سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الطائفية والفساد.. بيئة خصبة لنمو الإرهاب في العراق.. مهند الغزاوي: ضرورة العمل تعزيز الهوية الوطنية ومعالجة سوء استخدام السلطة ومحاربة الفساد وإيقاف توظيف الدين
قال الدكتور مهند العزاوى رئيس مركز صقر للدراسات الاستراتيجية المتخصص فى الشأن العراقى: إن هناك علاقة تجمع بين الطائفية والفساد والإرهاب كثلاثية متأصلة فى الواقع العراقى الراهن. وأضاف الغزاوى فى تقرير نشر على موقع واشنطن لسياسيات الشرق الأدنى حول هذا الوضع واقتراب الانتخابات العراقية الجديدة: "على الرغم من أن العراق مقبل على موسم انتخابى جديد، إلا أن إجراء الانتخابات ووجود أحزاب سياسية على الساحة العراقية لا يعنى أن العراق يمر بعملية ديمقراطية ناجحة". وبحسب الغزاوي، فهناك حاجة ملحة لصياغة سياسات واستراتيجيات حكومية وفقا لآليات الحوكمة (الحكم الرشيد) لتضمن العلاقة التفاعلية بين كافة أطراف الحوكمة (الدولة، والمؤسسات، ومنظمات المجتمع المدني، والمجتمع) فضلا عن المنظمات الإقليمية والدولية لتعزيز محاربة الإرهاب، وتبرز ضرورة إعادة التنظيم (الهيكلة) ما بعد الحرب على تنظيم "داعش". وتابع الغزاوي: «أصبح من الضرورى أيضا العمل على تعزيز الهوية الوطنية، ومعالجة سوء استخدام السلطة، ومحاربة الفساد، وإيقاف توظيف الدين كواجهة سياسية بغية الاستئثار بالسلطة ومنافعها المتعددة، تلك الممارسات السلبية قد أفرزتها الطائفية وخلقت مناخ الإرهاب والأزمات والحروب والصراعات على السلطة والفساد المنظم الذى أصبح له عوامل القوة غير المتوازية بما يوازى قوة الدولة بل يتفوق عليها أحيانا. وللأسف، يفتقر العراق للطبقة السياسية المؤهلة ومنظومات حوكمة نزيهة محايدة مستقلة تحقق المتابعة والرقابة، فضلا عن غياب الشفافية ومنظومة التشريعات والقوانين المتعلقة بها وآليات تطبيقها لتحقيق العدالة والمساءلة والتنمية المستدامة»، وفى هذا الصدد طرحت مؤسسة رند الأمريكية العام الماضى دراسة بعنوان (مستقبل العلاقات الطائفية فى الشرق الأوسط)، وخرجت تلك الدراسة بمخرجات واقعية تشير إلى إمكانية انتهاء هذا الصراع من خلال التوجه نحو الهوية الوطنية وتخطى الهويات الطائفية من خلال إيقاف الدور الإقليمى الذى يقوم بتغذية تلك الصراعات، وتطبيق مبادئ الحوكمة دون التمييز بين الطوائف الدينية والمكونات والإثنيات. يشكل الصراع الطائفى عاملا محوريا فى نشوب الصراعات التى برزت فى الشرق الأوسط والتى تدعمها دول إقليمية تسعى إلى تحقيق مصالحها مستغلة هيمنة الهويات الطائفية على الهوية الوطنية، وطابع الخطاب الدينى الذى يروّجه الزعماء الدينيون الذى يؤسس لعلاقة عدائية بين الطوائف. كما ساهم عجز الدول عن توفير الخدمات الأساسية أو تميّز عند تقديمها الخدمات بناءً على الانتماء الطائفى إلى تفاقم تلك الصراعات الطائفية، وهو ما ساهم فى تغذية الانقسام بين الطوائف والمجموعات الدينية. ولا يدرك الكثيرون أن هناك علاقة جوهرية وعميقة بين الطائفية والفساد، وقد أنتجت هذه المتلازمة بيئة مسمومة للإرهاب الذى استنزف قدرات العراقيين، وأضعفت دور الدولة العراقية وجعلها بمثابة منظمة أهلية طائفية، ليظهر دور الكيان الموازى عبر الجماعات غير الحكومية مثل ميليشيات الحشد الشعبي. وقد بات من الواضح أن الطائفية السياسية أصبحت تؤمن للفساد البيئة المواتية للعمل فضلا عن الحصانة القانونية. ويشمل ذلك أيضا الاستمرار بالمحاصصة الطائفية وإشغال المناصب الإدارية العليا من قبل أشخاص لا يمتلكون المؤهلات العلمية والعملية ورصيد الخبرة التخصصية فى المجالات الحيوية، واعتماد ما يسمى ب«الخصخصة الطائفية السياسية فى إشغال المناصب القيادية والإدارية فى مؤسسات الدولة دون الرجوع إلى أداء ونزاهة وكفاءة المرشح للعمل». كما انتشرت ظاهرة مزج الفساد السياسى والإدارى والمالى فى منظومة فساد واحدة دون الاكتراث بالنتائج والعواقب الخطيرة والقانونية منها المتعلقة بسرقة المال العام واستغلال المنصب، فضلا عن انتشار ظاهرة المصارف المالية الحزبية والشخصية والتى أصبحت أرقام تعاملاتها المالية كبيرة لا توازى حجم التوزان المالي، وتعد أول ظاهرة فساد فريدة من نوعها وتحتل الصدارة فى التصنيف العالمى للفساد. وأدى الفساد وتراكم المظالم الشعبية وعدم الكفاءة وغياب أى وسيلة للانتصاف، إلى توفير بيئة خصبة لنمو الإرهاب فى العراق وتفكيك البنية التحتية المؤسسية والمنهجية الوطنية والتلاحم المجتمعى مع الدولة. كما شكل الإرهاب عامل الخداع الاستراتيجى للتغطية على منظومة الفساد العاملة بالعراق والتى تعمل على تهريب أموال الشعب العراقى والخزينة العراقية إلى خارج العراق دون مساءلة دولية أو محاسبة. ومن ثم، تعد الطائفية السياسية العامل الأساسى والمحورى لنمو مناخ الفساد والإرهاب لاسيما فى ظل حصانة الفاسدين والمفسدين وتعاظم سطوتهم التى أضحت تفوق سلطة الدولة العراقية. وختاما، هناك ضرورة ملحة للإسراع فى تطبيق مبادئ الحكم الرشيد الذى بدوره سيساهم فى القضاء على ظاهرة التمييز القائم على الانتماء الطائفى التى يغذيها الفساد. كما يجب على الدولة أن تعمل على تشكيل منظومة مجتمعية لتحقيق المساواة والاستقرار السياسى والأمني. كما يجب العمل على تحقيق الترابط الهيكلى طويل الأمد ما بين الاقتصاد والطاقة والبيئية والمجتمع وصولا إلى النمو الاقتصادى (رأس المال المادي) إلى التنمية البشرية (رأس المال البشري) ثم إلى التنمية المستدامة (رأس المال الاجتماعى – الوطني). وبعيدا عن الانتخابات العراقية المقبلة، يتطلب هذا إرادة سياسية ومتابعة دولية وتطبيقا فعليا لآليات الحوكمة وتفكيك متلازمة الطائفية والفساد وتعزيز الثقة بالمؤسسات الحكومية، كما يجب إعادة هيكلة القوات العراقية وتطويرها لمحاربة الإرهاب وإيقاف المظاهر المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة. وهناك ضرورة أيضا لتطوير إطار تشريعى فاعل ومتجدد يجرم الطائفية ويحارب الفساد، وتطوير وسائل وأساليب منظومات الرقابة الخارجية والداخلية وترسيخ سياسة الإفصاح المؤسسى لتعزيز الشفافية والمساءلة والعدالة.