بخفة أمسكت رحمة مضرب تنس الطاولة، عيناها على الكرة تحرك قدميها يمينا ويسارا برقه تناسب طفولتها ونقاء قلبها، يحسبها المار أمامها أنها مريضة، لكنها تملك إرادة قوية وشجاعة جعلت إصابتها بمتلازمة داون سر نجاحها وكللت ذلك بالمراكز الأول التى حققتها فى ألعاب مختلفة. قبل أسبوع، احتفل العالم باليوم العالمى لمتلازمة داون، شيئًا فشيئًا بدأ يتعرف الناس على المرض، وأسبابه وتتلاشى الكلمات التى يصفون بها المصابون بالمتلازمة، لكن الأمر يسير بطيئًا فى مصر، فهناك أسر تحرم أولادها من الاستمتاع بطفولتهم وممارسة حياتهم الطبيعية خوفًا عليهم من الأذى الذى يبدأ بالنظرات ثم التنمر وينتهى بالاعتداء البدنى. أسرة رحمة رغم أوضاعهم الاقتصادية البسيطة اختاروا ألا يحرموا ابنتهم من حقها ودفعوها بتعلم الألعاب حتى حصدوا نجاحها وتحولت من طفلة مصابة بمتلازمة داون إلى بطلة ومصدر فخر لهم والعائلة. فى شقة متواضعة بمدينة المستقبل 3 التابعة لحى فيصل فى السويس، تعيش أسرة رحمة، يعمل والدها لحام، بينما تفرغت والدتها لمتطلبات المنزل، ومنح وقتها لطفلتها رحمة وشقيقتيها رقية 10 سنوات ورضوى 7 سنوات. «أول البخت وحاجه صعبة شوية لما تكون مريضة كده» يحكى على سعد والد رحمة عن رد فعله بعد 17 يومًا من ولادة رحمة، عندما أخبر الطبيب أبويها بأن أول مولودة لهما مصابة بمتلازمة داون، وشرح لهما أن الأمر سيترتب عليه إعاقات فى التعلم واضطرابات القلب والجهاز الهضمى، وتأثير على الشكل ومعدل النمو، وأخبره الأطباء بأن هناك طرقًا وأساليب عليه متابعتها. رفض على سعد وزوجته أن تكون طفلتهما حبيسة المنزل، محرومة من التمتع بطفولتها، فسعت الأم فى مراكز الشباب لتشترك ابنتها فى أي من الألعاب، ورحب مدربو مركز شباب المدينة بحى الأربعين بالطفلة وفتحوا لها باب الاشتراك فى أى لعبة تريد. «بدأت مع رحمة من 5 سنين، واشتركت فى فريق الكاراتيه، ووصلت للحزام الأصفر» كانت البداية بلعبة الدفاع عن النفس، «الرياضة تنمى مخها وبتساعدها على الاختلاط بالناس، مش عايزاها تتحبس فى البيت، هى كده بتتحسن» تفسر الأم سبب السعى وراء ممارسة الرياضة لابنتها. بجمل قصيرة يقطعها الخجل، حدثتنا رحمة عن مشوارها الذى تنوى استكماله إلى أن تمثل مصر عالميًا «وصلت للحزام الأصفر فى الكاراتيه وبعدين بطلت اللعبة عشان ماما تعبت» تقول رحمة: «لعبت تنس طاولة مع كابتن عزت وأخدت مركز أول على مستوى السويس، ثم أول على مستوى الجمهورية وجبت ميدالية وفزت فى المسابقات التى تجريها الإدارة المركزية لشئون التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم. لم يتوقف اهتمام رحمة على مضرب تنس الطاولة، وإنما شاركت رحمة فى مسابقات العدو، والوثب، ونافست زملاءها فى محافظاتجنوبسيناء وبورسعيد والإسماعيلية، وحققت مركزًا أول أيضًا على مستوى الجمهورية فى اللعبتين. وقبل عدة أشهر بدأت فى لعبة الجمباز بسبب مرونة جسدها والذى يتيح لها أداء وتنفيذ حركات يعجز الأطفال فى سنها عن فعلها. «أنا بحب التنس والجمباز وهكمل فيهم» أخبرتنا رحمة بلعبتيها المفضلتين، وتشير إلى أنها لن تتركهما إلا عندما تشارك فى بطولة عالمية، فطموحها وإصرارها الذى لا يتناسب مع سنها يقودها إلى النجاح وتحقيق الذات. ويقول الكابتن عزت السعيد مدرب رحمة، إن خجل رحمة كان مشكلة فى البداية لأن ذلك يؤثر على تواصلها مع الناس حولها، إلا أنه بدأ فى كسر الحاجز بينه وبينها حتى تعاملت معه كأنه والدها، وبمرور الوقت بدأت تتقبل النصائح وتعليمات التدريب وتحسن أداؤها سريعًا. «رحمة عندها صبر وعزيمة جواها حفز ذاتى إنها تكون إنسانة متفوقة وناجحة» يتحدث مدرب تنس الطاولة عن رحمة، مضيفًا أن عزيمتها تساعدها فى تحقيق ما تريد، فكان لها أن تحصد المركز الأول فى اللعبة على مستوى السويس، فهى ترى نفسها مثل غيرها لا ينقصها شىء، ولن يمنعها مرض من الفوز، فنالت أيضًا المركز الأول على الجمهورية.