يضم تاريخ العبيد فى الثقافة العربية الكثير من الأمور المخفيات، ولقد شغل موضع العبيد دراسات كثير من الباحثين لكن يظل تاريخهم مليئًا بتلك الصفحات المجهولة والمثيرة للدهشة. وعندما نستعرض خيوطا صغيرة لكنها عظيمة الشأن فى حركة التاريخ العربى والإسلامى خاصة فيما يتعلق بموضوع العبيد، فالكل يعرف أن الإسلام جاء والرق منتشر وكان واقعا حيا تعامل مع الدين الإسلامى بحكمة بالغة حين رغب الأثرياء فى عتق الضعفاء، وأعطى العبد الحق فى المكاتبة لتخليص نفسه بنفسه، والقصد أنه صنع مخرجا جيدا لتلك الأزمة القائمة. ولقد انشغل الدكتور طه حسين بزاوية غاية الأهمية فى التاريخ الإسلامى وهى الكتابة عن المهمشين وتلك الأحداث التى لم تتجه لها عدسة الكاميرا لانشغالها بأسماء كبيرة ففى حين انشغلت كتابات السيرة النبوية اتجه ليكتب «على هامش السيرة»، وكأنه يقول لقد كان النبى محمد صلى الله عليه وسلم نورًا طالما جذب أقلام الكتاب وشغلهم بالكتابة حول سيرته وأحداثه، فنسوا الكتاب هؤلاء المنسيين وتناثرت أحداثهم فى بطون المصادر مما جعل رافدا من روافد فهم التاريخ يضيع بسهولة فيتجه له طه حسين فيجمعه ويسلط عليه الضوء، وفى كتابه «الوعد الحق» ينتبه للعبيد، هؤلاء الذين فقدوا العائل والأهل والحامى، فأصبحوا مستضعفين، فيصدر الكتاب بقول الله تعالى «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» ثم يسجل هذه الأدوار البطولية التى صدرت من بلال وصهيب وعمار وسالم وابن مسعود فكانوا عونًا لدين الإسلام، هذه صفحات رائعة مكتوبة بشكل قصصى غاية البلاغة والروعة انتبه لها عميد الأدب العربى وخاصة فى العصور الأولى للإسلام. ونضرب صفحا عن أشهر القصص لنستعرض قصة بريرة ومغيث فى أيام النبى محمد صلى الله عليه وسلم، حين جاهدت بريرة وهى تتشوق على الحرية فكاتبت سيدها وساعدتها السيدة عائشة فى شراء حريتها، فتأملت حالها فوجدت نفسها امرأة حرة وزوجة لمغيث العبد فلم تطق ذلك، وطلبت الطلاق، فهام مغيث فى حبها ومضى فى الأسواق يسيل دمعه على لحيته حتى قال النبى للعباس: يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا؟ وحدث النبى بريرة فى الأمر قائلا: لو راجعته، فإنه زوجك وأبو ولدك. قالت: يا رسول الله، تأمرني؟ قال: إنما أنا أشفع. قالت: لا حاجة لى فيه. فتأمل ذلك الموقف فهو يشير بوضوح لنجاح الإسلام فى تحرير الإنسان، فقد انتزعت بريرة حريتها وجربت قرارتها ونجحت فى تنفيذ ما تشاء فأدركت أنها تملك فعلا حريتها التى كفلها لها الإسلام. والمتتبع لتتطور حال العبيد يجد أنهم خرجوا من هذه الدائرة الضيقة إلى عالم أرحب فمنهم من عمل واليًا، وخرج منهم العلماء الذين قعدوا القواعد للعلوم والفنون خلال عصر الراشدين والعصر الأموى.