وكيل أوقاف الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد ناصر الكبير    محافظ القليوبية يوزع الورود على الزائرين بمنطقة الكورنيش ببنها    السيسي يهنىء المصريين بعيد الأضحي المبارك    محافظ القليوبية يقدم التهنئة للمسنين ويقدم لهم الهدايا والورود - صور    وسام أبوعلي: سأكون خائنا إن لم أشارك في مباراة فلسطين وعمان    الأهلي يوجه رساله لجماهيره في أول أيام العيد    590 ألف مصلٍ يؤدون صلاة عيد الأضحى بمراكز شباب عروس البحر المتوسط    محافظ الإسكندرية يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد سيدي جابر بنطاق حي شرق    أخبار مصر: المصريون يحتفلون بالعيد، ماسك يفتح الملف الأسود ل ترامب، زيزو يطير لأمريكا، الأرصاد تحذر من طقس أول أيام العيد    إقبال واسع على شواطئ ومنتزهات جنوب سيناء في العيد (صور)    آلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى في 214 ساحة بسوهاج (فيديو وصور)    مجازر القاهرة تفتح أبوابها مجانا لذبح الأضاحي طوال أيام العيد    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    فرحة العيد تملأ مسجد عمرو بن العاص.. تكبيرات وبهجة فى قلب القاهرة التاريخية    بالصور.. آلاف المصلين يؤدون صلاة العيد في المنصورة    محافظ بورسعيد يتفقد مستشفى الحياة عقب صلاة العيد ويقدم التهنئة للمرضى والأطقم الطبية (صور )    أوكرانيا تتعرض لهجوم بالصواريخ والمسيرات أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص    الرئيس السيسي يغادر مسجد مصر بالعاصمة بعد أداء صلاة عيد الأضحى المبارك    فى أحضان الفراعنة ..آلاف المواطنين يؤدون صلاة العيد بساحة أبو الحجاج الأقصري    أهالي مطروح يؤدون صلاة عيد الأضحى بالمسجد الكبير    بعد صلاة العيد.. شاهد مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى من محيط مسجد مصطفى محمود    10 صور ترصد أكبر تجمع للمصلين بالإسكندرية لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك    إصابة 10 أشخاص في انقلاب سيارة أجرة بالبحر الأحمر    موظفون في البيت الأبيض سيجرون اتصالًا مع إيلون ماسك للتوسط في الخلاف مع ترامب    هبة مجدي: العيد يذكرني بفستان الطفولة.. وبتربى من أول وجديد مع أولادي    تدخل عاجل بمجمع الإسماعيلية الطبي ينقذ شابة من الوفاة    متحدث الأمين العام للأمم المتحدة: نحتاج إلى المحاسبة على كل الجرائم التي ارتكبت في غزة    «علي صوتك بالغنا».. مها الصغير تغني على الهواء (فيديو)    محمد صبحي: بذلنا قصارى جهدنا لإسعاد جماهير الزمالك    «محور المقاومة».. صحيفة أمريكية تكشف تحركات إيران لاستعادة قوتها بمعاونة الصين    خليل الحية: حماس لم ترفض مقترح ستيف ويتكوف الأخير بل قدمنا تعديلات عليه    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 6 يونيو بسوق العبور للجملة    عيدالاضحى 2025 الآن.. الموعد الرسمي لصلاة العيد الكبير في جميع المحافظات (الساعة كام)    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    محافظ القليوبية يتابع استعدادات وجاهزيه الساحات لاستقبال المصلين    خاص| الدبيكي: مصر تدعم بيئة العمل الآمنة وتعزز حماية العاملين من المخاطر    «زي النهارده» في 6 يونيو 1983.. وفاة الفنان محمود المليجى    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    عبارات تهنئة رومانسية لعيد الأضحى 2025.. قلها لحبيبك فى العيد    أبو الغيط: الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار بلبنان تهدد بتجدد العنف    وفاة الإعلامية والكاتبة هدى العجيمي عن عمر 89 عاماً    الفرق بين صلاة عيد الأضحى والفطر .. أمين الفتوى يوضح    طرح البرومو الرسمي لفيلم the seven dogs    كيفية صلاة عيد الأضحى المبارك 2025 في البيت وعدد التكبيرات في كل ركعة    الأوقاف: صلاة الرجال بجوار النساء في صف واحد مخالفة صريحة للضوابط الشرعية    مسجد نمرة.. مشعر ديني تُقام فيه الصلاة مرة واحدة في العالم    بعد التتويج بالكأس.. الونش: الفوز بالكأس أبلغ رد على أي انتقادات    رسميا.. نهاية عقد زيزو مع الزمالك    خلال حفل إطلاق خدمات الجيل الخامس.. «مدبولى»: معًا نبنى مُستقبلًا رقميًا واعدًا تكون فيه مصر مركزًا إقليميًا للبيانات والبرمجيات    محافظ قنا يستقبل ممثلي الأحزاب ونواب البرلمان للتهنئة بعيد الأضحى    كيرلي وقصات شعر جديدة.. زحام شديدة داخل صالونات الحلاقة في ليلة العيد    بعد طرحها.. "سوء اختيار" ل مسلم تتصدر تريند " يوتيوب" في مصر والسعودية    سعر طن الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    خطوات عمل باديكير منزلي لتحصلي على قدمين جميلتين في عيد الأضحى    صبحي يكشف سبب حزنه وقت الخروج وحقيقة سوء علاقته مع عواد    قطر تهزم إيران بهدف نظيف وتنعش آمالها في التأهل إلى مونديال 2026    جامعة كفر الشيخ ترفع درجة الاستعداد بمستشفى كفر الشيخ الجامعى خلال العيد    في وقفة العيد.. «جميعه» يفاجئ العاملين بمستشفى القنايات ويحيل 3 للتحقيق (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وصفات الأدباء لتعيش بسعادة
نشر في البوابة يوم 21 - 05 - 2019


عباس العقاد: تمسك بالمُثل العليا لتحيا سعيدًا
أحمد لطفى السيد: السعيد من يظن نفسه سعيدا.. مى زيادة: مقاومة الألم والاعتماد على النفس سمة السعداء.. أحمد رامى: كن بعيدا عن الأطماع لتتذوق طعم السعادة
قد يتراءى لك أن السعادة والسرور لفظتان مترادفتان لمعنى واحد.. لأنك تقول طالما أنا مسرور فأنا سعيد.
والحقيقة أن السعادة أعم من السرور، فكل سعادة هى سرور، وليس العكس، وبينهما فرق من حيث كيفية السرور.. لا من حيث مقداره.. وقد حددهما عالم النفس «مويرهد» كما يقول نيقولا حداد فى كتابه علم أدب النفس الصادر عن المكتبة العصرية فى بغداد بأن السعادة هى شعور آخر يرافق الشعور بالسرور، مع ما فيه من الألم فى الجهاد للحصول على السرور.. أو ما فيه من فشل السلوك فى الحصول عليه بتاتا -أو ناقصا- شعور بأن المرء سلك سلوكا حسنا. فالذى تستفزه المروءة بتخليص غريق، إذا لم ينجح، فإنه يتألم لفشله، لكنه يكون سعيدا بأنه لبى داعى المروؤة. نقول إذن إن السرور هو ما رافق السلوك ونتيجته، والسعادة هى استمرار الشعور بالسرور بعد انتهاء السلوك وانتهاء نتيجته.
السرور: شعور بإرضاء الرغبة، أو إرضاء أى شخص آخر والسعادة: شعور النفس بكليتها من غير نظر إلى الخلق، بعد الفعل الحسن تبقى شاعرا بسرور عام فى ذاتيتك كلها. السعادة نتيجة السرور الأعظم الذى تتمتع به الذات.
قد يعتقد البعض أن السعادة فى المال والثروة، والبعض الآخر فى الصحة والسلامة، ويرى آخرون أن بمقدوره بالسلطة والنفوذ أن يعيش سعيدا. ويظن فريقا آخر على أن المال والثروة والسلطة والنفوذ والصحة والسلامة إذا ما اجتمعت جميعا فلن يكون هناك من هو أسعد من حائزها. لكن علم النفس له رأى آخر إذ يرى أن السعادة تتمثل فى كيفية عيش الإنسان حياة مُرضية يحقق فيها ما يريد من أحلامه وطموحاته التى تتوافق مع قدراته وإمكانياته ويكون بها راضيا عن نفسه وعن من حوله. وقسم علم النفس مصادر السعادة إلى قسمين: القسم الأول شخصية، والقسم الثانى اجتماعية. وتتركز السعادة الشخصية فى الصحة، والنجاح وتحقيق الذات، والثقة بالنفس. أما السعادة الإجتماعية فمصادرها هى: الجو الأسرى، علاقات الصداقة القوية، وجود أنشطة لتمضية أوقات الفراغ.
لم يكن علماء النفس وحدهم الذين حاولوا وضع مفهوم للسعادة وتفسير أحوال السعداء، هناك أيضا الفلاسفة والمفكرون والأدباء فى الشرق والغرب الذين تناولوا هذه المسألة التى انشغلت بها البشرية منذ أن وجدت وإلى أن تفنى.. وهنا نختار من كتاب «السعادة كما يراها المفكرون» بعض المقالات لأدبائنا ومفكرينا الذين ساهموا فى وضع تفسير لماهية السعادة وبينوا كيف يمكن للإنسان أن يعيش سعيدا.
العقاد: المثل العليا تحقق السعادة
يقول العقاد فى مقاله الذى نشرته «الهلال» فى يناير 1954 تحت عنوان «مثل عليا.. تحقق السعادة»: أين السعادة من المثل العليا؟ وكيف يحقق المثل الأعلى سعادة من يطلبه؟ إن المثل العليا بطبيعتها مطالب فوق الواقع، يشقى بها طالبها ولا يدركها، لأنها غاية تبتعد كلما اقتربنا منها، وترتفع كلما سمونا إليها، فكيف نسعد بها وهى أمنية مستحيلة.. أو فى حكم المستحيل؟ إن المثل الأعلى مطلب وشىء آخر، هو مطلب محبوب معشوق، وليس شيئا مطلوبا وكفى. والناس فى كل عصر يسمعون عن صراع العشق، الذين يموتون وعلى شفاههم ابتسامة راضية، لأنهم يموتون فى سبيل مطلب محبوب، والناس فى كل عصر يسمعون عن الشهداء، الذين لا يبالون العذاب ويحسبون أنفسهم أسعد ممن يعذبونهم، لأنهم فى النور على مقربة من المعبود، والذين يعذبونهم فى ظلام، يضل بهم عن سواء السبيل.
على هذا يكون المثل الأعلى وسيلة إلى السعادة وإن كان هو فى سمائه غاية الغايات، ونهاية أشواط الرجاء.
وما السعادة؟ أراحة هى كما يتخيلها الكثيرون؟ إن بعض الراحة: شلل قوى النفوس.. وأحسن ما تكون الراحة: إعفاء من الحركة والنشاط.. فأين من نشاط الرياضة التى تلذنا، لأننا نشعر بقدرتنا على الحركة وعلى السبق فى ميدانها. كذلك رياضة الأجسام، وكذلك رياضة النفوس أيضا، فهى أسعد ما تكون حين تعلم مدى قدرتها وإلى أى شوط يمتد بها نشاطها.. وقد أجمع الناس على سعادة الأطفال، فهل رأيت الطفل الصغير يسعد بالاستكانة إلى الراحة وبين يديه مجال للوثب والعدو والقيام والقعود؟ كلا بل سعادته الكبرى أن يحس بجدة أعضائه، وأن ينطلق فى نشاط إلى غاية مستطاعة، وأن يمتحن نفسه بالحركة لا بالسكون والهجوع. وكذلك نفس الكبير، كذلك كل نفس تحس كلما تحركت كشفت من قواها قوة جديدة، قادرة على الجهد، وعلى النهوض بالأعباء. ولن يكون الإنسان يوما أسعد منه وهو متعب مجهود، إذا علم من تعبه وجهده إنه مالك لعنانه، قادر على توجيه مواهبه وملكاته، ماض فى عمله كأنه ماض فى رياضة شائقة تستبق فيها المواهب والملكات.
ولا راحة على كل حال فى الحياة.. وهكذا اعتقدت إذ كنت فى مقتبل الشباب، وكتبت إذ ذاك عن الراحة، فجعلتها جوهرة مدفونة تحت التراب تخيلتنى أسأل أبانا آدم عنها وأعتب عليه أنه لم يأخذها معه من الجنة وهو خارج منها، فقال لى فى ختام جوابه: «ولا تطمعوا أن تجدوه حيث أنتم كادحون.. فإنما قد دفنته فى مكان لا يراه من ينظر السماء، ولا يرى السماء من ينزل إليه، لكنكم متى حللتم جوف الأرض، وأطرحتم كل أمل لكم فى ظهرها، فهنالك الراحة السرمدية».
نعم لا راحة مع الحياة.. فهل فى الحياة سعادة؟ فيها ولا ريب، ولنلتفت جيدا إلى كلمة «فيها» فإن الحياة التى فيها السعادة غير السعادة من أولها إلى آخرها، فهذا وهم من الأوهام لا وجود له فى عالم الواقع، ولعلها لو وجدت، لملها أصحابها وتمنوا لو يشوبها خليط من الشقاء فى بعض أوقاتها.
لأن السعادة التى تلازم الإنسان فى كل لحظة من لحظات عمره: فضول لا يطاق، فإذا بحثنا عن حياة سعيدة، فقد ضيعنا الجهد على غير طائل، وإذا بحثنا عن حياة فيها سعادة هنا، وسعادة هناك، فقد وجدت هذه السعادة كثيرا على ظهر هذه الأرض، وأحسبها لم توجد على أحسنها وأصفاها وأغلاها، إلا مع مثل من الأمثلة العليا، على اختلاف هذه الأمثلة فى نظر الناس. أما مثلى الأعلى الذى أحب السعادة لأجله، فهو أشتات من الصفات والمطالب، تجمعها كلمة واحدة وهى كلمة «الكرامة»... فالكرامة هى المثل الأعلى الذى يسعدنا حين نخسر، كما يسعدنا حين نغنم ونظفر، لأننا نفقد ما نفقده على علم بفقدانه، بل نحن نختار الفقدان ونفضله على الغُنم والظفر، ونؤمن بأننا ضيعنا شيئا من أجل شىء آخر حفظناه وأبقيناه وهو أعز علينا وأجدر بالصيانة مما ضيعناه.
وليس أقرب إلى السعادة من المثل الأعلى الذى يسعدك كاسبا وخاسرا وناجحا ومخفقا، وغالبا ومغلوبا فى كل معركة يهمك أن تخوضها ولن تخوض إلا معركة تستحق أن تخاض، ما دامت الكرامة هى الوجهة التى تتجه إليها فى جميع الأحوال.. ومن الكرامة نستمد الشجاعة فى جميع المواقف، وفى أحرجها وأخطرها على الخصوص.. وحسبك أن تسأل نفسك: «أيسُرك أن تَسلم وأنت حقير فى نظر ضميرك؟ أيرضيك أن تتراجع عن الواجب صفر اليدين مما يكبرك ويجعل للحياة قيمة لديك؟».
أحمد رامى: أنا سعيد لأننى بعيد عن الأطماع
فى حوار أجرته مجلة الهلال مع الشاعر أحمد رامى سأله مندوب المجلة هذه الأسئلة: هل تشعر بالسعادة فى حياتك؟ ما هى أسباب السعادة فى رأيك؟ هل عشت مع السعداء فى قصصك؟ هل شعرت بشقاء الأشقياء فيما تناولته من حياتهم؟
وقد أجاب «رامى» عن هذه الأسئلة، فقال:
(1)
لم أشعر فى حياتى يوما بأننى لست سعيدا، لأننى رجل بعيد عن الأطماع، ونواحى طموحى محدودة فى حدود معقولة، ففى حياتى جميعها كنت أسعى إلى النجاح، ولكن خطوة خطوة، وإن إيمانى بالله ورضائى بكل ما قسم لى، سبب آخر من أسباب سعادتى.
(2)
الأسباب التى توفر السعادة فى رأى كثيرة، فمثلا الفنان تسعده نواحى الجمال فى الوجود، فالمنظر الجميل، والفكرة الصائبة، والنغم الحلو، واللقاء السعيد، كلها بواعث السعادة فى نفسى. كما أننى أرى فى إسعاد غيرى -ولو عن طريق المواساة والمشاركة الوجدانية والرفق- ما يبعث السعادة إلى نفسى، فليس أحب إلى قلبى من أن أرى مظاهر السعادة على وجوه الآخرين، وأسباب السعادة تختلف باختلاف الأفراد، فما يسعد الفنان، غير ما يسعد رجل الأعمال، أو رجل المجتمع. ولكنى أعتقد أن القناعة والتسامح من أسباب السعادة، وإن كنت أرى ألا تصل القناعة بالإنسان إلى درجة الخمول، والتسامح إلى درجة إهدار الحقوق.
(3)
القصصى: إما مبتكر، وإما مقتبس من الواقع ومُصوِر له، وهو فى كل ذلك يصور بقلمه أحاسيسه وآراءه، فهو لا بد أن يندمج ويعيش فى الجو الذى يكتب عنه ويصوره، ولا يمكن أن يوجد خلق من غير اندماج فهو يشقى مع الأشقياء من أبطال قصصه ويسعد مع السعداء. وأذكر على سبيل المثال قصيدتى الاثنتين: «غرام الشعراء» و«الخيام» فقد كنت أعيش فى جميع أطوار قصصى وحياة أفرادهم، ففى رباعيات الخيام كنت أعيش فى جو الخيام، وأحس بإحساسه، بل إننى أحببت الرجل من كتاباته وانتقلت من عصرى إلى عصره فى آواخر العباسيين، وعصر القصور والجوارى والمؤامرات، كنت أتألم له إذا تألم، وأسعد معه إذا سعد، وهكذا يعيش القصصى المطبوع فى جو قصصه، ويحيا حياة أفرادها.
(4)
إن الحزن يحرك النفوس أكثر من السرور، والقصصى يحاول دائما أن يستثير عواطف الجماهير، ليجعلها تعيش فى جو قصصه وتؤمن بها، لذلك فهو ينحو ناحية الحزن ليحرك به نفوس قرائه، وتصوير الإنسان للحزن أقوى من تصويره للسعادة، لذلك فالقصصى يحاول أن يصور هذه الناحية فى قصصه، ليخلق لنا منها فنا رائعا، يستحق التسجيل والخلود.
أحمد لطفى السيد.. الرجل السعيد
قال أحمد لطفى السيد فى مقال له نشرته جريدة الجريدة فى 11 يناير عام 1914:
لم تك بى حاجة إلى مصباح «ديوجن» لأبحث عن الرجل الطيب، ولكن بنا حاجة إلى نور السماء لنتعرف على الرجل السعيد. إذا كانت السعادة فى أفراد الأمم البادية، قليلى الحاجة والهموم، يلمع نورها فى عيونهم الجميلة، السليمة من أذى الإجهاد ويترقرق ماؤها فى جباههم الواضحة، وتنم خفة حركاتهم عن قلوب خفيفة من أوزار الحياة ونفوس طابت عن كثير من عرض الدنيا وشره المدينة، رضيت من مزايا الحياة بالحرية، ونعم الحال، فتقلب النفس على هواها فى مراتب العزة، وتأخذ من العيش بنصيب صفا من كدر الأحقاد وغصص المزاحمة المستمرة، وخلا من هموم العامة لأهل الحاضرة إلا مما كان من غارة يقتضيها العيش أو لقاء عدو للدفاع عن الوطن. وكلاهما قد يول همه بانقضائه لا كأهل المدينة سلمهم حرب وحربهم حرب، فهم فى السلم من خوف الحرب، وفى حرب شعواء أدهى وأمر من الرمى والطعن والضرب، وهم من خوف الفقر ومن مزاحمة على حاجات الحياة وكمالياتها فى حرب، وهم من ثروتهم العلمية والفنية والمالية فى فتنة مستطيرة الشرر تقلق الملىء والخالى، وتمد ضمير العظيم والحقير على السواء.
إذا كانت السعادة فى أفراد الأمم البادية، فأخلق بها ألا تكون فى مدينتنا بعيد عن السعادة، وهى أمنية الحى رضاء النفس وطمأنينة القلب ونور العين أن نلقاها فى حمأة الشهوات التى تزحف فيها النفوس، وتتخبط فى ملاطمها القوى والملكات، إلا الذين أخلصوا قلوبهم وتعرفوا على الحياة بالعقل وبالمثل، فعرفوها عن قرب يضربون فيها لأشخاصهم هونا، ويعطون ويعملون لسعادة غيرهم جما، ويكبر فى صدورهم حب الإنسانية. وتنمو فى نفوسهم طبائع الخير رضى الله عنهم ورضوا عن أنفسهم وحققوا سعادتهم فى هذه الدار أولئك هم السعداء.
أين الرجل السعيد الراضى بحاله فى هذه الدنيا؟ وقلب المرء -بما أودع من الهموم الجليلة والحقيرة- لا يهدأ روعه، ولا يسكن هياجه، إلا إذا أصاب أغراضه، ووصل إلى آماله، وبلغ أمانيه -وما هو ببالغها- وكلما انقضى منها سبب، جاء سبب جديد.. إنه لا نهاية لأغراضه، ونهاية حياته واقعة لا شبهة فيها، وإن حاول هو أن يؤجل هذا الواقع، وإنه على ذلك ينفطر قلبه حسرات على ما يفوته من مطلوب، وتذوب نفسه شعاعا على فقد محبوب، إذا أصابه الخير يزهيه، فيركب متن الكبرياء وهو بركوبها شقى، وإذا أصابه ما يظنه الشر يتبرم بعدل الوجود، ويركن إلى الخمول، أو يجرع كأس الذلة وهو بذلك أيضا شقى.
السعيد هو من يعرف أن يرضى بحاله، فليست السعادة هى الثروة ولا الاستمتاع بها، وليست هى الجاه ولا آثاره، وليست هى الحب ولا لذاته، وليست هى العلم ولا نوره ولا منافعه، وليست هى الجهل ولا جموده ولا جرائره، وليست هى النباهة ولا كبرياءها، وليست هى الخمول ولا انزواءه وتعطيله، وليست هى الحكم ولا فى نظام الاستبداد ولا قدرته، وليست هى الجمال ولا شفاعته، وليست هى الظرف ولا خفته، وبعد أن تكون هى العقل وحسابه، إن لم تكن هى الخيال وأوهامه.
ليست السعادة شيئا من ذلك، ولا هى كل ذلك.. بل السعادة: ظن السعيد.. أنه سعيد.
مى زيادة: السعادة أو غاية الحياة
تقول الشاعرة والأديبة مى زيادة فى «رسالة غاية الحياة»: إن السعادة غاية الجميع، أما السبيل إليها فمختلف باختلاف الطبائع، حرمها الناس طويلا فازداد شوقهم، واحتشدت فى قلوبهم الكظوم والضغائن، حتى لكأن الإنسانية تتحرك اليوم فوق بركان ثائر، ففى كل مكان حروب وتقاتل على المنافع، ومن الغريب أن النقيضين.. الوطنية وانتشار الاشتراكية يسيران جنبا إلى جنب، والأمم جميعا على وجل واضطراب تنتظر من وقت إلى آخر تغير الأحوال ووقوع ما كان يرجى أو ما لم يكن ليرجى.
السعادة هى الغاية وما السعادة فى حقيقتها وعلى تنوع صورها فى الأذهان سوى تطور متتابع نحو حالة تستوفى عندها جميع القوى وسائل النمو والانبساط والظهور كاملة وافية بأقل ما يمكن من المقاومة والألم، هذا إذا تعذر الخلاص منها على الإطلاق.. وهل من تطور ونمو بلا عمل؟ لا جمود فى الخليقة حيث كل مخلوق، حتى لو اختفى وراء مظاهر الموت، يؤدى وظيفته ويتمم ما وجد لتتميمه، وكذلك كل خلية من خلايا الجسم تعمل لتؤدى وظيفتها.. غير أن ذلك العمل الآلى ليس ليغنى الفرد المفكر المريد الذى لا تكفيه الغاية العامة فى الكون إنما يعمل عملا خاصا إضافيا يتفق مع غايته المختارة تتمرن عليه مجهوداته ويمارس به قواه.
تلك السعادة التى يحلم بها لا بد أن يسعى إليها سعيا خصوصيا حثيثا أريبا فى تحينه وتشبعه وتنوعه، ومع ذلك ليست كل قيمة العمل فى أنه موصل إلى الغاية المقصودة، ولكن قيمته المعنوية الكبرى فى كونه آلة الاستقلال الفردى وخالق الاحتياج إلى الاعتماد على النفس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.