من زامبيا، أطلقت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية تحذيرا مدويا بأن الديون عادت مجدداً لتزحف ملتفة حول عنق قارة أفريقيا. موضحة أنه على مدار السنوات الست الماضية، أصدرت حكومات بلدان جنوب الصحراء الأفريقية سندات دولارية بقيمة 81 مليار دولار على مائدة مستثمرين متعطشين لأنها ستدر عليهم عوائد سخية، وعلى رأس تلك الديون تأتي قروض مشتركة وثنائية، وصفتها المجلة بأنها "أكثر غموضاً وظلامية"، إذ أن كثيراً منها مرتبط بالصين وبمشروعات إنشائية كبرى. وتقول "الايكونوميست" إن مخاطر أزمة الدين تتصاعد بصورة ملفتة للنظر، فالدين العام قفز معدله إلى أكثر من 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في نصف بلدان منطقة جنوب الصحراء الأفريقية.. فلكم أن تتخيلوا أن دولة مثل زامبيا، القابعة جنوب الصحراء الأفريقية، التي كان بوسعها في عام 2012 الاقتراض بتكلفة أقل كثيراً من إسبانيا، قفزت عوائد السندات فيها في الوقت الراهن إلى أكثر من 16 في المائة، ما يثير مخاوف مستثمرين ودائنين بأن تعجز الدولة عن سداد مديونيتها، وتقدم في الوقت نفسه عدداً من الدروس والعبر لبقية بلدان أفريقيا. الدرس الأول الذي تكشف عنه "الإيكونوميست"، يرتبط ب"الضرر المعنوي" لمفهوم إسقاط الديون الذي تمتعت به زامبيا ومعها 29 دولة أفريقية أخرى بفضل مبادرة عام 2005 التي رعاها صندوق النقد الدولي لإسقاط جل الديون في "البلدان الفقيرة المثقلة بالديون" HIPC. وكان هناك متشككون بشأن جدوى تلك المبادرة، ومن بينهم الخبير الاقتصادي ويليام إيسترلي، الذي حذر آنذاك من أن "تخفيف الديون سيشجع حكومات غير أمينة على الاقتراض المتهور، ما لم تترافق (المبادرة) بإصلاحات تعمل على تسريع النمو الاقتصادي وتحسين الحوكمة." وتعترف بأن مبادرة تخفيف الديون كان لها جوانب مضيئة حيث حررت أموالاً كانت مرهونة لسداد الديون لتبني مزيداً من المدارس والمستشفيات في تلك الدول، لكن تحذير الخبير إيسترلي كان أكثر تبصراً وفطنة، فزامبيا التي مر عليها بالكاد عقد من الزمن على الاستفادة من إسقاط الديون، هرولت مسرعة نحو التهام ديون جديدة بلغ معدلها 59 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.. وتلقي الحكومة باللوم على تدهور أسعار النحاس في الأسواق العالمية اعتباراً من عام 2011. أما العبرة الثانية التي توقفت عندها المجلة فتتمثل في أن ازدياد أعداد الدائنين تشجع على الدخول في المزيد من عمليات الاقتراض غير المسئولة أو المدروسة. وبحلول 2016، حينما بات واضحاً أن زامبيا تندفع بقوة نحو أزمة، حثها صندوق النقد الدولي على كبح شهيتها نحو إبرام قروض جديدة. وقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة في سوق السندات إلى بعض الضبط في وتيرة الاقتراض. لكن هناك حكومات، وبالأخص الصين، كانت على أهبة الاستعداد لسد تلك الثغرة. فالصين حالياً تستحوذ على ما يتراوح بين 25 و33 في المائة من الدين الخارجي لزامبيا. كما أن زامبيا طلبت الحصول على قروض من تركيا، التي لديها طموحات في القارة الأفريقية. وهذا يفتح الباب أمام الدرس الثالث الذي سلطت عليه "الإيكونوميست" الضوء بشأن "تغير القواعد التي ستحكم كيفية التعاطي مع أزمات الديون في أفريقيا". ففي الماضي، كثير من الأموال كانت مستحقة للبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ونادي باريس، ومجموعات غير رسمية من الدائنين الغربيين. وكانت تلك التركيبة، تتيح لصندوق النقد الدولي السلطة لكي يطالب بإجراء إصلاحات اقتصادية جريئة شريطة تقديم المساعدات.. لكن نفوذ صندوق النقد الدولي آخذ يتآكل. ولأن هناك العديد من المصالح المتنافسة في الأم - وفقا للمجلة-، فإن فوضى الديون الزامبية الأخيرة ستكون عصية على الحل، فالدائنون الغربيون وصندوق النقد الدولي يريدون من الحكومة وقف تبديد الأموال على مشروعات بنية تحتية مغال في تسعير تكاليفها. لكن البنوك الصينية الممولة لمشروعات البنية التحتية، تعد في حد ذاتها من كبار الدائنين ممن قدموا قروضاً قصيرة الأجل تحتاج زامبيا أيضا إلى إعادة هيكلة. فإذا ألغيت تلك المشروعات فإن البنوك الصينية الدائنة قد ترفض عندئذ إسقاط الديون المستحقة، وإما أنها ستطلب، مثلاً، الحصول على مرفق الكهرباء المملوك للدولة، على سبيل التعويض. وتبدو "الإيكونوميست" أقل تفاؤلاً في خلاصتها بشأن أوضاع الديون في زامبيا، قائلة "إن حدوث أزمة ديون في زامبيا سيكون أمراً حتمياً ما لم يقدم الدائنون جميعهم، بما فيهم الصين، الدعم الكافي والمطلوب لصندوق النقد الدولي لكي يطالب البلاد بضرورة ضبط نظامها المالي وإعادة اقتصادها مجدداً إلى مساره السليم... لكن للأسف فإن ذلك يبدو غير مرجح حدوثه".