مزيج من الهذيان المنظم، الجمال، السحر، العمق، الحكمة، السلاسة، الحقيقة، المحبة، الكراهية المستحقة، العرفان، ما يجب، ما لا يجب، السر، الجلاء، الاستقامة، الإقامة، الحُسن، القُبح، ما يُقبل، ما لا يُقبل، اليمين، اليسار، البين بين، الثلج، البَرد، الظل، الحرور، الإنسان، الطبيعة، الدواب، الهوام، الناس، الخاصة، العوام، الأخلاق أولًا، الشرف قبل كل شيء.. مزيج من الهذيان المنظم.. مزيج من كل هذا وأكثر هى الأمثال.. ليست أمثالنا نحن العرب فحسب بل أمثال أهل الدنيا كلها. دائمًا ما يتسم الحب بين الناس بالتعقيدات، وما ذلك إلا لأن تركيبة الناس معقدة، ويمكن تجربة الحب واختباره والوصول به إلى أقصى حدوده. أحيانًا نحب الشخص غير المناسب، وقد نبالغ فى الحب أو لا نعطى القدر الكافى منه. قد نشعر به ولكننا لا نعرف كيف نعبر عنه. قد نظن أن حبنا كاف،ٍ بينما هو ليس كذلك فى الحقيقة. قد نعانى فى سبيل العثور عليه أو نشك فيما إذا كنا قد وجدناه أم لا. وأحيانًا نظن أنه لا يزال موجودا، ولكننا نشعر بأنه يتلاشى من بين أيدينا ولا نعرف كيف نستعيد صورته الأولى من جديد. غالبًا ما يحتل الحب قمة مشاعرنا ويغوص إلى أعماق أعماقنا. وكثيرا ما يرتبط الحب بشعورنا بالطمأنينة، وهو - فى الحقيقة - ما يتوق إليه معظمنا، وهو ما ينبغى علينا أن نتوق إليه، فهو هدف نبيل. هذا ما قاله ريتشارد تميلر عن الحب وحاجة الناس إليه فى كتابه «قواعد الحب». ويقول عنه جان جاك روسو: الرجل يحب ليسعد بالحياة، والمرأة تحيا لتسعد بالحب». ويصف وليام شكسبير حالة المحبين والمولهين قائلا: هو أن ترى الحياة يانعة تنتعش بألوان البهجة وأنهار الفرح العذبة الفياضة التى لا تجف ولا يقف هديرها، هو أن تعيش حياتك فى ربيع دائم لا ينقطع، فيكون الحب بسمة يحسُّها الوجدان، ونسيم يصنعه الحنان، وعطف يخرج من الأعماق، وصفاء ينبع كرائحة الزهور عند لقاء الربيع. ويعتقد همنجواي: أنه من الأفضل أن تحب وتضيع من ألا تحب على الإطلاق. أما جلال الدين الرومى فيؤكد أن الحبّ لا يمكن تفسيره، فهو يفسر كل شيء وبشكل ما يوافقه باولو كويلهو: يحب المرء لأنه يحبّ، فلا يوجد سبب للحب. ويطرح محمد الضبع فى أولى صفحات كتابه المترجم «اخرج فى موعد مع فتاة تحب الكتابة» سؤالا عن ماهية الحب وترك الإجابة تأتى على لسان عدد من أبرز الكتاب والأدباء فى العالم عبر رسائلهم المتبادلة فيما بينهم وبين عشيقاتهم: سارتر وسيمون دى بوفوار «فتاتى العزيزة، أردت الكتابة لك منذ وقت طويل، بعد تلك النزهة مع الأصدقاء، والتى سأعترف بهزيمتى أمامها وأصفها بأنها واحدة من تلك الليالى التى أصبح العالم فيها ملكا لنا. أردت أن آتى لك بسعادتى كجندى منتصر وأضعها أسفل قدميك كما كان يفعل الرجال فى عصر ملك الشمس، ثم اترك كل تعبى وصراخي، وأذهب إلى فراشي. إننى أشعر بمتعة لم تتعرفى عليها بعد، متعة الانتقال المفاجىء من الصداقة إلى الحب، من القوة إلى الضعف، إلى الحنان. الليلة سأحبك بطريقة لم يسبق لك اكتشاف وجودها من قبل. لست مرهقًا من الترحال ولست محاصرًا برغبتى فى وجودك قربي. إننى أتقن فن حبى لك وأحوله إلى عنصر أساسى من عناصر نفسي. حبى يحدث أكثر بكثير مما أصف وأعترف به لك. حاولى أن تفهميني: أحبك وحواسى تراقب أشياء أخرى بعيدة. فى تولوز أحببتك ببساطة. الليلة أحبك والمساء له رائحة الربيع. أحبك والنافذة مفتوحة. أنت لي، والأشياء لي، وحبى يغير الأشياء من حولى وهى أيضا تغير حبي. فتاتى العزيزة، ما ينقصك هو العثور على الصداقة. ولكن حان الوقت لأنصحك بشكل مباشر. ألم تستطيعى إيجاد امرأة تكون صديقة لك هنا؟ كيف لتولوز أن تفشل فى الاحتواء على امرأة واحدة ذكية تستحق أن تصبح صديقتك؟ وتذكري، لا تقعى فى حبها. انتِ دائمًا مستعدة لإعطاء حبك، إنه أسهل ما يمكن أن يأخذه الآخرون منك. وأنا لا أتحدث عن حبك لي، لأننى أعرف أنه أعلى بكثير من غيره، لكنك مسرفة يا سيمون فى علاقات حبك الأخرى. حاولى أن تتعرفى على المشاعر، خالية من الحنان، تلك التى تتولد عند وجود شخصين معا. إن هذا لصعب جدًا، كل الصداقات يعتريها الحب، حتى الصداقة بين رجلين قاسيين لها لحظات حب خاصة بها. ولكنك تستطيعين الحصول على صديقة رغم هذا، هل تخيلتِ كم ستكون صداقتك دون الوقوع فى حبها؟ لا تقلقى بشأن الجانب الشكلى أو الحالة الاجتماعية. ابحثى بإخلاص. أحبك من كل قلبى وروحي.» نابليون والإمبراطورة جوزفين رسالة أخرى يضمها الكتاب، وهى تلك التى أرسلها الإمبراطور والقائد الفرنسى العظيم نابليون بونابرت إلى الإمبراطورة جوزفين التى يصفها المؤرخون بأنها المرأة التى وقع فى غرامها بونابرت رغم كبرها عنه بنحو ست سنوات كما أنها المرأة الوحيدة التى تمكنت من إخضاع الإمبراطور وهى الوحيدة أيضا التى لم تخش منه كما يقال إنها ومن فرط جرأتها قامت بخيانته مع أحد ضباطه. تولستوى وفاليريا آرسينف ليو تولستوى الكاتب الروسى القدير كان أيضًا عاشقًا مولها ب«فاليريا آرسينف» وقد حدث أن أرسل لها رسالة قصيرة عبر فيها عن مدى حبه لها وإعجابه بجمالها. «قد أحببت جمالك منذ زمن، ولكنى بدأت للتو بحب الخالد والأزلى فيك - قلبك، روحك. بإمكان المرء أن يتعرف على الجمال ويقع فى حبه خلال ساعة واحدة، ويستمر حبه له بالسرعة ذاتها، ولكن حين يأتى الأمر للروح، على أن أتعلم أولًا كيف أعرفها. صدقيني، لا شيء يعطى على هذه الأرض دون جهد، حتى الحب، أكثر المشاعر طبيعة وجمالًا». فلاديمير نابوكوف وفيرا فى يوليو من عام 1923، وبعد شهرين تقريبًا من لقائهما، كتب نابوكوف إلى حبيبته فيرا: «لست معتادًا على أن يفهمنى أحد، لست معتادًا على هذا لدرجة أننى اعتقدت فى الدقائق الأولى من لقائنا أن الأمر أشبه بمزحة، ثم. هنالك أشياء يصعب الحديث عنها، لكنك تستطيعين التخلص من كل طبقات الغبار فوقها بكلمة واحدة.. أنت لطيفة. نعم، أحتاجك، يا قصتى الخيالية، لأنك الشخص الوحيد الذى أستطيع التحدث معه فى ظل غيمة، عن أغنية.. فكرة، عن الوقت الذى ذهبت فيه للعمل ونظرت إلى زهرة عباد شمس، ونظرت إلى، وابتسمت كل بذرة فيها. أراك قريبا يا متعتى الغريبة، يا ليلتى الهادئة. كيف بإمكانى أن أفسر لك سعادتي، سعادتى الرائعة الذهبية، وكيف أننى ملك لك، بكل ذاكرتي، بكل قصائدي، بكل ثوراتي، وزوابعى الداخلية؟ كيف بإمكانى أن أشرح لك أننى لا أستطيع كتابة كلمة واحدة دون أن أتخيل طريقة نطقك لها ولا أستطيع تذكر لحظة واحدة تافهة دون ندم لأننا لم نعشها معًا، سواء كانت لحظة خاصة، أو كانت لحظة لغروب الشمس، أو لحظة يلتوى فيها الطريق هل تفهمين ما أقصد؟ أعلم أننى لا أستطيع إخبارك بكل ما أريد فى كلمات وعندما أحاول فعل ذلك على الهاتف، تخرج الكلمات بشكل خاطىء. وعلى من يتحدث معك، أن يكون بارعًا فى حديثه. وأهم من هذا كله، أردت لك أن تكونى سعيدة، وبدا لى أن باستطاعتى منحك هذه السعادة - سعادة مشرقة، بسيطة، وليست سعادة كلية أبدية. إننى على استعداد لإعطائك كل دمائي، إن اضطررت لذلك – قد يبدو حديثى سطحيًا - ولكن هذا ما أشعر به. أستطيع أن أشعل عشرة قرون بحبي، بأغنياتى وشجعاتي. عشرة قرون كاملة، مجنحة وعظيمة، ومليئة بالفرسان الذين يصعدون التلال الملتهبة، وأساطير عن العمالقة وطروادة، وعن الأشرعة البرتقالية، عن القراصنة والشعراء. وهذا ليس وصفًا أدبيًا، لأنك إن عدت لقراءته مرة أخرى ستكتشفين أن الفرسان يعانون من زيادة فى الوزن. أحبك، أريدك، أحتاجك بشكل لا يطاق. عيناك اللتان تشرقان عندما تسندين رأسك للخلف، وتحكين قصة مضحكة، عيناك، صوتك، شفاهك، كتفاك خفيفان، مشرقان. لقد دخلت حياتي، ليس كما يدخل الزائر، بل كما ترجع الملكات إلى أوطانهن، وجميع الأنهار تنتظر انعكاسك، وجميع الطرق تنتظر أقدامك. أحبك كثيرًا. أحبك بطريقة سيئة (لا تغضبي، يا سعادتي). أحبك بطريقة جيدة. أحب أسنانك. أحبك، يا شمسي، يا حياتي، أحب عينيك، مغمضتين، أحب أفكارك، أحب نطقك لحروف العلة، أحب روحك كاملة من رأسك حتى قدميك.» اختراع القبلة ليست رسائل المحبين من الكتاب والأدباء وحدها هى ما تناوله الكتاب ولكن تحدث أيضًا عن ما وصفه ب«اختراع القبلة» وسر أحمر الشفاه حيث قال عنهما: هنالك قبلات للسعادة، قبلات للشغف والشهوة، قبلات للحب، قبلات للالتزام، قبلات للضرورة الاجتماعية، وقبلات للتوسل والحزن. ويؤمن العلماء أن التقبيل ظهر واختفى حول العالم خلال فترات مختلفة، وأماكن مختلفة عبر التاريخ. ولكن يبقى السؤال، ما الذى يجعل شفاه الآخر جذابة لنا لدرجة رغبتنا فى تقبيلها؟ يقول الكتاب إن هناك نظرية شهيرة تأخذنا للوراء عبر التاريخ، عندما اضطر أسلافنا لتحديد أماكن الطعام بين الأغصان والأوراق الكثيفة. حين كان من الصعب العثور على طعام يحتوى على سعرات حرارية كافية، وحين كان التجول فى الغابة له مخاطره. فى هذا السياق طور أسلافنا قدرة متفوقة على تحديد الألوان الحمراء، وبالتالى تحديد الفواكه الناضجة. النظر إلى اللون الأحمر يسبب تسارعا فى ضربات القلب، ويجعلنا نشعر بالحماسة أو حتى صعوبة التنفس. وهكذا - وكما يخبرنا الكتاب - كان اللون الأحمر مهما جدا للبشر فى تلك الحقبة، وحتى فى أقدم الثقافات كان اللون الأحمر هو أول الألوان التى سميت بعد الأبيض والأسود (وغالبًا لأن هذين اللونين يساعدان على التفريق بين الليل والنهار)، ولكن ما علاقة كل هذا بالقبلة؟ يقول الكتاب إن العلماء يقترحون أنه طالما بدأ الإنسان الأول بتتبع مصدر اللون الأحمر لتحديد الطعام فإنه سيتتبعه أينما يجده، وبما فى ذلك جسد الأنثى. وهكذا كان اللون الأحمر إشارة جاذبة لمساعدة الإنسان على تحقيق فعل جوهرى وممتع آخر بجانب الأكل: ألا وهو الجنس. سر أحمر الشفاه كان أول استخدام لأحمر الشفاه يرجع لخمسة آلاف سنة، وكان ذلك وكما يقول الكتاب فى المملكة السومرية، والفراعنة القدماء، واليونان، وكذلك الرومان الذين استخدموا الأصباغ وبعض الأنواع القوية من النبيذ لتلوين الشفاه. واليوم هناك ما يقارب 85٪ من النساء فى أمريكا اللواتى يضعن أحمر الشفاه. ونتحدث عن مليارات الدولارات التى تنفق لما قد يكون يتجه من الأساس بسبب الدافع ذاته الذى جذب أسلافنا الأوائل للفواكه الناضجة. ويؤمن البعض أن القبلات الأولى قد تكون تمت بواسطة الأنف وليست الشفاه، باستنشاقنا للرائحة على خد من تحب. وكانت العديد من الثقافات القديمة قد اعتادت على ما يسمى بالقبلة المحيطة ليكون هذا الوصف خاصا بالتحية التقليدية فى بولنيزيا. هذه القبلة تتضمن شم الأنف ذهابًا وإيابًا للتعرف على الهوية، وربما تستخدم أيضًا كوسيلة يعتمد عليها للعودة إلى الأقرباء والأصدقاء، وأيضًا يعتمد عليها فى معرفة الحالة الصحية للشخص. من المهم أن نعرف أنه بغض النظر إن كانت نوايا القبلة حميمية أم لا، فإنه من الضرورى أولًا الاقتراب من المساحة الشخصية للطرف الآخر. لتصل إلى هذا القرب عليك أن تحقق مستوى معينا من الثقة والتوقعات. وهكذا فإن تقبيلك لصديق أو استقبال قبلة منه، يحتاج لمقدار من التقبل يفسره الإيماء دون كلام. يقول الكتاب إنه خلال آلاف السنوات، كانت القبلة هى الفعل الذى من المستحيل منعه أو تحريمه، لطالما سخر منه الشعراء والخطباء، ووصفوه بأنه مقزز وقذر وأسوأ من ذلك. الأباطرة والباباوات حاولوا بشكل متكرر معاقبة ممارسى التقبيل بوضع المبررات الأخلاقية والصحية لمنعه، ورغم هذا لم يستطع حتى أقوى رجال العالم السيطرة على الشفاه وقمعها. يتحدث الكتاب عن القصيدة الهندية الأسطورية ماهابهاراتا والتى وصلت لصيغتها النهائية فى القرن الرابع قبل الميلاد تصف تقبيلًا رقيقًا على الشفاه فى أحد سطورها: تضع فمها قرب فمى وتحدث صوتا يشعرنى بالمتعة داخلي. وفى كاماسوترا يصف فيه الهنود كل قواعد المتعة والزواج والحب حسب القانون الهندوسي، والكثير من تفاصيل التقبيل وتحتوى على فصل كامل عن تقبيل الحبيب، بالتعليمات عن المكان والزمان المناسبين له. وعن قصة الخلق البابلية «اينوما إلش» التى تشير إلى عدد من القبلات، بما فيها قبلات التحية، القبلات على الأرض أو الأقدام للتضرع والخضوع. اليونانيون أيضًا كان لديهم تاريخ طويل ومتنوع مع القبلات، حيث يظهر فى أوديسة هوميروس وفى الإلياذة أيضًا ولكن القبلات فيهما كانت قبلات بريئة ليست على الشفاه فلا وجود للقبلات الرومانسية فيما نقل عن هوميروس أبدًا. كما يشير الكتاب إلى قصة الأميرة الأفريقية والمستكشف البريطانى ويليام وينوود ريد الذى تودد لها لأشهر قبل أن تأتيه الجرأة أخيرًا فى إحدى الليالى ليقترب منها ويقبلها. ولكن الفتاة لم يسبق لها أن واجهت تجربة كهذه، صرخت الفتاة خائفة وهربت من منزله. بعدها أدرك ريد أنها كانت خائفة من قبلته، واعتقدت أنه بتصرفه هذا كان يمهد لالتهامها. الكتاب يقدم للقارئ وجبة خفيفة وجميلة ومشوقة كما يقدم له بشيء من اللطافة وبإسلوب رشيق وجذاب الكثير من المعلومات والأساطير من الشرق والغرب.. إنه كتاب جيد.. إنه «اخرج فى موعد مع فتاة تحب الكتابة».