يحيي العالم في يوم 16 يونيو من كل عام "اليوم العالمي للتحويلات الأسرية"؛ سعيًا للاعتراف بالمساهمة المالية الكبيرة التي يقدمها العمال المهاجرون في رفاهية أسرهم في الوطن وفي التنمية المستدامة لبلدانهم الأصلية، وأيضًا تشجيع القطاعين العام والخاص، وكذلك المجتمع المدني على بذل المزيد من الجهود والتعاون لزيادة تأثير هذه الأموال في العالم النامي. ويتم تعزيز هذا الأثر من خلال: خلق الشراكات بين القطاعين العام والخاص لإيجاد بيئة تنظيمية وأسواق أكثر مواتاة لتدفقات التحويلات، وخاصة تحقيق "الشوط الأخير" للمجتمعات الريفية من خلال الوصول إلى الخدمات المالية والشمولية، وخلق مبادرات من القطاع الخاص للمساهمة في زيادة المنافسة، وخفض تكاليف المعاملات وتوفير منتجات مالية مبتكرة لتلبية احتياجات الأسر ذات الدخل المنخفض، وتعزيز تعاون المجتمع المدني من أجل تحديد مجموعة واسعة من الفرص الاقتصادية وتبادل المعارف التي تساهم في المزيد من الخيارات التي من شأنها أن تساهم في تحسين مستويات معيشة للأسر التي تعتمد على التحويلات. وتشير التقديرات إلى أن التحويلات العائلية المالية التي يرسلها العمال المهاجرون إلى أقاربهم تدعم 800 مليون شخص آخر في جميع أنحاء العالم. وتمس تحويلات المرسلين والمستفيدين معًا بشكل مباشر حياة شخص واحد من بين كل 10 أشخاص في العالم. وتُعتَبر الولاياتالمتحدة هي أكبر بلد مُصدِّر للتحويلات؛ إذ تشهد تدفقات خارجية تصل إلى 42 مليار دولار سنويًا. فيما تتمتع أمريكا اللاتينية بأكبر وأسرع معدل تدفق للتحويلات، إذ تتلقى حوالي 40% من التحويلات المرسلة إلى البلدان النامية. وترسل أغلبية كبيرة من العمال المهاجرين الأموال إلى بلدانهم الأصلية عادة ما بين 200 أو 300 دولار أمريكي عدة مرات في السنة. وفي حين قد تبدو هذه المبالغ قليلة نسبيا، إلا أنها غالبا ما تمثل 50% أو أكثر من دخل أسرهم في الوطن. ففي عام 2015، وصلت التحويلات المالية الناتجة عن مليارات الدولارات مجتمعة معا إلى أكثر من 450 مليار دولار أمريكي، وهذا أكثر من 3 أضعاف المساعدة الإنمائية الرسمية لجميع المصادر الأخرى. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت القرار 281/72 في يونيو 2018، بناء على قرار مجلس إدارة الصندوق الدولي للتنمية الزراعية اعتمد القرار 189/38 في دورتها ال38 في فبراير عام 2015، باعتبار يوم 16 يونيو ليكون اليوم العالمي للتحويلات الأسرية. وتشير تقارير البنك الدولي لعام 2018 إلى أن مساهمة التحويلات المالية الأسرية أصبحت الآن جزءا مهمًا في جدول أعمال التنمية للحكومات والمنظمات الدولية العاملة في جميع أنحاء العالم من خلال خفض تكاليف النقل، وتعزيز الشمول المالي، وتعزيز أثر هذه الموارد لصالح الأسر والمجتمعات المحلية. إذ تمثل هذه التدفقات بالفعل حبل النجاة الضروري بالنسبة للملايين من الأسر، حيث يساعد في رفع مستوى معيشة العائلات وتمكينها، وتحسين الصحة والتعليم والسكن، أو في بدء أو توسيع الأعمال التجارية. وهناك قدرة كبيرة لتأثير هذه التحويلات المالية والتعويل عليها. وفي الواقع، يمكن زيادة الأثر الإيجابي للتحويلات على المستوى المحلي ومساهمتها الكبيرة في توفير المزيد من الخيارات والفرص الاقتصادية للأسر المستفيدة. وأوضح تقرير البنك الدولي حول الهجرة والتنمية أن حجم التحويلات المالية إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل ارتفع بوتيرة سريعة ومن المتوقع أن يسجل رقمًا قياسيًا جديدًا عام 2018. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن تدفقات التحويلات ارتفعت في جميع المناطق؛ في أوروبا وآسيا الوسطى بنسبة (20%)، وجنوب آسيا (13.5%)، تليها أفريقيا جنوب الصحراء (9.8%)، وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (9.3%)، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا (9.1%)، وشرق آسيا والمحيط الهادئ (6.6%). ويرجع السبب في هذا النمو إلى قوة الاقتصاد والتوظيف في الولاياتالمتحدة وانتعاش التدفقات الخارجة من دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الروسي. وعلى صعيد البلدان الرئيسية المتلقية للتحويلات، احتفظت الهند بالصدارة إذ من المتوقع أن تبلغ تحويلات المغتربين إليها إجمالا 80 مليار دولار هذا العام؛ تليها الصين بمعدل 67 مليار دولار؛ والمكسيك والفلبين ب34 مليار دولار لكل منهما؛ ومصر 26 مليار دولار. ومع توقع أن يسجل النمو العالمي معدلًا معتدلًا، فمن المتوقع أن تنمو التحويلات المستقبلية إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بنسبة 4% إلى 549 مليار دولار عام 2019. وستنمو التحويلات على مستوى العالم بنسبة 3.7% إلى 715 مليار دولار في 2019. وفي هذا الصدد، أشار محمود محيي الدين، النائب الأول لرئيس البنك الدولي، إلى أن أجندة التنمية 2030 وعلاقات الأممالمتحدة والشراكات حتى مع التقدم التكنولوجي، لا تزال رسوم التحويلات المالية مرتفعة للغاية، إذ تمثل ضعف النسبة المحددة في مقصد أهداف التنمية المستدامة وهي 3 %. وأضاف محيي الدين أن فتح الأسواق أمام المنافسة وتشجيع استخدام التقنيات المنخفضة التكلفة سيخفف العبء على العملاء الفقراء. من جانبه، أوضح ميكال روتكوفسكي، المدير الأول في قطاع الممارسات العالمية للحماية الاجتماعية والوظائف بالبنك الدولي، أن النمو المستقبلي للتحويلات المالية ضعيف أمام انخفاض أسعار النفط، وسياسات الهجرة التقييدية، واعتدال المعدل العام للنمو الاقتصادي، مضيفا أن التحويلات المالية لها تأثير مباشر على تخفيف حدة الفقر للعديد من الأسر، ويحتل البنك الدولي وضعا جيدا للعمل مع البلدان المعنية لتسهيل تدفق التحويلات. وعن الاتجاهات الإقليمية للتحويلات المالية، أشار التقرير إلى انخفاض كبير في التحويلات الخاصة الوافدة من الشرق الأوسط والتي انخفضت بنسبة 17% في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2018 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017. ومن المتوقع أن تشهد التحويلات المالية إلى إندونيسيا نموًا مضاعفًا خلال عام 2018 بنحو 24%، بعد أن بقيت ثابتة في عام 2017. وفي عام 2019، من المتوقع أن تنمو التحويلات إلى المنطقة بنسبة 4.2%. وظلت تدفقات التحويلات إلى بلدان أوروبا وآسيا الوسطى قوية في عام 2018، حيث ارتفعت نحو 20% لتبلغ 63 مليار دولار. وأدى تحسن معدل النمو إلى زيادة التحويلات الخارجة من بولندا وروسيا وإسبانيا، وهي مصادر التحويلات الكبرى في المنطقة. واستفاد اقتصاد دول الكومنولث المستقلة بشكل خاص من استمرار الانتعاش في الاقتصاد الروسي. ومع استقرار النمو في المنطقة، من المتوقع أن تنمو التحويلات بنسبة 4% في عام 2019. كما نمت تدفقات التحويلات إلى أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي نحو 9.3% عام 2018 إلى 87 مليار دولار، وعلى رأسها المكسيك وبلدان أمريكا الوسطى. وكان النمو القوي عام 2018 مدفوعا بشكل أساسي بقوة الاقتصاد وسوق العمل في الولاياتالمتحدة، حيث يعيش غالبية المهاجرين من المنطقة. كما سجل تحسن في أساسيات الاقتصاد في إسبانيا، ثاني أكبر مضيف للمهاجرين من المنطقة. وأسهمت الهجرة داخل المنطقة أيضا في زيادة التحويلات. ومن المتوقع أن يتراجع نمو التحويلات في المنطقة إلى 3.8% في 2019. وأشار التقرير إلى أن معدل النمو يرجع إلى النمو السريع المتوقع في حجم التحويلات إلى مصر بنسبة 14%. وفي المقابل، من المتوقع أن تنخفض التحويلات المالية للأردن بنسبة 1% في عام 2018. وبعد عام 2018، من المتوقع أن تشهد المنطقة نموًا مستمرًا في التحويلات، وإن كان بوتيرة أبطأ عند 2.7% في عام 2019. ومن المتوقع أن يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى اعتدال النمو في دول مجلس التعاون الخليجي، وستتراجع أيضا تدفقات التحويلات إلى الخارج من خلال سياسات التوطين في المملكة العربية السعودية، لا سيما في القطاعات التي تحظر العمال الأجانب اعتبارًا من 2018. كما أن الزيادة في أسعار النفط لها تأثير إيجابي على التدفقات الخارجة من بعض دول مجلس التعاون الخليجي، مثل الإمارات العربية المتحدة التي سجلت نموًا بنسبة 13 % في التدفقات الخارجة في النصف الأول من عام 2018. وشهدت بنجلاديش وباكستان زيادة بنسبة 17.9% و6.2% في 2018 على التوالي. وبالنسبة لعام 2019، ومن المتوقع أن يتراجع معدل نمو التحويلات في المنطقة إلى 4.3% بسبب اعتدال النمو في البلدان المتقدمة، وانخفاض قدوم الوافدين إلى دول مجلس التعاون الخليجي وتبدد المنافع الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط. تشير التوقعات إلى أن التحويلات المالية إلى أفريقيا جنوب الصحراء ستستمر في الزيادة ولكن بمعدل أقل عند 4.2% في عام 2019. ويرجع الاتجاه التصاعدي الملحوظ منذ عام 2016 إلى قوة الأوضاع الاقتصادية في البلدان المتقدمة، ولا سيما الولاياتالمتحدة، حيث يكسب المهاجرون من المنطقة الكثير من دخلهم. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب تدفقات الهجرة الضخمة داخل المنطقة، من المتوقع أن تستمر تدفقات التحويلات في الزيادة بسبب النمو الاقتصادي الإقليمي القوي المتوقع في عام 2019. ويرى الصندوق الدولي للتنمية الزراعية أنه من الممكن التعويل على هذه التحويلات وأثرها الكبير على المدن والقرى الريفية الصغيرة في البلدان النامية في جميع أنحاء العالم. وهنا تقاس القيمة الكبيرة وأهمية التحويلات الفردية التي ترسل بانتظام من قبل الأب أو الأم أو الابن أو البنت أو الأخت أو الأخ إلى أسرهم كدليل على التفاني والالتزام بمستقبل أسرهم، وليس من خلال الملايين أو المليارات.