سفيرة مصر بالبحرين: إقبال جيد فى المرحلة الثانية لانتخابات النواب    خبير تربوي يضع روشتة لوقف حالات التعدي على الأطفال بالمدارس    الجالية المصرية بإيطاليا تشارك فى المرحلة الثانية بانتخابات مجلس النواب    السفير المصري بنيوزيلندا: انتخابات النواب تسير بسهولة ويسر    السفير المصري بنيوزيلندا: انتخابات النواب تسير بسهولة ويسر    تشغيل تجريبي لمجزري الهو والحبيل بمحافظتي الأقصر وقنا    انقطاع المياه عن قرية أشمنت وتوابعها ببنى سويف غدا    بنك كريدي أجريكول يتصدر قيم التداول بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    لقاءات إعلامية لوزير الخارجية على هامش المشاركة في قمة مجموعة العشرين    ملايين الأسر فى بريطانيا تواجه ارتفاع فواتير الطاقة الشهر الأكثر برودة    واشنطن تهدد أوكرانيا بقطع الأسلحة وتحدد موعدا نهائيا لتوقيع اتفاق إنهاء الحرب    الحكومة الفرنسية: أطفالنا لن يذهبوا للقتال والموت فى أوكرانيا    توروب: "أعرف تاريخ الأهلي وضغوط تدريبه"    جوارديولا: منافسة أرسنال صعبة في هذه الحالة.. والجميع جاهز    فليك: ميسي أفضل لاعب في العقد الأخير.. وتدريبه ليس من اختصاصي    كاف يدرس تعديل آلية التصويت في جوائزه لهذا السبب    إصابة رجل من الحماية المدنية في حريق شقة سكنية ببرج بالمنصورة    بعد إحالته للجنايات.. تفاصيل 10 أيام تحقيقات مع المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    طفلان يرتكبان جريمة بالأسكندرية.. الداخلية تكشف التفاصيل| فيديو    غلق كوبرى شمال طرة مساء لمدة 15 ليلة واستحداث تحويلات مرورية جديدة    مشهد مُخيف بالعثور على سحر ضد عروسين في الأقصر    وزير الثقافة: بروتوكول التعاون الموقع مع كوريا الجنوبية خطوة لتعزيز الشراكة    أكرم القصاص: المشاركة فى المرحلة الثانية من انتخابات النواب ستكون أفضل    تعرف على أذكار المساء ليوم الجمعة.. لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير    ردد الآن| ساعة الاستجابة يوم الجمعة وأفضل أوقات الدعاء    سانوفي تطلق دواء ساركليزا بمصر لتمنح مرضى سرطان المايلوما أملا فى العلاج    "الخدمات البيطرية" تحصن 1.5 مليون طائر بالمحافظات خلال أكتوبر    وزيرة التخطيط: ملتزمون بتمكين المرأة اقتصاديًا بما يتماشى مع رؤية مصر 2030    في عيد ميلادها| قصة أغنية "حبيتك بالصيف" التي تحولت إلى اعتذار رومانسي من عاصي لفيروز    «المقاولون العرب» تُتوّج ب 6 جوائز من «ميد» على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    «الدواء المصرية» تحذر من عبوات مجهولة من مستحضر «Entresto» لعضلة القلب    علاج 3652 مريضا فى 3 قوافل طبية لخدمة أهالي برج العرب    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال بنجلاديش إلى 5 قتلى ونحو 100 مصاب    انتخابات مجلس النواب 2025.. مشاركة واسعة للجالية المصرية بالمغرب في المرحلة الثانية    دوري أبطال إفريقيا.. محمد الشناوي: جاهزون لمواجهة شبيبة القبائل ونسعى للفوز باللقب    زيلينسكي يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة فساد كبرى    يوسف شاهين الغائب الحاضر في مهرجان القاهرة السينمائي    تعاون جديد بين هيئة الكتاب ومكتبات مصر العامة لتوسيع إتاحة الإصدارات في القاهرة    جامعة بنها وحياة كريمة ينظمان قوافل طبية وتوعوية بقرية الجلاتمة بمنشأة ناصر    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    إصابة 4 أشخاص بطلقات نارية في مشاجرة بين عائلتين بقنا    قائمة بنوك تتلقى رسوم حج القرعة 2026.. اعرف التفاصيل    وصول حكام مباراة الزمالك وزيسكو إلى القاهرة    أسعار الفراخ والبيض اليوم الجمعة 21 نوفمبر 2025    الاتحاد السكندري يقترب من استعارة يوسف أوباما من بيراميدز في الميركاتو الشتوي    بورسعيد الأعلى، جدول تأخيرات السكة الحديد اليوم الجمعة    "المهن التمثيلية" تحذر من انتحال اسم صناع مسلسل "كلهم بيحبوا مودي"    وفاة القمص توماس كازاناكي كاهن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بالإسماعيلية    أهلي جدة يستضيف القادسية لمواصلة الانتصارات بالدوري السعودي    إنشاء محطة الصب الجاف النظيف بميناء الدخيلة.. صور    فيديو| ضحايا ودمار هائل في باكستان إثر انفجار بمصنع كيميائي    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر أسلحة ثقيلة وصواريخ على سواحل الكاريبي ردا على تحركات عسكرية أمريكية    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    خاص| عبد الله المغازي: تشدد تعليمات «الوطنية للانتخابات» يعزز الشفافية    المتحف المصري يفتح أبوابه لحوار بصري يجمع بين العراقة ورؤى التصميم المعاصر    هل التأمين على الحياة حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    هل عدم زيارة المدينة يؤثر على صحة العمرة؟.. أمين الفتوى يوضح بقناة الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد الأوروبي في مهب الريح
نشر في البوابة يوم 21 - 12 - 2018

من الواضح أن كتلة الاتحاد الأوروبى ستواجه خلال عام 2019 الكثير من الأسئلة المصيرية المربكة، التى ستمتد من انكفاء ألمانيا وفرنسا إلى الداخل بسبب عمق الأزمات الاقتصادية والسياسية المستمرة فى البلدين. مرورًا بمصير علاقتها بالمملكة المتحدة بعد خروجها من كتلة الاتحاد فى فبراير المقبل، ووصولًا إلى علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية. فالعواصف السياسية المتلاحقة التى تهبّ على أوروبا تنذر بالمزيد من الاضطراب وتذكّر بمرحلة ما بين الحربين العالميتين ومآلاتها المعروفة. وفِى هذا الوقت تبدو إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب سعيدة بهذا التفكك الذى تراهن عليه كى يتم تطويع الحلفاء تحت راية واشنطن. أما الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى بدأ منذ عام 2008 التقدم فى الجوار الروسى، فيرمق الاتحاد الأوروبى لجذب بعضه مراهنًا على شعبويين ووطنيين أكثر حماسًا للتعاطى مع موسكو. أما الصين البعيدة فتخترق الاتحاد الأوروبى من شرقه إلى البرتغال تحت لافتة «طرق الحرير الجديدة». إنه نوع من دومينو عالمى جديد تصبح فيه أوروبا الحلقة الأضعف ضمن التوازنات الدولية، والقطب الخاسر ضمن نظام دولى متعدد الأقطاب يمكن أن ينبثق يومًا من رحم مرحلة التخبط الحالية والفوضى الاستراتيجية التى تسودها. فمن ناحية ستغرق فرنسا، على الأرجح، خلال العام المقبل فى قضاياها المحلية، الأمر الذى سيحد من تأثيرها على شئون القارة الأوروبية. كذلك ستنزاح الاتجاهات السياسية الرئيسية فى ألمانيا أكثر نحو اليمين واليسار، بينما سيتم تفريغ الوسط الأكثر اعتدالًا. كما أن الصراع داخل الحكومة هناك سيقلل من فعاليتها وقد يفضى إلى انتخابات مبكرة. ومن شأن إجراء تصويت جديد فى هذه الظروف أن يفرز برلمانًا منقسمًا، ويؤدى إلى تعقيد محادثات تشكيل حكومة ائتلافية، ما سيؤدى إلى مزيد من تقليص الدور القيادى لبرلين فى الاتحاد الأوروبى. بالتأكيد هذا الانكفاء نحو الداخل من قبل كلٍ من برلين وباريس سيؤثر سلبًا على قضايا تهم الاتحاد مثل التطلع إلى فتح أسواق تصديرية جديدة فى آسيا. أو إكمال المفاوضات مع كتلة ميركوسور فى أمريكا الجنوبية أو حتى المحادثات مع أستراليا ونيوزيلندا.
وقد برزت فى الأيام الأخيرة أزمات حادة طالت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الدول الرئيسية فى الغرب الأوروبى. واتضح كم أن البريكست الذى هزّ الاتحاد الأوروبى يهزّ اليوم أكثر المشهد الداخلى البريطانى، وتبيّن أن الطموح الأوروبى للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أخذ يتبدد تحت وطأة حركة «السترات الصفراء». ومع تعيين خليفتها على رأس الحزب الديمقراطى المسيحى أخذ يخبو نجم أنجيلا ميركل التى رافقت صعود وانتكاس الاتحاد الأوروبى، وبالإضافة إلى هذا الاهتزاز الداخلى يبدو الاتحاد قطبًا محاصرًا بين كماشة أحادية دونالد ترامب واختراق فلاديمير بوتين. وهكذا ترتسم سنوات عجاف بالنسبة للفكرة الأوروبية التى تتعرض لتسونامى الصعود الشعبوى، وكذلك لإمكانية انعكاس الأزمات الداخلية والتفاوت الاجتماعى الحاد على ديمومة الاتحاد الأوروبى بحد ذاته إذا لم يظهر مشروع نهضوى ينقذ الاتحاد من كبوته.
ومن المتوقع ألا يوقع الاتحاد اتفاقية تجارة حرة شاملة مع الولايات المتحدة فى عام 2019، لكنه سيكون مستعدًا لمناقشة اتفاق أكثر تواضعًا يشمل السلع الصناعية. وستكون بروكسل أيضًا منفتحة على الحديث عن إزالة بعض الحواجز غير الجمركية أمام التجارة. كذلك ستحاول الكتلة إقناع الولايات المتحدة بالتراجع عن فرض تعريفات أعلى على السيارات المنتجة فى الاتحاد الأوروبى. فإذا رفض البيت الأبيض واتجه إلى رفع التعريفات الجمركية، سيكون على الاتحاد الرد بتدابير مضادة. وفى الوقت نفسه، سيحاول الاتحاد إبقاء الولايات المتحدة منخرطة فى محافل دولية متعددة الأطراف، مثل منظمة التجارة العالمية، وسيتعاون مع البيت الأبيض فى ضغوطه على الصين بالنظر إلى قضايا مثل دعم الدولة وقيود الاستثمار الأجنبى.
من جهة أخرى، ستنظر بروكسل إلى بكين بوصفها قوة موازنة للولايات المتحدة. لكن الاقتصادات الكبيرة مثل ألمانيا وفرنسا ستقاوم اختراق الصين لأوروبا -خاصة فى المجالات الحساسة مثل التكنولوجيا والبنية الأساسية- فى حين سترحب الدول الصغيرة بالاستثمار الصينى كفرصة لتعزيز اقتصاداتها. وكلنا نذكر فى بدايات القرن الحادى والعشرين كان الاتحاد الأوروبى يعتبر نموذجًا للرخاء الاقتصادى والاندماج وواحة سلام بعدما حفل القرنان السابقان بحروب إقليمية وعالمية دامية. وكان اليورو العملة الموحدة من التجارب النادرة فى التاريخ. لكن منذ الأزمة المالية العالمية فى عام 2008 بدأ خط تراجعى فى مسار العمل الأوروبى المشترك وصل إلى البريكست فى 2016. ومما لا شك فيه أن الذى ساعد، أو دفع، إلى بلورة هذا الواقع مناخات الفوضى الاستراتيجية فى العالم وفى القلب منها انعكاسات الصعود الروسى وأزمات اللجوء والهجرة والأحادية الترامبية.
وأدى هذا الوضع إلى تراجع الفكرة الأوروبية وصعود قوى شعبوية من خارج المؤسسات فى عدة دول منها إيطاليا والنمسا والمجر والتشيك وبولندا، مع ما يعنى ذلك من تهديد لكل المشروع الأوروبى خاصة أن قوى مماثلة من أقصى اليمين والشعبويين تسجل حضورًا أكبر من ألمانيا إلى هولندا وفرنسا وغيرها، وستكون لحظة انتخابات البرلمان الأوروبى فى مايو 2019 اختبارًا حقيقيًا يضع الاتحاد الأوروبى على المحك.
ولذا يأتى حراك «السترات الصفراء» فى وقت غير مناسب للمشروع الأوروبى، إذ لا يعنى رفضًا لخطوات ماكرون الإصلاحية فى الداخل فحسب، بل يشكل كذلك تعطيلًا أو إعاقة لاندفاع ماكرون الأوروبى.
وقد بدا المشهد الأوروبى مربكًا فى الأسابيع الأخيرة، وأخذت أوروبا تتحول من الواحة الأكثر استقرارًا فى العالم إلى موجة احتجاج عارم فى فرنسا، وحقبة ميركل التى أخذت تنتهى، وإيطاليا التى تلعب لعبة خطرة مع الاتحاد الأوروبى. بينما تقوم روسيا بمواجهة أوكرانيا، وتخرج بريطانيا من الاتحاد الذى يستنزفه الصعود الشعبوى الرافض له.
وما يثبت المنعطف الحرج للاتحاد الأوروبى مدى تربص دونالد ترامب الذى لم يخف إرادته النيل من الاتحاد الأوروبى فى ظل التنافسية المحمومة لعولمة تتصدّع، أما الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فتبيّن نشاطات أنصاره على وسائل التواصل الاجتماعى الرغبة الروسية فى تفتيت الوحدة الأوروبية لصالح شعبويين ووطنيين يسهل على روسيا التعامل معهم.
بالرغم من كل الاستهداف الدولى (بعضه مشروع فى سياق حروب الإرادات والصراعات الاقتصادية) يبقى العاملان الداخلى والأوروبى هما العاملان الأساسيان فى نكسة الاتحاد الأوروبى. وكان من اللافت أن الرئيس إيمانويل ماكرون، الأوروبى الهوى، امتنع عن التطرق إلى مشروعه الأوروبى فى خطاب ال13 دقيقة الموجه إلى الشعب الفرنسى فى الأسبوع الماضى بهدف الرد على التمرد الاحتجاجى، وتفسير ذلك يكمن فى أن إجراءات ماكرون لامتصاص الغضب والتى تكلّف حوالى عشرة مليارات يورو تعنى عدم قدرة باريس على احترام السقف الذى وضعته المفوضية الأوروبية فى بروكسل، حيث لا يسمح بزيادة العجز فى الميزانية الداخلية 3 بالمئة من الناتج القومى. وأبعد من ذلك يقوض هذا الخرق الفرنسى مشروع الرئيس ماكرون الذى كان يدافع عن فكرة إنشاء ميزانية خاصة لمنطقة اليورو فى سياق مشروعه الأوروبى المترنّح. ومن ناحية أشمل يتوجب بشكل ملح على الاتحاد الأوروبى أن يحاول ولو بشكل جزئى الرد على تناقض مؤذ بين سوق أوروبية داخلية وحدود مفتوحة مع استمرار اقتصاديات وقدرات شرائية متفاوتة ومتنوعة تحت هذا السقف. وكل هذا يقلل من شعبية الفكرة الأوروبية الملازمة للتقشف أو البطالة عند فئات واسعة من دون نكران دورها فى الاستقرار والازدهار فى آن معًا.
اعتقد البعض فى أوروبا باستتباب الأمور ونهاية التاريخ عند نهاية الحرب الباردة وداعبهم الوهم بأن الوحدة الاقتصادية وتوسيع الاتحاد ليصبح أقرب إلى أمم متحدة مصغرة مع بعض البعدين السياسى والعسكرى كفيلان بتحصين القارة العجوز من أنواء التحولات العالمية. ولهذا لم تجد فكرة إيمانويل ماكرون عن «الجيش الأوروبي» التجاوب المطلوب من الشريك الألمانى فى المقام الأول، إذ صدرت أصوات من برلين للمطالبة بتقاسم فرنسا مع الاتحاد الأوروبى مقعدها الدائم فى مجلس الأمن الدولى، وإعادة النظر فى ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية. وهكذا فإن خطوة ماكرون من أجل الاستقلالية الاستراتيجية سقطت ليس بسبب إدانة ترامب لها فحسب، بل نظرًا لتأرجح المحور الفرنسى- الألمانى الأساسى فى البناء الأوروبى ولأن الإرادة السياسية غير متوافرة لتحويل أوروبا إلى قطب سياسى وعسكرى يدافع عن تقدمها الاقتصادى ودورها الجيوسياسى.
باختصار، عام 2019 يحمل الكثير من العقبات التى تخصم من رصيد القوة الشاملة للاتحاد الأوروبى باعتباره أحد أهم القوى الرئيسية، التى تؤثر على العالم. ولا شك أن السؤال الرئيسى الذى تثيره هذه التطورات، هو محاولة التعرف على حدود التأثيرات المتوقعة لها على عالمنا العربى الذى يمر كذلك بمرحلة حرجة من تاريخه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.