شهدت الأوساط الأثرية بمحافظة الأقصر، ومواقع التواصل الاجتماعي حالة من الجدل المصحوب بالاتهامات خلال الفترة الماضية التي أعقبت يوم التراث العالمي والذي تم خلاله إزاحة الستار عن التمثال السادس للملك رمسيس الثاني بمعبد الأقصر بحضور المهندس مصطفى مدبولي رئيس الوزراء – في سابقة لم تحدث من قبل أن يحضر رئيس حكومة لتلك المناسبة- وبرفقته الدكتور خالد العناني وزير الآثار وعدد من السفراء والفنانين والشخصيات العامة. وسادت حالة من الجدل بين الأثريين ومُحبي الآثار والمتخصصين فيها خلال الفترة الماضية، بدعوى أن التمثال ليس في مكانه الصحيح، وأن وضعه بهذه الطريقة خطأ يستوجب تصحيحه لأنه يغير الواقع التاريخي لتخطيط المعبد، مشيرين إلى أنه تم وضع التمثال على هيئة"أوزيرية" وهي التي تكون قدما التمثال في وضع متساو، حيث أكد الأثريين أنه كان يجب أن يكون في وضع حربي بأن تتقدم الرجل اليسرى عن الرجل اليمنى كما هو الوضع في باقي التماثيل الأخرى الموجودة بواجهة المعبد. "بسم الله ماشاء الله".. تلك الكلمات التي نطقها الدكتور مصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار لحظة إزاحة الستار عن التمثال وسط تصفيق وتهليل المرممين وحفاوة كبيرة بين الحضور واعتبرت وزارة الآثار أن ما حدث إنجاز كبير على صعيد إعادة أمجاد قدماء المصريين، وتخليد لتاريخهم في حين وصفه أثريون وفنانون بأنه مسخا غريبًا يذكرنا بمسخ فيكتور فرانكشتين. ولكن لم تستمر تلك الحفاوة سوى يوما واحدا قبل أن يكتشف الأثريون حدوث أخطاء كبرى أثناء عملية الترميم واعتبروا أن ترميم التمثال بهذا الشكل خطأً يستحق الاعتذار عنه، وطالبوا بإزالة التمثال كونه يشوه أحد أهم المعابد الأثرية في مصر – بحسب وصفهم -، بعدها تم إعادة الستار مرة أخرى على التمثال وتغطيته من جميع الجوانب وإقامة عدة سقالات معدنية وخشبية حوله ليبدأ العمل به من جديد وتم اعتبار المنطقة التي يقع بها منطقة محظور التواجد أو التصوير بها لأنها منطقة عمل، وهو ما اعتبره البعض اعتذارا بشكل عملي وخطوة جيدة من الوزارة، واستجابة منها لما حدث من ترميمات غير صحيحة. وأكد مصدر أثري داخل معبد الأقصر ل"البوابة نيوز"، أنه تم التسرع بالفعل في ترميم وإعادة تركيب التمثال مرة أخرى حيث تم العمل بالتمثال بتسرع حتى يستطيع اللحاق باحتفالية يوم التراث العالمي التي أقيمت بحضور رئيس الوزراء مصطفي مدبولي الخميس قبل الماضي، ولكن عملية الترميم تستوجب الاعتذار بالفعل. فيما أوضح الطيب عبدالله، مرشد سياحي، أن البعض شكك في صحة وجود هذا التمثال أمام الصرح الأول لمعبد الأقصر بهيئة أوزيرية تخالف التماثيل الأخرى الواقفة التي تقدم الساق اليسرى، وذلك استنادًا إلى المنظر المنقوش على الجدار الجنوبي الغربي لفناء الملك رمسيس الثاني، والذي يوضح وجود 6 تماثيل، اثنان منها في هيئة الجلوس، وأربعة في هيئة الوقوف ذات قدم يسرى متقدمة، ولكن الأمر بالنسبة لي ليس في وضعية وقوف التمثال ولكن المشكلة تكمن في ترميم التمثال نفسه، حيث تتواجد به أخطاء وعيوب لا بد من تصحيحها، خاصة في النسب الخاصة بأجزاء التمثال وتحديدًا في اليدين والقدمين، كذلك الفرق الواضح بين ألوان الأجزاء التي تم استكمالها في الترميم، وبين الأجزاء الأصلية من التمثال ولونها الأصلي وردي. فيما قابلت وزارة الآثار هذا الجدل، بأنه يوجد منظر منقوش في خلفية الصرح الأول للملك رمسيس الثاني يوضح شكل الصرح الأول يتقدمه تمثالان جالسان ومسلتان فقط، وهذا المنظر الذي تم نقشه بالنقش الغائر يرجع لعصر الملك رمسيس الثاني، وكان يوضح شكل واجهة المعبد خلال فترة حكمه، وأنه يتطابق أسلوب النقش لهذا المنظر مع كل نقوش ومناظر الصرح، بما يؤكد تأريخه لعصر الملك رمسيس الثاني، أما المنظر المنقوش على الجدار الجنوبي الغربي لفناء الملك رمسيس الثاني، فإنه يوضح شكل الصرح الأول يتقدمه تمثالان جالسان، و4 تماثيل واقفة مقدمة القدم اليسرى بالإضافة إلى المسلتين. من جانبه، أكد أحمد العربي، مدير معبد الأقصر، أن وضع تمثال رمسيس الثاني بواجهة المعبد الذي أثير بشأنه الجدل خلال الأيام الماضية، صحيح بنسبة 100%، مؤكدا أن السبب الرئيسي في تغطية التمثال هو استكمال عملية الترميم التي لم تنتهي بنسبة 100٪، مشيرا إلى أن التمثال بالوضع الأوزيري "عقد يديه على صدره"، في المكان الصحيح، وتابع أن هناك ما يثبت أن التمثال يتوجب أن يكون بالوضع الأوزيري، وليس بالوضع "العسكري"، مثل بقية التماثيل وذلك لأن هناك لوحة أقدم من اللوحة التي يستند عليها البعض لتصميم المعبد، مضيفا أن اللوحة القديمة وفقا لما أعلنته دراسات الدكتور محمد عبد القادر، والتي نشرت عام 1958، توضح أن التمثال بالوضع الأوزيري، وليس العسكري، مشيرا إلى أن عملية الترميم الخاصة بالتمثال، هي عمليات بسيطة تتمثل في تصليح الذراع الخاص بالتمثال، وإزالة الزيادات، بالإضافة إلى تحسين شكل القدم الخاصة بالتمثال، والتأكد من سلامة الألوان الخاصة به. فيما قال محمد حسين مدير عام ترميم معبد الأقصر، في تصريحات صحفية، إنه لا أخطاء في ترميم تمثال رمسيس الثاني أمام معبد الأقصر، حيث إن كل كتلة تم تركيبها في مكانها الصحيح، وللأسف كل من يتحدث عن أخطاء الترميم ليس متخصصًا، مشيرا إلى أن الاختلاف في نسب التمثال، خاصة في الأذرع، طبيعي حيث إن أي استكمال في الترميم من المرجح أن يحدث تغييرًا فيه بالزيادة أو النقص، خاصة مع الحجم الكبير للتمثال حيث يبلغ ارتفاعه حوالي 12 مترًا ووزنه حوالي 70 طنًا، والأجزاء التي حدث بها استكمال وظهر فيها تغيير ستتم معالجتها في المرحلة الترميمية التالية وهي مرحلة الترميم الدقيق. وتابع حسين،: المهم أن الكتل الأثرية الأساسية للتمثال سليمة ولا خطأ فيها، أما الاستكمال يمكن تصحيحه وتداركه والموضوع بسيط ولا يستحق كل هذه الضجة، والخطأ يكون إذا حدث خطأ في تركيب كتلة أثرية أو تركيبها مقلوبة، وهذا لم يحدث، لافتا إلى المونة التي تم استخدامها مناسبة للأثر وغير ضارة به، وذلك حسب أحدث الأساليب العلمية، والأجزاء التي تم استكمالها هي من نفس اللون الوردي للأجزاء الأصلية، ولكن لأن اللون جديد وحديث فقد ظهر فارق بينه وبين اللون الأصلي القديم الموجود منذ حوالي 3 آلاف سنة. وكانت البعثة الأثرية المصرية الأمريكية المشتركة نجحت في الانتهاء من تجميع وترميم وإعادة تركيب ورفع تمثال رمسيس الثاني في وضعه الأوزيري، ليكون بذلك آخر تمثال ضمن 5 تماثيل أخرى للملك رمسيس الثاني، حيث نجحت وزارة الآثار خلال العامين السابقين بتجميع وترميم وإعادة رفع تمثالين آخرين للملك بالصرح الأول بمعبد الأقصر. ويبلغ ارتفاع التمثال حوالي 12 مترا، ووزنه ما يقرب من 60 طنا، وهو مصنوع من الجرانيت الوردي ويصور الملك رمسيس الثاني واقفا وتم الكشف عن بقايا هذا التمثال أثناء أعمال حفائر البعثة الأثرية المصرية داخل المعبد عام 1958 وحتى 1960، والتي تمكنت أيضًا من الكشف عن أجزاء تماثيل أخرى وجدت مدمرة أمام الصرح الأول، ويرجح أنها دمرت نتيجة تعرضها لزلزال مدمر في العصور المصرية القديمة.