قال الشاعر أحمد محمد عويس: إن الأدب الصوفي يمثل لونًا من ألوان الأدب الرفيع، الذي يحمل في طياته أسمى معاني وخصائص السمو الروحي، حيث تحملنا الصوفية إلى مستوى يتجاوز المنطق والعقلانية، وتتيح لنا فرصة الاستغراق في عمل أدبي "روائي" يخص خبرة صاحبه، حيث نرى اتصاله مع سره المطلق، فنرى مشاهد لم نرها بالعين ولم نسمعها بالأذن، ويمكن تقسيم الأدب الصوفي القديم إلى ثلاثة أطوار: الأول يبدأ من ظهور الإسلام وينتهي في أواسط القرن الثاني للهجرة، والثاني يبدأ من أواسط القرن الثاني الهجري إلى القرن الرابع، والأدب الصوفي في طوريه الأول والثاني أغلبه نثر، وفي الطور الثاني هذا يبدأ تكون الاصطلاحات الصوفية والشطحات، أما الطور الثالث يستمر حتى نهاية القرن السابع وأواسط القرن الثامن، وهو العصر الذهبي للأدب الصوفي. وأضاف عويس خلال دراسته التي جاءت تحت عنوان "الملمح الصوفي في الكتابات السردية لأدباء بني سويف"، أن ما يخص الرواية، اعتبر كثير من النقاد أن نجيب محفوظ وجمال الغيطاني من أهم النماذج المعبرة عن الالتقاء بين التصوف والرواية سواء باستدعاء الشخصيات والجماعات الصوفية أو الاستعانة بأساليب اللغة الصوفية، أو ظهور ملامح صوفية لشخصيات بعينها وكرامات أو توظيف الامتدادات الزمنية والمكانية. وأشار عويس، إلى أن رواية "فضاء أزرق لحلم غامض" للروائي محمود عبدالله تهامي، تعتبر حالة صوفية كاملة وشاملة بداية من فكرة الرواية، ومرورا بالشخصيات والأسلوب والخيال، وانتهاء باللفظ المستمد من بيئة صوفية خالصة، فهو من طبيعة الأدباء الذين تأثروا بالتجربة الصوفية تأثرًا شديدًا فنجد إضفاء الطابع الصوفي على المواقف والظواهر الماديةً والأحداث واستدعاء الشخصيات والأعلام الصوفية، أو الاستعانة بأساليب اللغة الصوفية، أو ظهور ملامح صوفية لشخصيات بعينها أو كرامات منسوبة لهم أو توظيف الامتدادات الزمنية والمكانية. وتابع أن بنية الرواية يتجلى بها الخيال الصوفي على مستوى الفكرة والمفردات والأسلوب في شكل روائي، فالكاتب يؤمن بالصوفية ويمارسها بكافة أشكالها وشعائرها ويعيشها من خلال شخصيات الرواية، ويظهر فيها الراوي أحيانا عندما يستدعي الحوار رأيا من أراء الصوفية أو الاستشهاد بفضائلهم وكراماتهم؛ لذا جاء العمل الأدبي انعكاسا لطبيعة الكاتب ونزعاته الروحانية وإيمانيه الشديد بالصوفية كفكر ومنهج، بينما جاء اللفظ في متنوعًا ما بين البسيط والمعقد، وجاء مطابقا لحالة الكاتب الذي لم يستطع الخروج من عباءة الصوفية، فحوت الرواية كلمات صوفية خالصة وظهر جليا التعقيد اللفظي في الرواية مما أبعدها في معظم أجزائها عن البساطة التي هي سمة العمل الأدبي مما صعب فهمها على غير الصوفيين لاحتياجهم إلى قاموس صوفي لترجمتها ومن هذه الكلمات: الخلوة، أهل الطريقة، الحضرة، الكرامات، الرقص الصوفي، اللاهوتية، أسرار الوجود، المريدون، التراتيل. وفي تناوله دراسة الملمح الصوفي في رواية "سيمفونية بنت الحارة " للكاتبة رانيا زينهم أبو بكر، أكد الباحث أنه على الرغم من ابتعاد الأديبة عن المنهج الصوفي في العناصر الأساسية للرواية سواء على مستوى الفكرة أو الحبكة الفنية أو الأسلوب وغيرها من العناصر، إلا أنها لم تضع الرواية بمعزل عن الصوفية حيث ضمنتها بعض الألفاظ الصوفية ربما نتيجة التأثر البيئي من الراوية نفسها أو محاكاة لكثير من الروائيين. وإذا دققنا النظر في الرواية نجد أن الملمح الصوفي قد برز على استحياء فالأديبة اتخذت من كلمة " الشيخ " رمزا للتدين والأخلاق الفاضلة و لذلك احتاجت لتكرار اللفظ كثيرا - صراحة أو إيحاء - كلما أرادت الاستشهاد بموقف أخلاقي فنجدها تقول صراحة: "عاصرت عائلة الشيخ مبروك وهو رجل صالح " وأوردت الأديبة كلمة "المقام" وهو من الأشياء شديدة الصلة بالصوفية والمقام بناء يشيد بطريقة خاصة و عرفه الناس منذ القدم ويتخذ رمزًا للتبرك بانتسابه لاسم شيخ من مشايخ الصوفية يقصده الناس في مناسبات عديدة وهي عادة موروثة في الشعب المصري. أيضا نراها تكرر كلمة "النذر" وهو ما يقدم للشيخ نظير شيء صعب يرجى حدوثه وربما كان مستحيل الحدوث ومما ورد في ذلك: " فيأتي ناس آخرون وجميعهم من حامل القرابين أو بالأحرى النذور" أما المجموعة القصصية "سيرة العارف الأبله" للقاص أحمد عادل القضابي، فأشار الباحث إلى استهلال الكاتب مجموعته بإهداء يعكس حالة صوفية خالصة حيث قال: "إلى روحي جدي وجدتي متى يكون اللقاء ؟ " فهو يتحدث عن روحين توارى منهما الجسد ولكنهما أحياء في العالم الآخر ويسأل عن اللقاء بهما لقاء يجمع من فوق الأرض بمن تحتها لقاء تمتزج فيه الأرواح في مملكة اللذة التي شيد أركانها فنحى العقل والقلب وسار حيث الملامح الصوفية. يشدنا القاص القضابي إلى عالم روحاني ممتد بلا توقف فتخط يداه أجمل ما كتب في القصة القصيرة عن الفكر الصوفي، ففي قصته "سيرة العارف الأبله" يمنحنا سبع دفقات شعورية أساسها سبعة مقاطع سردية سماها المقامات السبعة ولعل أبرز ما نراه من ملامح صوفية في هذا العمل هو ثبات الدال والمدلول "الماء والتراب والهواء" والتي بدأ بها في "مقام العد" المقام الثاني فقال بصيغة الراوي العليم: "جاء بماء وتراب ونار وهواء". جاء ذلك خلال مؤتمر اليوم الواحد، تحت عنوان "الملمح الصوفي في الأدب.. بني سويف نموذجا"، الذي ينظمه قصر ثقافة بني سويف، التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة.