أُقيمت بقاعة المجلس الأعلى للثقافة الرئيسية، ظهر اليوم الأربعاء، الجلسة العلمية التاسعة عشرة وعنوانها: "بناء الإنسان والصراع حول الهوية"، وذلك استكمالًا لفعاليات "المؤتمر الدولى للتنمية الثقافية المستدامة وبناء الإنسان"، الذى أطلق فعالياته المجلس الأعلى للثقافة صباح أمس الأول، بأمانة الدكتور سعيد المصرى، وتحت رعاية الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة. وقد أدار النقاش سمير مرقص، وتحدث خلالها نخبة من الباحثين المتخصصين؛ فقد شارك كل من: سمير عبدالرحمن وجاءت ورقته البحثية بعنوان: "الهوية وعوامل تصدعها"، حيث أكد أن الهوية هى التعبير عن وحدة المشاعر الداخلية للإنسان تجيب عن أسئلة مهمة ومحورية متعلقة بالكينونة والوعود والوعى وأحاسيس الانتماء إلى الأمة والمجتمع والجماعات الاجتماعية، فالهوية ليست ثابتة، بل متغيرة من زمن إلى آخر وتتبدَّل أولويات وأنماط الهوية، وللهويات عناصر شتى، تتمثل فى التالى: النسب، اللغة، الدين، الجغرافيا، الثقافة، التاريخ، المنافع الاقتصادية، التراكيب النفسية، الذهنية والوعى والسلوك، القيم المادية والروحية، النظم والعلاقات الاجتماعية. فيما تحدث على عبدالهادى المرهج، حول موضوع ورقته البحثية وعنوانها: "الأنا والآخر وتنامى صراع الهويات الفرعية"، موضحًا أن صورة الآخر ليست الآخر، حيث إن صورة الآخر تُعد بناء فى الخيال وفى الخطاب؛ لذلك فمفهوم الذات الآخر من اختراع الذات، لا بمعنى إنكار وجوده الواقعى، وإنما وجوده هو وجود تصورى" من وحى المُخيلة "مُخيلة الأنا". ثم واصل حديثه مؤكدًا أنه من النادر القليل أن ترى الذات الآخر خيارها الإيجابى فى الوجود وفى التكامل المعرفى، وأغلب الأمم تعانى من تضخُم النظرة للذات "القومية" أو "الوطنية" أو "الدينية"، وتحصيل الحاصل "الطائفية"، وكلما ازدادت الذات تضخمًا، ازداد حضور الآخر، فى الغالب سلبًا، إن كان هذا الآخر مغايرًا للذات فى المعتقد الأيديولوجى أو الدينى أو الطائفى، ويكون الحضور إيجابيًا فى حال كان هذا الآخر متماهيًا مع مقولات الأنا المُتضخمة أو مدركًا لسيكولوجيتها االمَرضِية القائمة على النظر إلى الذات بوصفها أكثر نقاءً فى الأصل "الوجود" وفى "المعرفة" وإدراكها لمرحلة "اليقين"، واختتم مضيفًا أنه ربما يكون هذا الفارق المعرفى أحد أسباب الرفض لا القبول للآخر، لمعرفتنا باختلافنا وافتراقنا فى الرؤية والمنهج، أما فى جهلنا للآخر ففيه قصد واضح وإمعان فى الرفض، فليس من ثقافتنا قبول المُعارض، وليس منا من كان مخالفًا لنا فى الرأى والمُعتقد. ثم تحدث نبيل سليمان، الذى حملت ورقته عنوان: "الإثنية والطائفية كصدوع هوياتية فى سوريا"، حيث أكد أن موضوعها يدور حول الإشكالات السياسية وبناء الهُوية الوطنية، وكذلك التجاذب فى سوريا بين الهوية المتصدعة فى زمن ما بعد الكولونيالية وبين الفسيفساء المجتمعية كتعبير عن التفاعل والإثراء، وكذلك سؤال الهُوية فى عصر النهضة حتى ظهور الكيان الدولتى السورى: اشتباك عناصر اللغة "التتريك" والدين "الإسلام" والفكرية القومية الغربية. حيث أن مراحل بحثه، تتلخص فى إعلان الغرب للكيان السورى بعد الحرب العالمية الأولى "اتفاقية سايكس وبيكو- 1916". ثم تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية، من الهويات الكبرى: العثمانية، الإسلامية، القومية العربية إلى الهويات الفرعية: الإثنية، وهى: "الأكراد – الشركس – الآشوريين – الأرمن"، والطائفية المتمثلة فى: "العلويين – الدروز – المسيحيين". حيث أن تبلور التيارات الفكرية والسياسية، هو ما يرسم مستقبل سوريا عبر الاتجاهات المختلفة مثل: القومية السورية والقومية العربية وكذلك الإخوان والشيوعية. وفى مختتم حديثه تناول التجاذب فى سوريا بين الهُوية الوطنية وبين ما بعد الهوية، بين الدولة وما بعد الدولة، بين التباب والبدد، وبين النهوض كدولة ديموقراطية، من إعادة بناء الهوية الوطنية على أساس عقد اجتماعى جديد، وليس فقط كمراجعة لسياسات الهُوية الوطنية.