منذ أيام قليلة وخلال معرضها العسكرى «إيديكس 2018» فاجأت مصر المختصين والمهتمين بالشئون العسكرية بامتلاكها منظومة من الأسلحة النوعية، وصناعتها للعديد من أدواتها وقذائفها وأجهزتها، ومنها الرادار المصرى الجديد Esr-32 الذى كان مفاجأة بذاته، وعلى هامش هذه الفعالية جرى الإعلان عن أن مصر بصدد الإعداد لمشروع الصناعة فى هذا المجال سيجرى تقديمه للدول العربية. ومع أن الموضوع لم يحظَ بردود أفعال إعلامية بالنظر إلى ما يشغل الرأى العام العربي من أزمات متفجرة، كما هو الحال فى سوريا واليمن وليبيا، إلا أن هذا الموضوع له أهمية حيوية واستراتيجية، وهى قضية عربية ترتبط بالمصير والحقوق العربية. فى هذا الشأن كان ميثاق الجامعة العربية أكد على «تعاون الدول المتعاقدة فيما بينها؛ لدعم مقوماتها العسكرية»، وعلى هذا الأساس أطلقت فى غضون العقود المنصرمة العديد من المشروعات والمحاولات الرامية إلى إقامة صناعة عسكرية عربية، لكنها لم تتحول إلى نتائج فعلية، والأسباب كثيرة وعديدة، لعل أبرزها القصور العربى عن قدرة الفصل بين الخلافات السياسية العابرة والآنية، وبين القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية والتاريخية والمصيرية. إن أهمية وجود مشروع صناعة عسكرية عربية لا يمكن أخذه فى سياق سباق التسلح، بل للضرورة والحاجة الملحة لتوازن التعامل مع الغير، وفق المصالح المشتركة، وتأمين المصالح والحقوق العربية. ولعل ما يزيد من هذه الأهمية ما بات عليه الوضع العربى من استباحة أطراف دولية تتداعى على المصير العربى بأسره، فى هذا الشأن يمكن الإشارة إلى الآتي: أولًا: تنفق الدول العربية مبالغ باهظة وهائلة من أموالها لشراء السلاح. واللافت أن قوة ومتانة علاقة الكثير منها مع الأطراف الدولية يرتبط بهذه السوق، التى تحولت إلى مقبرة للأموال العربية، والإشكالية فى هذا الشأن ليست مقصورة على حجم الأموال؛ لأن أحدًا لن يقدم هبة مجانية، ولكن ارتباط هذه التجارة بما يعرف بالشروط، وهى تصير أقرب إلى ضغوط ابتزازية، وإلى حالة رمادية قابلة لغير تصنيف ومنها التبعية. ثانيًا: تحول هذه العملية من مسألة تجارية إلى سلعة ابتزازية، ولعل الأيام الأخيرة التى تعرضت خلالها المملكة العربية السعودية إلى حملات وضغوطات على خلفية مقتل الصحفى جمال خاشقجى بإيقاف صفقات أسلحة مع دول عديدة، بدت كما لو أن العرب ليسوا فقط فاقدى السياسة فى الشأن العسكري، بما يؤمن سيادتهم، بل وإلى ذلك يدفعون ثمن التطاول والتدخل فى شئونهم وقراراتهم السيادية. لقد زاد الشيء على حده فى السباق العربى لشراء الأسلحة، لا بما يهدر من مال وحسب، بل تحوّلت هذه المسألة إلى عقدة تتزايد وطأتها مع استغلالها من قبل دول وشركات لا يهمها بأى قدر المصالح والحقوق العربية. بالطبع لا أحد يطالب بالوقف الفورى تجاه شراء الأسلحة، فالحاجة ستبقى قائمة، ولكن ما هو مطلوب هو سياسة عربية فى هذا الشأن، وفى الأولوية الشروع فى إرساء قواعد ومقومات الصناعة العسكرية العربية. هنا لا بد من الإشارة إلى أن تكاليف الإنتاج قد تفوق تكلفة الشراء، بيد أن الإنفاق فى هذه الجبهة يصير أقرب إلى الاستثمار، بالنظر إلى كون وجود الصناعة ذاتها يمثل مكسبًا، ناهيك عن أهميتها على الحقوق والمصالح والسيادة العربية. نعم، لقد تأخر العرب فى إطلاق المشاريع العربية، لكن مشروع مصر المتوقع طرحه على الدول العربية يتجاوز تلك الحال العربية غير الإيجابية، وهو فى نفس الوقت لا يخاطب المشاعر بالأماني، بل إن إطلاق هذا المشروع جاء فى زمانه من حيث: أولًا: وصول الهروب العربى إلى حائط الردع لإعادة الاعتبار للمشروع العربي؛ لمواجهة التحديات والمصاعب التى تواجهها الأمة العربية. ثانيًا: بات مشروع الصناعة العسكرية العربية ليس حلمًا بل ممكنًا، وإذا ما أشرنا إلى القدرات الصناعية العسكرية المصرية، فإنها توفر الدليل على الإمكانات المتوفرة، والمطلوب فقط استغلالها وتوظيفها بصورة فعالة ومجدية. إن لدى العرب ليس الأموال وحسب، بل والثروات الأخرى والكفاءات من العلماء، ولا يمنع هذا الاستفادة من خبرات الأصدقاء والمختصين الأعلم بالمفاتيح وإقفال هذا الباب الذى يتعين على العرب دخوله. نقلًا عن «الخليج» الإماراتية