يعترف الأمريكيون مبدئيا بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي في كلمته بمنتدى "سابان"، حينما قال إنه يفهم أن الإيرانيين سيخصبون اليورانيوم حتى بعد التسوية الدائمة. وتحاول تل أبيب وضع شروط متصلبة جدا قبيل التسوية النهائية مع إيران، ومنع انهيار نظام العقوبات الحالي على طهران، وإحباط الاندفاع الغربي والآسيوي نحو صفقات كبرى معها، كاستئناف إنشاء خطوط الطيران الأجنبية، وصفقات النفط، فالروس يتحدثون - علنا تقريبا - عن صفقة نفط عظمى مع إيران تنهي العزلة الاقتصادية ل "طهران"، فإذا لم ينجح رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في مسعاه فإنها ستتحطم، وعندها لن يضطر الإيرانيون إلى الوصول إلى تسوية نهائية، لأنهم سيكونون قادرين على البقاء أينما يريدون، سواء على الحافة أو كدولة نووية مع ما يكفي من اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي من الجيل الثاني التي ستكون قادرة على صناعة القنبلة النووية بمجرد صدور الإشارة من زعيم نظام الملالي. وتتوقع إيران انتصارا كبيرا آخر، لكن هذه المرة في سوريا، فقد كادت طهران تنجح في تضليل الأسرة الدولية حين دعيت إلى مؤتمر "جنيف 2" حول موضوع سوريا، وعمل الأمريكيون والأوربيون على إقناع الأمين العام "بان كي مون" بأنهم خدعوه، فلما سحب الدعوة ردت إيران ب "أنتم الخاسرون"، وكشفت الصحيفة عن دهاليز "جنيف 2"، حيث قالت إن الشرط الأساسي للمشاركة في المؤتمر هو الموافقة على بنود "جنيف 1"، والتي تتضمن بناء حكومة جديدة في سوريا. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة على أنه حصل على وعد بموافقة وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف"، فعندما تمّ تقديم دعوى حضور مؤتمر "جنيف 2" إلى طهران، صمتت ولم تعلن عن تأييدها لبنود "جنيف 1"، وتبين أن وعود "ظريف" كانت وهما، وفي المقابل أعلنت المعارضة السورية مقاطعتها للمؤتمر إذا حضرت إيران، فغضبت أمريكا من تصرف "كي مون" وأجبرته على أن يسحب دعوته، أما بالنسبة لإيران التي قالت "أنتم الخاسرون" فزعماؤها يسيطرون على دمشق، ودونهم لن يوجد نظام سوري، وبتكليف منهم أعلن بشار الأسد - هذا الأسبوع - أنه ليست لديه أيّة نية لترك كرسيّه، وأنه سيترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة نزولا على الرغبة الشعبية السورية، وأصبح الغرب يرى الحقيقة فجأة، فبعد أن ضعفت المعارضة السورية وذابت، بعد الصعود المخيف لكتائب النصرة وباقي المنظمات المتطرفة في سوريا، فلم يعد يبدو "الأسد" خيارا سيئا في سوريا، فقبل سنة كانت أمريكا تدعو في كل مؤتمر إلى الإلقاء بالأسد، أما اليوم فهي تريد "تسوية" في سوريا ولو حتى مع وجود الأسد الذي لا تزال تراه غير شرعي. أما بالنسبة لسوريا، فالفظائع هناك أصبحت عادية، والخطاب أصبح واقعيا وباردا في ضوء القيادة العاجزة والهزيلة للثوار، فمن الصعب رؤية حلّ في سوريا يشطب النظام السوري الحالي، هذا انتصار كبير للإيرانيين، هذه حرب باردة تجري على مستويين متوازيين ومتداخلين: السعودية ضد إيران، وروسيا ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية، سوريا هي ميدان القتال، والطرفان - وربما الأربعة - تعبوا، وسيقاتلون حتى آخر قطرة دم للسوريين.