يقدم لنا الباحث والناقد الدكتور محمود الضبع في أحدث مؤلفاته «مساءلة العقل العربي، المسارات الغائبة» الصادر مؤخرًا عن مؤسسة بتانة للنشر، تساؤلات حول الثقافة والهوية العربية كما يقدم نقدًا للعقل العربي من خلال طرح مجموعة من التساؤلات حول المنظور الذي تتبناه العقلية العربية، والرؤية للحياة، والمفاهيم عن الوعي بالذات وبالآخر، والصراعات الفكرية التي عاشها العقل العربي عبر التاريخ. ويقول الكاتب في مقدمه كتابه والذي تكون من 17 فصلًا: " عربي أنا... بالولادة والمنشأ، وباللغة والتاريخ، وبالانتماء والولاء، وبطريقة تداول الحياة ذاتها.. عربي بلغ من العمر ما يسمح له بأن يتوقف قليلًا ليراقب ما مضى أو سيأتي، وليعيد النظر في عقله الذي يحاكم من حوله من بشر وشعوب وعوالم، ويحكم على ما حوله من ظواهر وحركات وأحداث، وليواجه هوية عقله بالسؤال الذي يبدو أنه تأخر كثيرًا: هل يستحق عقله (الممثل للهوية العربية) التقديرَ، باعتماد معيار الإسهام في ماضي وحاضر ومستقبل الكون؟ هل يحمل بالفعل شيئًا له معنى أو قيمة، كأن يكون مكلّفًا برسالة مثلا عليه تبليغها للكون، بمعنى الإنتاج لصالح الحياة؟ أم تتلخص حكمة وجوده في الحفاظ على حياته التي وهبها له الله، وهي خلاصة إعماره للكون؛ ومن ثم مجرّد الحفاظ على أننا نحيا ونتحرك في هذا الكون يكون كافيًّا لتحقيق معنى الحياة؟ ". وتحمل فصول الكتاب مناقشة لموضوع العقل العربي والهوية والثقافة العربية من خلال تبسيط للمفاهيم العميقة وبأسلوب الكاتب السلس والتي يأتي بعضها بعناوين صادمة فقد بدأ بالفصل الأول تحت عنوان الثقافة العربية والتنوع، لماذا لا نتعلم الدرس ؟، أما الفصل الثاني والذي جاء تحت عنوان " عيوب العقلية العربية" والذي تناول العديد من الموصعات كالصراعات بين العاطفية والعقلانية، والمادي والمعنوي، والمفارقة بين العام والخاص "السر، والعلن" وهيمنة الشفافية والسماع على الكتابية والتوثيق، كما تناول أيضًا الصراع بين العلمي والديني « التدين الشكلي»، وتعظيم الزعامة الفردية والتحرر والوعي بالمستقبل " الحياة المؤجلة"، كما تناول الكتاب العقل العربي وصناعة الإرهاب، ماذا سيكتب المؤرخ العربي؟ حتمية التاريخ وطلاقة الماضي، المحتوى العربي على الإنترنت، الثقافة والتعليم، أزمة فكر عربي). ويشير الكاتب في مقدمة الكتاب إلى بعض تلك الموضوعات الهامة وهي الكشف عن العيوب والتي تُعد بداية للتفكير السليم حيث قال: " وكان التجرد سهلا، فالسؤال البدهي لتقييم هذا العقل هو السؤال حول مميزاته وعيوبه الفكرية. ولأنني عربي؛ بدأت برصد عيوبي أولا، وبعد أن انتهيت أجريت اختبارًا لها على آخرين من البشر دون أن يعرفوا بالطبع أنني أختبرهم ، لقد كنت شريرًا بالطبع لأنني كنت أبحث عن ذاتي في الآخرين، وهم لا ذنب لهم سوى أنهم لقدرهم وُجدوا في محيطي، أو وُجِدتُ أنا في محيطهم. وكانت المحصلة النهائية أن كثيرًا من عيوب عقلي هي ذاتها قاسم مشترك بين كل أهل العربية، فجاء هذا الرصد في صيغه التي يتم طرحها هنا. ويأتي هذا الكتاب ليسائل عقلي أولًا، ثم يسائل ثانيًا العقل العربي في نظرته لنفسه وفي نظرته للحياة من حوله، وفي مفهومه عن الوعي بالذات والوعي بالآخر، وفي إمكاناته التي لا يستطيع استثمارها، وفي موقعه من المستقبل وما ينتظره إذا لم يصنع مستقبله بيديه، وفي صراعاته التي عاشها عبر التاريخ، والتي انحصرت في ثنائيات ضدية بين توجهين فقط؛ من قبيل: القديم والحديث، الشرق والغرب، العلم والدين....إلخ. وكانت إمكانية الالتقاء بين أي من هاتين الثنائيتين متاحة اشتغل عليها أصحاب التوفيق، أما اليوم فلا، فقد غدا التداخل والتشابك والتماهي هو السمة المهيمنة، وحدث التحول من الوعي الجماعي إلى المؤسسة الفردية واليقين الفردي، وبدون إدراك ذلك فلن نستطيع إنقاذ أي شيء في ثقافتنا العربية التي غدت على المحك. ويضيف: "من هنا يأتي هذا الكتاب في صيغة دراسة تحليلية ثقافية تأملية في الوضع الثقافي الراهن للأمة العربية، وبخاصة مصر، التي نعيشها يوميًّا، ونتأملها عن قرب، ومن جهة أخرى لأن إعادة بناء ثقافة هذا الوطن ليست عملية أحادية يكفي لتحقيقها بناء جانب واحد فقط، وإنما لابد أن يشملها مشروع أكبر تتدخل فيه كل القطاعات، وتتكامل فيه كل التخصصات، وهو يستحق ذلك بالفعل؛ فقط لأنه ليس في الإمكان انتظار المزيد، فسقوط الهويات عالميًّا تتزايد معدلاته يوما بعد يوم لصالح هويات تتضخم يومًا بعد يوم أيضًا، مثل هوية الشرق الآسيوي، وغيرها مما استطاع في سنوات قليلة أن يهدد الهويات التي كان الاعتقاد بأنها مستقرة من جهة مثل الغرب الأوروبي والأمريكي، ومن جهة ثانية يغزو شعوبا أخرى فكريًّا وماديًّا دون أن تستشعر هذه الشعوب الخطر على هوياتها الأصلية، مثل الشعوب العربية والإفريقية. إنها موضوعات قد تبدو للوهلة الأولى منقطعة العلاقة، ولكنها بقليل من التأمل تحيل إلى قراءة من زوايا عدة للوضع العربي، والثقافة العربية، والعقلية العربية، والوعي العربي، من منظور التأمل والتحليل واختبار الظواهر والممارسات على مستويات عدة؛ جغرافية وتاريخية ونفسية واجتماعية واقتصادية وحضارية، وكثير مما يدخل في هذا السياق مما يكشف عن راهن العقل العربي، والثقافة العربية، والهوية العربية". ويختتم: "لعلّنا بذلك نسهم في لفت الانتباه بما هو مرئي ومُشَاهدٌ يوميًّا، ويستطيع الجميع بالفعل الإسهام في وضع الحلول له. وأخيرًا فإن الذين يدركون مثلي أنهم يجهلون في الحياة أكثر مما يعرفون يتحسسون خطاهم على مهل، وينتظرون قليلا قبل إصدار الحكم".