وقعت هذه القضية لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح، فأقامت “,”قريشًا“,” وأقعدتها، لأن صاحبتها كانت من أشرافهم، فأعظموا أن يقام عليها حد السرقة. ولكن الإسلام لا يفرق في الحدود بين شريف ووضيع، ولا يتهاون في ذلك كما تهاونت الأمم قبله، فطغى بذلك شرفاؤهم، وكان ذلك سببًا في هلاكهم. وصاحبة هذه القضية هي “,”فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم“,”، وبنو مخزوم من أشرف بطون قريش، وكانت فاطمة بنت أخي “,”أبي سلمة بن عبدالأسد“,”، وهو زوج “,”أم سلمة “,” قبل النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت “,”فاطمة بنت الأسود“,” تستعير المتاع ثم تجحده، إلى أن صار بها ذلك إلى السرقة، فلما كان عام الفتح سرقت قطيفة من بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فيها حلي، فأتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم، وثبتت عليها السرقة عنده. فأكبرت قريش أن تقطع يد هذه المرأة في السرقة، وعملوا كل ما في وسعهم ليحولوا بينها وبين إقامة الحد عليها، وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يفدونها، فقالوا له: “,”نحن نفديها بأربعين أوقية“,” وكانوا حديثي عهد بالإسلام، فظنوا أن الحد يسقط بالفدية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “,”تطهر خير لها“,”. فلما رأت “,”فاطمة“,” ذلك عاذت إلى النبي صلى الله عليه وسلم “,”بأم سلمة“,” وابنها “,”عمر“,”، وكان ربيب النبي صلى الله عليه وسلم. فذهب “,”عمر بن أبي سلمة“,” إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: “,”أي أبه إنها عمتي!“,”. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “,”لو كانت “,”فاطمة“,” بنت “,”محمد“,” لقطعت يدها“,”. فلما رأت “,”قريش“,” ذلك قالوا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجتريء عليه إلا “,”أسامة“,” حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذهبوا إلى “,”أسامة“,” فكلموه في أن يشفع ل“,”فاطمة“,” عند النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب “,”أسامة“,” إليه، فلما رآه تغير وجهه وقال له: “,”أتشفع في حد من حدود الله“,”؟ ثم جمع النبي صلى الله عليه وسلم الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم خطب فيهم فقال: “,”يأيها الناس، إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن “,”فاطمة بنت محمد“,” سرقت لقطعت يدها“,”. ثم أمر ب“,”فاطمة بنت الأسود“,” فحضرت، فقال لبلال: قم يابلال فخذ بيدها فاقطعها“,”. فلما قطعت يدها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل لي من توبة يارسول الله؟.. فقال لها “,”أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك“,”. وقد تابت “,”فاطمة“,” بعد ذلك فحسنت توبتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرحمها ويصلها، ولا يذكر ما كان من سرقتها، لأن التوبة في الإسلام تمحو الذنب، ومن العلماء في الإسلام من يرى أن المذنب التائب أفضل عند الله ممن لم يُذنب، لأنه قاوم نفسه وجاهدها حتى طهرها من الذنب، فكان له فضل هذا الجهاد على من لم يذنب.