكأنه يغلق صندوق الترجمة على نفسه، فهو يقطع الطريق على زملاء آخرين لترجمة أعمالهم، قائلاً أن الترجمات التي تتم للأدب العربي هي اجتهادات شخصية من الشعراء والروائيين. وأوضح الشهاوي أن اللغات الشقيقة مثل التركية مثلاً، لا يلتفتون إلى ترجمة النصوص العربية، إلا بعد أن تترجم إلى لغات أخرى، هذا حدث كما يقول مع يوسف زيدان، وعلاء الأسواني، ونجيب محفوظ وجمال الغيطاني، فهم لا يروننا وإذا كان هذا يحدث في لغات شقيقة، فكيف الحال في اللغات الأخرى، مؤكداً أنه ضد النقل عن لغات وسيطة، واصفاً معوقات الترجمة بأنها "وجع كبير". من جانبه قال مغيث أنه أعلن من قبل في أحد فعاليات الترجمة في الخارج، أنه مستعد لدفع حقوق الملكية الفكرية لأي كتاب مصري، بشرط وجود ناشر يتحمس له، مشيراً إلى ضرورة أن تنشط مراكزنا الثقافية في العواصم العالمية لترجمة الكتب العربية، قائلاً أننا ننسحق أمام الآخر فنحن نترجم عنهم ولا ينقلون عنا، فمثلاً المركز القومي للترجمة ترجم 500 كتاب، وترجم عنا 5 فقط!. ولفت إلى أن الأدب يترجم جيداً، في حين أن هناك إحجام عن ترجمة العلوم الاجتماعية، لأننا مهمومين بمشاكلنا الداخلية، فلماذا يهتم القارئ العالمي مثلاً بترجمة دساتير مصر، فنحن إما مغرقين في مشكلاتنا، أو يحكمنا انحيازات سياسية واضحة. قائلاً أن الأدب أفضل ما يترجم، ولا يحتاج إلى محامي للدفاع عنه، مشيراً إلى أن ثلاثية نجيب محفوظ ترجمت إلى الصينية 3 مرات في عشرين سنة، أما الإنتاج الفكري في العلوم الإنسانية فهة مجهول تماماً. في كلمته أشار الروائي حمدي الجزار إلى ان إسهام الثقافة العربية في العالم أصبح مضمحلاً، بل اندثر، وما يتبقى لنا هو جزء الآداب والفنون فهي الإضافة التي مازالت مستمرة في الحضارة الإنسانية، وفن الرواية العربية هو ما ستطاع أن يظل في حضارة الإنسانية عموماً. وأكد أن ترجمة الأدب العربي فرض عين على حكومات الدول العربية، التي تريد أن يكون لمصر والعرب إسهام قوي في الحضارة الإنسانية.