بعيدًا عن استمرار أو عدم استمرار فاروق العقدة، محافظ البنك المركزي في منصبه، إلا أن الحديث عن رغبته في الابتعاد عن المشهد زاد من قلق المواطنين على وضع الاقتصاد المصري حاليًّا، خاصة مع ما يشهده الاحتياطي المصري من العملات الأجنبية من نزيف خلال الشهر الماضي بلغت قيمته 448 مليون دولار ليسجل 15.2 مليار دولار مقابل 36 مليار دولار نهاية ديسمبر 2010، وهو الشهر الذي سبق قيام ثورة 25 يناير. الغموض الحاصل حول موقف العقدة سببه الأنباء التي ترددت عن تقديمه لاستقالته في نهاية يونيو الماضي، أمام الرئيس محمد مرسي رغم أن المجلس العسكري كان قد مد عضويته حتى عام 2015 إلا أن كثيرًا من المقربين للعقدة قالوا إنه عبر أكثر من مرة عن مخاوفة من النزيف النقدي الذي تعرض له الاقتصاد المصري بعد الثورة، وتراجع الاحتياطي الذي سيفرض عليه تخفيض قيمة الجنيه، وهو ما سيترتب عليه أزمة كبيرة في القطاع المصرفي. العقده ذهب لمقابلة الرئيس مرتين، ووضع أمامه ثلاثة أسماء يصلحون كبدائل له، ولم يستجب لمحاولات مرسي أثناءه عن استقالته، خاصة وأن العقده قدم أداء متميزًا خلال تولية منصبه منذ عام 2004 وحتى الآن. الأسماء الثلاثة التي قدمها العقده لخلافته هي طارق عامر رئيس اتحاد بنوك مصر، ورئيس البنك الأهلي المصري وهو أكبر بنك في مصر، والنائب السابق لمحافظ البنك المركزى المصري . والثاني هو محمد بركات، رئيس بنك مصر، ثاني أكبر بنك في البلاد، ونائب رئيس اتحاد المصارف العربية، والذي شغل لسنوات طويلة عضوية مجلس إدارة البنك المركزي. والثالث هو هشام رامز، نائب محافظ البنك المركزي السابق، ونائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للبنك التجاري الدولي CIB ثاني أكبر بنك خاص في مصر من حيث الحجم. مرسي بحث مع العقدة موقف الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي، والذي فقد 60% من قيمته منذ قيام الثورة وحتى الآن والتعرف على مصير الاحتياطي في حال عدم الحصول على قرض صندوق النقد الدولي البالغ 4.8 مليار دولار مع استمرار الفترة الانتقالية التي تؤثر سلبًا على موارد البلاد من النقد الأجنبي المغذية للاحتياطي. إلا أن أخطر الملفات التي دفعت العقده للإصرار على موقفه هو الاتجاه لقبول شروط صندوق النقد الدولى للحصول على قرض ال 4.8 مليار دولار، والذي يشترط زيادة أسعار السلع وتحرير سعر الجنيه أو تعويمه، والذي أكد خبراء اقتصاديون إنه يمثل في هذه الفترة “,”كارثة حقيقية“,” لأنه يعني أن أي اضطراب عنيف في سوق الصرف سيؤدي إلى استنزاف ما تبقى من احتياطي مصر من العملات الأجنبية، وهو ما قد يؤدي إلى إفلاس البلاد في ظل غياب الاستقرار وغياب سيطرة الدولة، بالإضافة إلى إرتفاع كل أسعار السلع المستوردة عند تقويمها بالجنيه المصري، مما سيرفع فاتورة دعم السلع الإستراتيجية المستوردة وفي مقدمتها القمح والزيوت، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة. كما أن ارتفاع أسعار السلع المستوردة عمومًا سينتقل إلى السلع المحلية، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، وهو ما يعني توجيه “,”ضربة قوية“,” لمحدودي الدخل، خاصة أن ذلك سيتزامن مع تطبيق قانون ضريبة المبيعات الجديد المؤجل تنفيذه.