تمتلئ محافظات الصعيد بالكثير من نماذج السيدات المكافحات، اللاتى يقاسين من الظروف الحياتية الصعبة، واللاتى لا يحملن أزواجهن فوق طاقتهم، وهو ما رصدته «البوابة» من خلال حالتين لسيدتين أقصريتين كافحتا من أجل تربية أبنائها وامتهنا مهنة صناعة الأقفاص وصناعة المقارص للإنفاق على أولادهن ومواجهة مصاعب الحياة. اسم على مسمى «أم صابر» تعيش فى مدينة الطود جنوبالأقصر، وتبلغ من العمر 67 سنة، ولديها 4 أبناء، أكبرهم لديه 30 سنة والأصغر 16 سنة، قررت التغلب على مشاق وظروف المعيشة الصعبة، بواسطة تصنيع «المقارص» من الورق والتى تشتهر فى الصعيد حيث يتم وضع العيش الشمسى عليها وتبيع للسيدات ب 2 جنية للقطعة، حيث تقوم بجمع الكتب والورق من أولادها وأولاد الجيران بعد انتهاء دراستهم لتصنع تلك المقارص. «البوابة» التقت «أم صابر» وكانت تجلس وسط كمية هائلة من الورق، فى وضع القرفصاء تارة، وتارة أخرى على ركبتيها وتقوم بعجن كمية من الورق، حيث قالت: «اشتغل فى مهنة صناعة المقارص منذ 25 سنة، والشغل مش عيب طالما بلاقى لقمتى أنا وولادى بالحلال يبقى الحمدلله على العيشة، وسعر القطعة بيبقى على حسب الزبون فهى من المفترض أن تباع ب 2 جنية خاصة بعد غلاء الأسعار ولكن هناك زبائن يفاصلون فى الثمن ويصرون على شرائها ب1.5 بالرغم من أننى أعانى كثيرًا فى صناعتها وأنا أقوم بجمع الكراتين والورق من الجيران وأحيانا اشترى أوراق ونفسى أعمل مشروع خاص بيا لأسترزق منه أنا بقبض معاش ضئيل لا يساعدنى فى مواجهة أولويات الحياة كما أن يدى لم تعد مثل السابق، وأصبحت تؤلمنى كثيرًا بسبب استخدامها فى صناعة المقارص ولكنى أحمد ربنا على كل شىء. جريد النخل العالى أما «ظريفة محمد جيلاني»، صاحبة ال57 عامًا والتى تعيش فى قرية الحلة بمركز إسنا جنوب محافظة الأقصر، داخل منزل متهالك لا يصلح للعيش الآدمى، لكنها لم تنحنِ أمام الفقر وظروف المعيشة القاسية، وبدأت العمل فى صناعة الأقفاص بالأجر منذ 26 عامًا، لتكسب قوت يومها وتنفق على أطفالها الأربعة. وتمثل كفاح «ظريفة» فى علاج زوجها وتربية أطفالهما حيث تزوجت فى سن مبكرة كمثيلاتها من بنات الصعيد بسن ال21 عامًا، ورزقت ب4 أطفال «بنتين وولدين»، وبعدها أصيب رب الأسرة بعد 8 سنوات من الزواج بفشل كلوى وتليف كبدى، حيث بدأت رحلة طويلة ومريرة مع المرض ومعها بدأت رحلة الكفاح بالعمل فى أكثر من مهنة شاقة، وآخرها صناعة الأقفاص من سعف وجريد النخيل، للمساهمة فى علاج الزوج وتربية الأطفال بعد أن تخلى عنها الجميع، ولم يمر عامان من مرض الزوج، حتى وافته المنية، وترك لها إرثا ثقيلًا من المسئولية تجاه الأطفال الأربعة، الذين عملت على تربيتهم داخل مسكن متهالك لا يصلح للاستخدام الآدمى، ليس به سقف أو دورة مياه، أو أثاث أو أجهزة، حيث تضع أدوات مطبخها فى ثلاجة معطلة. ورغم امتلاك ظريفة مهنة حرفية فإنها طوال هذه السنوات لم تستطع أن تمتلك مشروعًا خاص بها فى هذا المجال يدر عليها دخلًا، حيث تعمل لصالح تجار آخرين، بداية من السابعة صباحًا حتى حلول ظلام الليل، لتتقاضى أجرًا ضئيلًا على ذلك بقناعة ورضا تام. وقالت ظريفة: «تعلمت صناعة الأقفاص من جريد النخيل، الفقر والزمن علمونى الشغلانة الصعبة دى، وكان فيه واحد بيجيب لى الجريد، وأصنع القفص بنص جنيه، لحد ما غلى ل2 جنيه، والقفص الواحد بياخد منى ساعتين تلاتة شغل بيطلعلى فى اليوم من 20 ل35 جنيه، وبشتغل 14 ساعة، لأنى بصحى الفجر أخلص شغل البيت، وبعدين أشتغل فى الأقفاص لحد أدان العشاء، والحمدلله الشغلانة دى ساعدتنى فى تعليم أبنائى الأربعة، حصل ثلاثة منهم على الدبلومات الفنية، والأخير حصل على الشهادة الإعدادية وبتمنى الحصول على سكن مناسب لأنى بيتى سقفه من جريد وسعف النخل.