يبدو أن جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية التى تنظمها الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، أصبحت من الجوائز المحظوظة بالضجة الإعلامية بسبب تزامنها مع أحداث سياسية واجتماعية جسيمة، ويشاء القدر أن يكون العمل الفائز أو صاحبه ذا علاقة ما بهذا الحدث.. فى العام الماضى مثلا فاز بها الروائى المصرى عادل عصمت عن روايته «حكايات يوسف تادرس» وجاء إعلان الجائزة بالتزامن مع حادث انفجار الكنيسة البطرسية بالعباسية الذى هز مشاعر المصريين جميعا، وبالصدفة كان بطل الرواية الفائزة مصريا مسيحيا تتجلى مشاعره الإنسانية فى حكاياتها، ما دفع البعض للظن أن إدارة الجامعة اختارت هذه الرواية لهذا السبب، وهو ما نفته لجنة التحكيم. وفى هذا العام فازت بالجائزة الكاتبة الفلسطينية حزامة حبايب، عن روايتها «مخمل» التى تتنول الواقع الإنسانى الفلسطينى فى المخيمات ومشقة حياتهم، محاولة إيجاد بعد جديد لحياتهم، غير ذلك الذى تفرض السياسة سطوتها عليه، وجاء ذلك بالتزامن مع اشتعال القضية الفلسطينية فى الوقت الراهن عن أى وقت سابق، بسبب قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالمدينة التاريخية عاصمة للكيان الصهيوني. اختيار «حبايب» دفع البعض للتساؤل مجددا حول نية الجامعة الأمريكية فى القاهرة، هل منحت الجائزة لكاتبة فلسطينية فى هذا الوقت اعتراضا منها على قرارات «ترامب»، أم أن الأمر محض صدفة، والرواية فازت لكونها جيدة فقط؟ ضجة الحدث السياسى طغت على الحدث الثقافى، ما دفع «البوابة» لتوجيه سؤال مباشر، فى حوار مع «حبايب» فور تسلمها الجائزة، عن قرارات ترامب الطائشة؛ فقالت باستماتة إن هذا القرار لا يمسها فقط كفلسطينية، ولكن يمس كل مثقف عربى فى أى بقعة من بقاع العالم، معقبة: «القدس عربية ولا خلاف على ذلك». كان لا بد أن نعرف منها دور المثقف الفلسطينى فى مواجهة تلك القرارات، ودوره فى مجابهة الكيان الصهيونى واحتلاله الغاشم للأراضى الفلسطينية، فقالت «دوره أن يواصل مشروعه الثقافى لتكريس وتعزيز الهوية الفلسطينية، وتعزيز ثقافة الحياة والحب والإنسان بالدرجة الأولى، بالنسبة لنا هذا كفاح، والكتابة الإبداعية نضال بموازاة المقاومة الشعبية الحادثة فى الشارع.. نريد أن نثبت من خلال هذا الإبداع للعالم أننا نمتلك إرثا ثقافيا يعزز من هويتنا وانتمائنا». ووجهت «حبايب» نصائح للجيل الجديد من المثقفين الفلسطينيين، بالتسلح بالقراءة والمعرفة باعتبارها الأساس فى إبراز الهوية، والبحث عن الأصالة فى الكتابة، والترويج فى الدرجة الأولى لثقافة «الحب والحياة». وأعربت الكاتبة الفلسطينية عن سعادتها بالفوز بهذه الجائزة لثلاثة أسباب، أولها أنها فازت بها دون أن تترشح إليها، وهذا يعنى أن لجنة تحكيم الجائزة أودعت كامل ثقتها فى العمل، وهو ما يعد تكريما آخر لها، وسعيا من الإدارة وراء الكتابة الجيدة قبل أى شىء آخر، والسبب الثانى أن الجائزة تحمل اسم أحد الأدباء الذين أثروا فيها بكتاباتهم، وهو الأديب الكبير نجيب محفوظ، أما السبب الأخير والذى يعد مفاجأة سارة لها، فهو أن هذه هى المرة الأولى التى تزور فيها مصر، وهو حلم ظل يراودها منذ زمن. «حزامة حبايب» كاتبة يتداخل انتماؤها بكتاباتها بشخصيتها بتطلعاتها، فلا تستطيع أن تفصل شيئا عن الآخر، فروايتها تحمل همًا فلسطينيًا هو همها فى الأساس، فهى تقول عن نفسها «أنا حزامة حبايب ابنة اللاجئ الفلسطينى حامد محمد حبايب، الذى غادر قريته الفلسطينية طفلا فى السابعة، ممسكا يد أمه لاهيا عن مآل البلاد غير واع أنه استحال رمزا لأكبر نكبات العصر.. أنا حزامة حبايب إنما أستعيد البلاد وناس البلاد بالحكاية.. أنا فى كل حكاية أعود إلى وطني.. قد لا أكون منتصرة.. لكننى بالتأكيد أكون مهزومة أقل، فالمجد كل المجد للحكاية». ولدت حبايب ونشأت فى الكويت ودرست فيها، حيث حصلت على شهادة البكالوريوس فى آداب اللغة الإنجليزية من جامعة الكويت، وبدأت الكتابة والنشر وهى على مقاعد الدراسة الجامعية، ثم فى أثناء اشتغالها فى سلك الصحافة، وعرفت فى تسعينيات القرن الماضى كواحدة من أبرز كتاب القصة فى الأردن وفلسطين، ضمن جيل السرد التسعينى، وقد غادرت من الكويت إلى الأردن فى العام 1990 مع اندلاع حرب الخليج الأولى، لتكتسب شهرتها هناك ككاتبة قصة قصيرة مع صدور أول مجموعة قصصية لها بعنوان «الرجل الذى يتكرر» فى العام 1992، والتى نالت عنها جائزة مهرجان القدس للأدباء الشباب. ونشرت «حبايب» فى العام 1994 مجموعتها القصصية الثانية «التفاحات البعيدة» التى لقيت احتفاء نقديا، وهو العام ذاته الذى نالت فيه جائزة رابطة الكتاب التقديرية عن مجمل أعمالها القصصية، وهى إحدى أرفع الجوائز الأدبية فى الأردن، ثم نشرت فى العام 1997 مجموعتها القصصية «شكل للغياب»، تلتها المجموعة القصصية التى تحمل عنوان «ليل أحلى» فى العام 2001. وبعد 4 مجموعات قصصية كرستها كصوت مميز فى المشهد السردى العربي؛ نشرت «حبايب» روايتها الأولى «أصل الهوى» فى العام 2007، وهى رواية حظيت باهتمام نقدى لافت، وفى العام 2011 نشرت روايتها الثانية «قبل أن تنام الملكة» التى وصفها بعض النقاد أنها ملحمة روائية تتناول اللجوء الفلسطينى، واستكملت تلك الروح الوطنية الفلسطينية فى روايتها الصادرة العام 2016 «مخمل» التى فازت بهذه الجائزة. وإضافة إلى القصة والرواية كتبت حبايب الشعر، فصدرت لها مجموعة بعنوان «استجداء» فى العام 2009. كانت قاعة تسليم الجائزة بالجامعة الأمريكية يحيطها جو من الدفء والارتياح، ففور إلقاء حبايب كلمتها تعالت بعض الأصوات بالهتاف «القدس عربية»، وسط نخبة من مثقفي مصر البارزين، من بينهم الفنان التشكيلى الكبير عادل السيوى، والروائى أشرف الصباغ، والناقدة منى طلبة، والروائى بهاء عبدالمجيد، والناقدة شيرين أبوالنجا، وغيرهم، غير أن كلمات حبايب الرنانة دفعت البعض لمشاركتها البكاء. رواية «مخمل» اعتبرتها لجنة التحكيم «رواية فلسطينية جديدة لا تدور حول القضية السياسية والمقاومة وحلم العودة.. إنها عن الفلسطينيين الذين تمضى حياتهم دون أن يلتفت إليهم أو أن تدون فى الخلفية، فى حين تحتل الدراما السياسية مركز الصدارة، كما تتميز رواية مخمل بلغة غنية وتعاطفها مع موضوعها، فيولد هذان العنصران وصفا دقيقا لمشقة الحياة لكنه يتدفق بحساسية ورقة.. تعزى البطولة فى هذه الرواية إلى شعرية ومهارة العزف على أوتار الكلمات، وإطلاق الصور مجنحة الخيال، وتوازن إيقاع الجمل محكمة البناء، فتقدم حبايب رؤية جديدة للمخيمات الفلسطينية بلغة عذبة ناعمة».