على مدار أيام الشهر الفضيل نصطحبكم فى رحلة عطرة، نغوص خلالها فى تاريخ الأسرات المصرية القديمة.. لنرصد كيف بدأت عبادة التوحيد، وكيف آمن الفراعنة بالإله الواحد، فالمراجع تعددت والكتب سُطرت فى إيمان الفراعنة، ولكن بين أيدينا وعلى مدار الشهر كتاب «قدماء المصريين أول الموحدين» للدكتور نديم السيار، والذى بحث ودقق ليصل إلى حقيقة ثابتة، وهى أن قدماء المصريين أول من قال «لا إله إلا الله». دعندما وصل يوسف الصديق إلى أرض مصر ليُباع لعزيزها بعد أن ألقاه أخوته فى بئر غيرة وحقدًا من حب والدهم له دونهم، والتقطه التُجار المتجهين لأرض مصر، كان فى انتظاره أمر عظيم، وأحداث جسام، فكان على موعد مع الرسالة، ليبلغ أمر الله ودين التوحيد إلى الهكسوس الطغاة الوثنيين، الذين حكموا مصر إبان وصوله إليها، والذين عاثوا فى الأرض فسادًا وطغيانًا على أهل مصر، فالمراجع التاريخية والقرآن الكريم، ذكرا أن يوسف الصديق توجه بدعوته إلى صاحبيه فى السجن وملك مصر آنذاك، وكلهم كانوا من الهكسوس، والدليل على أن صاحبيه فى السجن من الهكسوس اسمهما، فيذكر الطبرى فى تاريخه أن أحد الفتيين اللذين أدخلا مع يوسف السجن كان اسمه «محلب»، والآخر كان اسمه «نبو»، وهما اسمان غير مصريين وتبدو عليهما بوضوح سِمة الأسماء السامية وخاصة الآرامية، وخاصة اسم «نُبو»، فهو فى الأصل اسم لأحد آلهة الآراميين، وقد كان يتسمى به الكثير من القبائل البدوية كنوع من أنواع التبّرك، وهذا دليل قاطع أن صاحبيه فى السجن كانا من الهكسوس الآراميين. ويُشير الطبرى فى تاريخه أن الفتيين كان أحدهما ساقى الملك والثانى كان خبّازه، أى من يُعد له الطعام، ومن المعلوم أن هاتين الوظيفتين بالتحديد من أكثر الوظائف حساسية بالنسبة لأى حاكم، فما أسهل أن يُدس له السُم مثلاً فى طعام أو شراب لاغتياله، ولا يمكن أن يتولاهما إلا من يكونا موضع ثقة كاملة ومُطلقة من الملك نفسه ومدبرى شئون قصره، وعلى هذا فإن أول شرط فيمن يتولى أيًا من هاتين الوظيفتين أن يكون من نفس جنسهم حتى يأمنوا له ويثقوا فيه، وبالتالى يستحيل افتراض كونهما مصريّين، وهذا أمر بديهى خاصة إذا ما علمنا درجة العداء التى كانت قائمة آنذاك بين المصريين والهكسوس ومدى الكراهية المتناهية التى كان يُكنها كل المصريين القدماء آنذاك لأولئك الغرباء المحتلين لبلادهم، ولا شك أن كل المصريين فى تلك الفترة كانوا فى حالة غليان، وهو ما رصده المؤرخون عن ثورات مصرية كانت تستعر من حين إلى آخر ضد أولئك المحتلين. لذلك يتضح لنا جليًا أن الملك الهكسوسى لم يكن ليأمن واحدًا من المصريين القدماء على طعامه وشرابه، وهنا يتضح لنا دلالة قوله تعالى على لسان يوسف الصديق: «يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ *إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ * أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ* ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»، ليؤكد أن هؤلاء الهكسوس كانوا من الوثنيين المشركين الذين لم يدينوا بدين التوحيد وكانوا على عداء كبير مع المصريين الموحدين، المتبعين لله الواحد الأحد. إضافة إلى أن يوسف كان آراميًا ينطق بلسان الهكسوس الآراميين، إضافة لكونه من بنى جلدتهم، والذين خرج منهم جده الخليل إبراهيم، والذى ورد ذكر قصته معهم فى حلقة سابقة. إلا أن هناك العديد من الشواهد والإثباتات التى سنتعرض لها فى الحلقة القادمة والتى تؤكد أن أهل مصر «المصريين القدماء» فى زمن يوسف الصديق كانوا من الموحّدين.