على مدار أيام الشهر الفضيل نصطحبكم فى رحلة عطرة، نغوص خلالها فى تاريخ الأسرات المصرية القديمة.. لنرصد كيف بدأت عبادة التوحيد، وكيف آمن الفراعنة بالإله الواحد، فالمراجع تعددت والكتب سُطرت فى إيمان الفراعنة، ولكن بين أيدينا وعلى مدار الشهر كتاب «قدماء المصريين أول الموحدين» للدكتور نديم السيار، والذى بحث ودقق ليصل إلى حقيقة ثابتة، وهى أن قدماء المصريين أول من قال «لا إله إلا الله». تناولنا فى الحلقة السابقة فترة حكم مصر فى عهد يوسف الصديق عليه السلام، وأن دعوته لم تكن لأهل مصر من القدماء، وإنما كانت للوثنيين المشركين من البدو الآراميين المعروفين بالهكسوس، وقدمنا الأدلة التى تُثبت أن أهل مصر كانوا على درجة كبيرة من الإيمان والتقوى، بل وكانوا فى أعلى مراحل التوحيد لله الخالق الأحد، واستمر الهكسوس المشركين فى حكم مصر فترة ليست بالقليلة، تجاوزت عهد سيدنا يوسف، ففى عهد سيدنا موسى لم يختلف الأمر كثيرًا فكانت دعوته للإيمان لملوك الرعاة الآراميين الذين احتلوا مصر وعرفوا بالكفر والطغيان، فكان مولد موسى عليه السلام فى عهد خامس ملوك الهكسوس، ويذكر الطبرى فى تاريخه أن امرأة فرعون آسية بنت مزاحم، التى ورد ذكرها فى القرآن الكريم كانت حفيدة الريان فرعون مصر فى عهد يوسف الصديق، وذكرت المراجع العربية والإسلامية الهكسوس بأنهم العماليق، أو أطلق عليهم لقب العماليق، وهو ما يؤكده ابن ظهير فى «الفضائل الباهرة» بقوله: ملك المصريين خمسة ملوك من العماليق، كان أولهم الوليد ثم الريان فرعون مصر فى حكم يوسف ثد دارم، وكان خامسهم فرعون موسى». فكل المراجع العربية والإسلامية تُجمع على أن فرعون موسى كان هكسوسيًا، وكان ترتيبه الخامس، وهو نفسه الذى تلقى موسى رضيعًا، كما تفيد التوراة والمراجع المسيحية والإسلامية بأن موسى عليه السلام عاصر اثنين من فراعنة الهكسوس، أولهما الذى تلقاه صغيرًا ورباه فى قصره، والذى بدأ باضطهاد بنى يعقوب النبى الذى دعاه لمصر وبنيه يوسف الصديق، والذى يُعرف بفرعون الإضطهاد، وثانيهما فرعون الخروج وهو الذى توجه إليه موسى برسالة ربه، وأخرج بنى يعقوب فى عهده وكان عموسى آنذاك 80 عامًا وهو يسمى أيضًا بفرعون الخروج هو الفرعون السادس من ملوك الرعاة الهكسوس، ويقول الدكتور حسين فوزى فى كتاب «سندباد مصرى»: تبدأ أسرة الهكسوس فى مصر ب«الوليد»، ويخلفه فى الحكم «الريان» وبعد ذلك تولى عرش مصر ملك يُقال له «داروم» وهو الفرعون الثالث، أما الفرعون الرابع فيدعى «دريموس»، أما الفرعون الخامس فهو «ابن دريموس»، والفرعون السادس هو فرعون موسى الذى طغا وقال أنا ربكم الأعلى»، وعلى هذه الحقائق التاريخية لم يعد مجالاً للشك بأن فرعون موسى الذى طغى وتجبر ولُعن فى التوراة والقرآن لم يكن من المصريين الموحدين، وإنما كان من الرعاة الآراميين المستبدين، الذين عاثوا فى الأرض فسادًا وقتلاً. هذه الحقيقة التى أكد عليها المؤرخون العرب والمسلمون لها ما يوافقها ويؤكدها فى علم المصريات، حيث جاء فى موسوعة «مصر الفراعنة» أن الأسرة الهكسوسية الأولى كانت تتكون من ستة ملوك، أى أن ذلك الفرعون الهكسوسى السادس قد كانت معه نهاية حكم هذه الأسرة الهكسوسية، وهو ما يتوافق تمامًا مع حالة فرعون موسى، حيث جاء ذكره فى التوراة والإنجيل أنه مات غرقًا هو وجميع أفراد جيشه، وهو دليل يجعل من المستحيل أن يكون الخروج قد وقع فى زمنى خر سوى فى نهاية حكم ما، وهى نفس النهاية المفاجئة التى لا يعرف لها المؤرخون والآثاريون تفسيرًا للأسرة الهكسوسية الأولى. وأيًا ما كان ما حدث لنهاية حكم الهكسوس فالذى يهمنا فى الأمر أن فرعون موسى لم يكن بأى حال من الأحوال من المصريين القدماء، وأنه بلا شك من الهكسوس الآراميين المشركين، هذا ما يقوله العقل والمنطق، وهذا ما تقوله نصوص التوراة ذاتها، وهذا ما تقوله أيضًا بمنتهى الوضوح والتأكيد جميع المراجع العربية والإسلامية، جميعهم يؤكد أن موسى عليه السلام قد عاش فى زمن الهكسوس وأن فرعون موسى كان هكسوسيًا، وهذا الأمر يؤكد أن الإيمان والتوحيد ضاربان بجذورهما فى أعماق التاريخ المصرى، وأن الأنبياء والمرسلين الذين جاءوا إلى مصر لم يكونوا لدعوة أهلها وإنما كانوا لدعوة أُناس معتدين ومغتصبين، ورغم ما تم سرده من حقائق إلا أن هناك الكثير من المغالطات التاريخية التى يسوقها اليهود لإثبات أن فرعون موسى أو فرعون الخروج كان من قدماء المصريين لنفى الإيمان عن أرض الإيمان، ولكنها جميعًا ضرب من الخيال وتضليل وتزوير للتاريخ، وسنتناولها بالتفصيل ولكن فى الحلقة المقبلة.