قبل عشر سنوات لم تكن السندات الافريقية على رادار المستثمرين الدوليين. بل ان وكالات التصنيف الائتمانى لم تكن تعيرها اهتماما على الاطلاق، كانت جنوب افريقيا الدولة الوحيدة التى طرحت سندات مقومة بالدولار لمستثمرين اجانب. لكن منذ ذلك الحين سار على خطاها 16 دولة . واليوم يحذر البعض من تراكم الديون الخارجية، ويقول انه اذا واصلت الدول الافريقية الاقتراض بالمعدلات الحالية دون رفع معدلات النمو الاقتصادى، فإن مؤشرات الديون قد تعود للمستويات التى كانت عليها قبل تخفيف أعباء الديون فى غضون عشر سنوات. المراقب للمشهد الافريقى يلاحظ اتجاه حكومات القارة فى السنوات الاخيرة، وبعد تخفيف ديونها، الى الاقتراض بالدولار من اجل تمويل مشروعات البنية التحتية، وذلك لانخفاض تكلفته عن الاقتراض بالعملة المحلية. لكن افريقيا وان كانت لا تزال هى ثانى اسرع مناطق العالم نموا بعد آسيا الا انها بدأت تدرك الجوانب السلبية للاقتراض الخارجي. وباستثناء جنوب افريقيا، اصدرت الدول الافريقية ما قيمته 6.75 مليار دولار من الديون الدولارية العام الماضي. وهو ما يقل قليلا عن المستوى القياسى للعام السابق وكان 7 مليارات دولار. غير ان خفض العملات وهبوط اسعار السلع الرئيسية إضافة الى رفع اسعار الفائدة الامريكية، جميعها عوامل ألقت بظلالها على السندات الافريقية. ومن قبل كانت السندات الافريقية صفقة جيدة للطرفين، المستثمرين والحكومات. فالسندات ذات العائد الكبير جذبت صناديق التقاعد فى الدول الغنية. وبإصدار سندات دولارية تمكنت الحكومات الافريقية من تجنب دفع معدلات الفائدة العالية إلىتدفعها على الاقتراض المحلي. ولفترة من الزمن ساد التفاؤل. اذ تمت تغطية الاكتتاب لاول طرح للسندات الدولاية لغانا اربع مرات. وزامبيا كانت فى وضع افضل بسبب ارتفاع اسعار النحاس، وتمت تغطية سنداتها الدولارية لاجل عشر سنوات التى اصدرتها قبل 4 سنوات 24 مرة وتم بيعها بعائد 6.5% وهو ما يقل عن مثيلتها الاسبانية فى ذلك الوقت. ويعود الفضل جزئيا فى اصدار الحكومات الافريقية للسندات الدولاية الى إلغاء الديون التى خفض دينها الخارجى من 67%من الناتج المحلى الاجمالى للمنطقة فى عام 1994 الى 52% فقط بحلول عام 2008. وفى كثير من الاحيان كانت الديون مستحقة لدائنين رسميين مثل البنك الدولى التى حصلت عليها ايضا بشروط صارمة. فبمقتضى مبادرة الدول الفقيرة الأكثر مديونية التى طرحها الصندوق والبنك الدوليان، تم تخفيف أعباء ديون 30 دولة إفريقية من دول جنوب الصحراء. ومن بين ثلاثين دولة افريقية استفادت من تلك المبادرة، قامت عشر دول بإصدار سندات دولارية. وفى مقدمتها غانا التى طرحت اول اصدار فى عام 2007 بعد مرور عام واحد فقط من إلغاء معظم ديونها. ووفقا للفاينانشال تايمز تضاعفت طروحات السندات السيادية لافريقيا جنوب الصحراء بين عامى 2102 و4102 ما ادى الى ارتفاع دينها الخارجى الى 25 مليار دولار. لكن فجأة تراجعت الجدارة الائتمانية لافريقيا، مع تباطؤ النمو الى %3.5 فى المنطقة العام الماضى مقارنة بنحو 5٪ فى العام السابق. وهبوط اسعار السلع الذى خفض الايرادات الحكومية. وكذلك ظهور احتمال رفع اسعار الفائدة الامريكية الذى يجبر حكومات الاسواق الناشئة على دفع عائد اعلى على سنداتها لجذب المستثمرين. ففى شهر اكتوبر الماضي، على سبيل المثال، باعت غانا سندات لاجل 15 عاما بفائدة 57.01% وكذلك زامبيا وانجولا والكاميرون تكبدت كل منها 9% على طروحاتها الجديدة. وفى مراجعتها للتصنيف الائتمانى لجنوب افريقيا فى منتصف مارس الماضى توقعت وكالة موديز خفضا وشيكا لسنداتها السيادية. وارجعت الوكالة احتمال خسارة البلاد لتصنيفها الاستثمارى الى ضعف النمو وتراكم عجز الميزانية والحساب الجارى، وهو ما سيؤدى فى نهاية الامر الى ارتفاع تكلفة الاقتراض فى الوقت الذى يتوقع فيه ان تصل خدمة ديونها الى 12 مليار دولار فى 2018-2019. والاستمرار فى الاقتراض بالدولار خطأ او “جنون” بحسب وصف وزير سابق فى حكومة ساحل العاج الذى يرأس حاليا. بنك كريدى سويس. والاسوأ حالا هى الدول التى تعانى عملاتها هبوطا حادا. ومنها على سبيل المثال زامبيا التى فقدت عملتها 42٪ من قيمتها مقابل الدولار العام الماضي، اى حوالى ضعف تكلفة خدمة ديونها. كما ان اقتراض غانا من الخارج صاحبه زيادة فى الانفاق الجارى بما فى ذلك زيادة رواتب موظفى الحكومة، مما ادى الى ارتفاع دينها الى اكثر من 70% من الناتج المحلى الاجمالى للبلاد بعد ثلاث سنوات من تسجيلها عجزا كبيرا. ومن ثم فقد لجأت غانا الى صندوق النقد الدولى العام الماضى للاقتراض منه وتتطلع زامبيا الى ذلك ايضا. وفى مناطق اخرى اثارت طروحات السندات الدولارية انتقادات سياسية. ففى كينيا اتهم قادة المعارضة الحكومة بسرقة بعض من تلك الاموال. ونظرا لان مشاكل الاقتراض ليست واحدة فى جميع الدول الافريقية، ينصح محللون المستثمرين بعدم التعامل مع السندات الافريقية جميعها كسلة واحدة وانما دراسة كل على حدة. فبعض الدول، مثل إثيوبيا، حافظت على معدل نموها القوى. وعلى الرغم من صعود متوسط نسبة الدين الى الناتج المحلى الاجمالى فى المنطقة، فإنها عند %42 فقط. واستحقاقات السندات ليست قريبة المدى. فمتوسط الاستحقاق 11 سنة، ومن ثم فلا تزال هناك سنوات طويلة لن تضطر فيها سوى لدفع الفائدة فقط، وهى نسبة ثابتة. والتكلفة السنوية لخدمة السندات الحالية ستظل اقل من 1٪ من الناتج المحلى الاجمالي. ومن ثم يقول خبراء معهد بروكجنز انه لن تكون هناك ازمة ديون افريقية على المدى القريب، لكنهم اكدوا ضرورة قيام الحكومات الافريقية بتكثيف جهودها لتحسين اوضاعها الاقتصادية، وعلى اصدار سندات بالعملات المحلية من اجل تجنب مخاطر تذبذب اسعار الصرف. لكن المستثمرين الأجانب يشعرون بالقلق من أخذ هذا الخطر على أنفسهم. وتصدر معظم السندات بالعملة المحلية من قبل عدد قليل من الدول، تتميز بحجمها (نيجيريا) أو بسوقها النامية (كينيا وغانا). ويشعر المستثمرون بالقلق حول الأسواق الصغيرة. ويمكن للدول الافريقية أن تبنى مؤسساتها الاستثمارية المحلية (فى الوقت الحاضر، البنوك تشترى معظم السندات المحلية). نيجيريا، على سبيل المثال، عملت بجد لإصلاح نظام معاشات التقاعد، ونمت أصول صناديق المعاشات التقاعدية بنسبة 25-30 ٪ خلال السنوات الخمس الماضية. وحتى مع ذلك، العوائد على السندات الدولارية لا تزال أقل بكثير من المعدلات المحلية. ودفعت غانا 24٪ على السندات بالعملة المحلية فى نوفمبر. مع هبوط عائدات الضرائب، سوف تحتاج الحكومات الإفريقية إلى الاقتراض من مكان ما. والديون الدولارية ستقل، لكنها لن تختفى.