تنتمى أيقونة أنطونيوس الكبير إلى فئة الأيقونات التعظيميّة. فهى تصوّر القدّيس فى الوسط، وتروى فى مربّعاتٍ على الأطراف بعض ملاحم حياته، فالقدّيس أنطونيوس مصريّ، ولِدَ فى سنة 251 م، وعاش فى منطقة الفيّوم، وفيما يلى شرح مفصل لأيقونته على لسان الأب سامي حلاق اليسوعي. فى وسط الأيقونة، يظهر القدّيس أنطونيوس بهيئة شيخ نهش الزهد جلده، ولكنّه لم ينهش سلامه الداخليّ. يعتمر قلنسوة الرهبان، وعليها صليب، ويضع معطفًا أرجوانيًّا يظهر تحته ثوب أبيض بسيط مشدود بحبل الزهد، ويمسك عكّازًا بشكل حرف T هى عكّاز الشيوخ المعلّمين. من اليسار إلى اليمين، فى المربّع الأوّل، يظهر القدّيس أنطونيوس يوزّع ماله على الفقراء. وهو يظهر هنا بثيابٍ فاخرة، وذلك قبل لبسه المسوح وتوجّهه التدريجيّ إلى البريّة، والفقراء والأرامل يأتونه لينالوا منه الحسنات. فى المربّع الثاني، يظهر القدّيس أنطونيوس مستلقيًا فى قبرٍ، والشياطين تعذّبه. فبعد هجره الدنيا، وجد القدّيس قبرًا مهجورًا فأقام فيه. كانت القبور مغاور فى الجبال. لكنّ الرسّام اليونانيّ رسم القبر هنا شبيهًا بقبور بلاده الحجريّة، التى نراها فى آثارنا الرومانيّة وفى أيقونات دفن المسيح. تظهر الشياطين وهى تضربه، إشارةً إلى طبيعة التجارب التى تعرّض لها وهى تجارب الجسد، سواء الجوع والعطش، أو الشهوة الجنسيّة. فى المربّع الثالث، القدّيس أنطونيوس يواجه اضطهاد الشرّير واضطهاد المسيحيّين فى الإسكندريّة. ففى عهد مكسيميليانس دايا، عانى المسيحيّون فى هذه المدينة اضطهادًا شديدًا. فترك أنطونيوس الصحراء، وذهب إلى هناك ليشدّد جماعته ويثبّتهم فى إيمانهم. كما ذهب أنطونيوس مرّةً أخرى إلى الإسكندريّة لدحض بدعة آريس، التى تعتبر المسيح إلهًا من الدرجة الثانية، وليس كلمة الله الأزليّة. لذلك نجد فى هذا المربّع الشيطان يوجّه سهامه نحو القدّيس، وكذلك الفرسان، ووراءهم مجموعة غير مسلّحة، هى مجموعة الهراطقة، تنظر إليه. وفى العمود الأيمن، فى المربّع الأوّل، الشيطان يجرّب أنطونيوس بالثروة. حين هزم أنطونيوس غريمه الشرّير مرّاتٍ عدّة، قرّر أن ينتقل من الدفاع إلى الهجوم. وإذ قرأ أنّ الشيطان جرّب يسوع المسيح، رأى أنّ الشيطان يقيم فى الصحراء والأراضى المقفرة. فعزم على الذهاب إلى الصحراء ليقهر الشيطان فى عقر داره بالصلاة والصوم. وفى الطريق، وضع الشيطان له قرصًا من الفضّة، فلم يبالِ القدّيس به. ووضع له قرضًا من ذهب، فلم يبالِ أيضًا بالذهب. فى المربّع الثاني، يظهر شخص نصفه غزال يدعو القدّيس أنطونيوس لزيارة القدّيس بولس (بولا) أوّل المتوحّدين. فى البداية ظنّ القدّيس أنطونيوس أنّها خدعة من الشيطان. ولكنّ إلهامًا من السماء جعله يفهم أنّ هناك شخصا توحّد قبله، ويجب أن يتعرّف أنطونيوس إليه ليدوّن سيرته. كان بولا معتكفًا فى الطرف الآخر من سلسلة جبال البحر الأحمر، وغراب يحضر له فى كلّ يومٍ رغيف خبزٍ يقتات به. أما فى العمود الأيسر، فى المربّع الأوّل، الأبالسة تعيق أنطونيوس فى صلاته. كان القدّيس أنطونيوس يقضى الليل فى الصلاة. وحين يهمّ بالنوم ليريح جسده قليلًا، كانت الشياطين تصدر أصواتًا لتمنع عنه النوم، وتدعوه إلى الصلاة بدل النوم، كى يُرهق جسده، ويسقط فريسة الهلوسة والوساوس. فى المربّع الثاني، أنطونيوس يعظ تلاميذه ويكوّنهم. فقد شاع خبر تنسّك القدّيس أنطونيوس، وفاح عطر قداسته، فأمّه شبّان كثيرون أرادوا أن يقتدوا به، ويعيشوا عيشة الزهد مثله. فصار يجتمع بهم ويعظهم، ثمّ ينصرف كلّ واحدٍ منهم إلى منسكته للعمل والصلاة. وفى السطر الأسفل، من اليسار، القدّيس أنطونيوس يدفن الناسك بولا. فبعد زيارته لهذا الناسك وسماع سيرة حياته، أخبره بولا بأنّه يشعر بإلهامٍ داخليٍّ يقول له إنّه سيلاقى ربّه قريبًا. وعاد أنطونيوس إلى منسكته، وأحضر أكفانًا، لأنّ بولا كان يلبس لحاء شجر النخيل. وحين وصل وجده ميتًا. وحيث إنّ أنطونيوس كان شيخًا لا يقوى على حفر القبر، أرسل الله إليه أسدَين حفرا القبر بمخالبهما، فصلّى عليه ودفنه. فى الوسط، القدّيس أنطونيوس يعطى توصياته الأخيرة لتلاميذه قبل وفاته. شعر القدّيس أنطونيوس باقتراب نهاية رحلته على هذه الأرض، فجمع تلاميذه وأوصاهم قال: «اجتهدوا كى تتّحدوا بالله أوّلًا، ثمّ بقدّيسيه، فيستقبلونكم بعد موتكم كأصدقاء معروفين فى الأخدار السماويّة». على اليمين، التلاميذ يدفنون القدّيس أنطونيوس. فقد توفّى وعمره 105 سنوات قضى منها خمسًا وثمانين سنة فى حياة الزهد والتنسّك.