"صفقوا أيها الأصدقاء، فقد انتهت الكوميديا" تلك الكلمات كانت الأكثر واقعا في حياة بيتهوفن، الذي عاش حياته وحيدًا وبائسًا، فقد تسبب مزاجه المتقلب وهوسه وجشعه في دخوله في نزاعاتٍ كثيرة مع أصدقائه وتلاميذه وأخوته وحتى داعميه. كان شخصًا انطوائيا يميل كثيرا إلى العزلة والجلوس بمفرده، إلى أن وصل حاله بعدم رغبته في الزواج وبالفعل لم يتزوج بيتهوفن خلال حياته أبدًا، وربما يرجع ذلك إلى خجله الشديد ومظهره الذي لا يتمتع بوسامة، كان دائم التشاؤم من الوجود، عاش كثيرا حالة خصام مع أصدقائه وأخوته ورعاته بسبب مزاجه المتقلب، ولكن كثيرا ما كان يفعل ذلك بعد ما عاش طفولته بشكل قاسي جدًا نظرًا لمعاملة والده السيئة. نشأ بيتهوفن في ألمانيا ولكن كانت بيئته صارمة جدا فكان والده السبب وراء تعلمه العزف والموسيقي فبدأ الأب تعليم ابنه بعنفٍ وصرامة مما أثر عليه تأثيرًا كبيرًا دام لبقية حياته؛ فقد كان بوسع الجيران سماع صوت بكاء بيتهوفن أثناء عزفه على البيانو، نظرًا لأن والده كان يضربه عند أي تردد أو خطأ في العزف. شكل ذلك حياته بمنوال واحد وهو عبارة عن المكوث في القبو للتدرب على العزف ساعات طويلة، دون نيل قسط وافر من النوم، درس بيتهوفن مع والده العزف على الكمان والبيانو، كذلك تلقى دروس إضافية على يد موسيقيين آخرين في المدينة، وقد أظهر في تلك الفترة نبوغًا وموهبةً موسيقية يفوقان عمره بكثير. بلغ بيتهوفن عامه ال12، وقام بنشر أول عمل موسيقي ألفه، وهو عبارة عن تنويعات موسيقية لأحد الألحان التي ألفها الموسيقي الكلاسيكي دريسلر، لكن بحلول عام 1784، تدهورت الحالة الصحية للأب نتيجة إدمانه على الكحول، ولم يعد قادرًا على الغناء وإعالة الأسرة، فطلب بيتهوفن تعيينه عازف أورغن في الأبرشية، وحظي طلبه بالموافقة رغم حداثة سنه، وهكذا تقاضى بيتهوفن راتبًا سنويًا مقدره 150 فلورينز. وكانت حياته بعد أن اتجه الي فيينا عاشها دؤبا على دراسة الموسيقى بجهد وإخلاص مع كبار الموسيقيين أمثال هايدن، وأنطونيو ساليري ويوهان ألبريشتسبيرجر، فاكتسب شهرةً واسعةً لكونه عازف بيانو موهوبًا، ولاسيما أنه كان بارعًا جدًا في الارتجال. وقد صادف بيتهوفن خلال تلك الفترة عددًا من الأشخاص الذين تبنوه وقدموا له السكن والأموال. حققت السيمفونية الأولى لبيتهوفن في المسرح الملكي الإمبراطوري في فيينا، بعد عزفها نجاحا واقبالا لم يشهده من قبل، وأضحى بيتهوفن بعدها من الموسيقيين البارزين في أوروبا. تابع بيتهوفن بعدها تأليف القطع الموسيقية المختلفة، التي رسخت سمعته بوصفه موسيقيًا بارعًا، الي أن قام في عام 1801، بنشر "الرباعيات الوترية الستة" التي ضاهت في براعتها وجمالها مؤلفات موزارت وهايدن، ومن ثم ألّف باليه "The Creatures of Prometheus"، التي تمتعت بشعبية جارفة. وبعدها ألف السيمفونية الثالثة التي تعتبر أعظم أعماله وأكثرها أصالة في ذات الوقت الذي كان فيه بيتهوفن يؤلف أعماله الموسيقية الخالدة والعظيمة، عاني من مشكلة صحية خطيرة حاول إخفاءها قدر الإمكان، إذ كان على وشك الإصابة بالصمم الكلي. وقد كشف بيتهوفن في رسالة بعثها إلى صديقه فرانز فيغلر سنة 1801 مدى تعاسته وحزنه بسبب حالته الصحية: "لا بد لي من الإقرار بأنني أعيش حياة بائسة للغاية، فقد امتنعت عن حضور المناسبات الاجتماعية على مدار العامين الماضيين، لأنه يستحيل عليّ إخبار الناس بأني أصمّ. لو كنت أعمل في مجال آخر، لواجهت عجزي عن السمع واحتملته، ولكنه عائق كبير في مجال الموسيقى". تمكن بيتهوفن بأعجوبة من مواصلة تأليف الأعمال الموسيقية بين عامي 1803 و1812، وعُرفت هذه الفترة باسم "الفترة البطولية"، ألف بيتهوفن خلالها 6 سيمفونيات، و5 رباعيات وترية، و6 سوناتات وترية، و7 سوناتات بيانو، و72 نشيدًا وأوبرا وحيدة هي "Fidelio". ولعل أشهر تلك المعزوفات "Moonlight Sonata"، وسوناتا الكمان "Kreutzer". ظل بيتهوفن متابعا على مدار السنوات الأخيرة من حياته تأليف الموسيقى، وتضمنت أعماله الكبيرة آنذاك كلًا من مقطوعة "Missa Solemnis"، والرباعية الوترية 14 "String Quartet No. 14"، فضلًا عن السيمفونية التاسعة التي انتهى من تأليفها سنة 1824 وتعتبر هذه السيمفونية العمل الموسيقي الأكثر شهرة لبيتهوفن، وخصوصًا المقطع الأخير منها الذي يغني فيه الكورال مقطعًا من قصيدة شيللر نشيد الفرح Ode to Joy" ورحل في 26 مارس سنة 1827، عن عمر ناهز 56 عامًا، وبيّن تشريح الجثة أن سبب الوفاة كان الإصابة بتليف الكبد، وبعد هذا العطاء اختتمت مسيرة هذا الموسيقار العبقري، الذي أذهل الجميع وأسعدهم بموسيقاه الرائعة التي ألفها وهو أصم.